صفة جميلة ، وخلقٌ كريم
أوصى به خير البرية عليه أفضل الصلاة والسلام . .
وحثنا عليه ربُّ العباد في كتابه المكرم ،
خلقٌ ربما لو تحلينا به في عالمنا هذا لـ"
صَلُحَت" الأرض !
ولكن بكل أسف هناك من يراه "ضعفاً وهواناً" ! وهناك من لايقدر عليه لشيءٍ في قلبه . .
وربما لو عرفوا فضله وقيمته لتهافتوا عليه كما يتهافتُ النّحلُ على الزهرِ !
كيف لا وقد أوصانا الحبيب - عليه الصلاة ولاسلام - بالدعاء به إن أدركنا ليلة القدر . .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : "
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟"، قال : "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" [أخرجه الترمذي]
فـَ أيُّ فضل هذا وأيُّ منزلة لهذا الخلقِ ؟!







«الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [آل عمران:134]















يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة آل عمران :

«وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ● الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ● وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ● أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ» [آل عمران 136]



(حديث مرفوع) عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران : 133]
قَالَ الْمُسْلِمُونَ : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ ! أَبَنُو إِسْرَائِيلَ كَانُوا أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَّا ؟ ! قَالَ : " كَانُوا إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ ذَنْبًا ، أَصْبَحَ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةً فِي عَتَبَةِ بَابِهِ : اجْدَعْ أَنْفَكَ ، اجْدَعْ أُذُنَكَ ، افْعَلْ كَذَا وَكَذَا " ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَؤُلاءِ الآيَاتُ الأَرْبَعُ ، أَوَّلُهُنَّ : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران : 133]
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ " . ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَاتِ عَلَيْهِمْ " .

[المصدر]






















و في تفسير ابن كثير :



«الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [آل عمران:134]

ثم ذكر تعالى صفة أهل الجنة فقال: {الذين ينفقون في السراء والضراء}.

أي في الشدة والرخاء، والمنشط والمكره والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال كما قال: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية}، والمعنى أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة اللّه تعالى والإنفاق في مراضيه، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر .

وقوله تعالى: {
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}.

أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفو مع ذلك عمن أساء إليهم، وقد ورد في بعض الآثار:"
يقول تعالى يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت، أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فيمن أهلك" (رواه ابن أبي حاتم).

وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "
ليس الشديد بالصُرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (أخرجه الإمام أحمد).

وقال الإمام أحمد، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "
أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله"، قالوا: يا رسول اللّه ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: "اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالَكَ من مالِكَ إلا ما قدمت، وما لوارثك إلا ما أخرت" .

قال، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "
ما تعدون الصرعة فيكم! قلنا الذي لا تصرعه الرجال، قال: "لا، ولكن الذي يملك نفسه عن الغضب".

قال، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "
أتدرون ما الرقوب" قلنا الذي لا ولد له، قال"لا، ولكن الرقوب الذي لا يقدم من ولده شيئاً" (رواه أحمد وأخرج البخاري النّص الأول منه).

(حديث آخر) قال الإمام أحمد: عن سهل بن معاذ بن أنَس عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "
من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه اللّه على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء".

(حديث آخر) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه في قوله تعالى: {
والكاظمين الغيظ} أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ اللّه جوفه أمناً وإيماناً".

فقوله تعالى: {
والكاظمين الغيظ} أي لا يعملون غضبهم في الناس بل يكفون عنهم شرهم ويحتسبون ذلك عند اللّه عز وجلّ.

ثم قال تعالى: {
والعافين عن الناس}.
أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال .

ولهذا قال: {
واللّه يحب المحسنين}.
فهذا من مقامات الإحسان.

وفي الحديث: "
ثلاث أقسم عليهن، ما نقص مال من صدقة، وما زاد اللّه عبداً بعفو إلاعزاً، ومن تواضع للّه رفعه اللّه ".

وروى الحاكم في مستدركه، عن أُبّي بن كعب، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "
ومن سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات، فليعف عمن ظلمه، ويعطِ من حرمه، ويصلْ من قطعه".

وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "
إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يقول: أين العافون عن الناس، هلموا إلى ربكم، وخذوا أجوركم، وحق على كل امرىء مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة" (أخرجه ابن مردويه).

[المصدر]















و في تفسير ابن الجوزي :

«الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [آل عمران:134]

قوله تعالى: { الذين ينفقون في السراء والضراء }.
قال ابن عباس: في العسر واليسر.
ومعنى الآية: أنهم رغبوا في معاملة الله، فلم يبطرهم الرخاء، فينسيهم، ولم تمنعهم الضراء فيبخلوا.

قوله تعالى: {
والكاظمين الغيظ }.
قال الزجاج: يقال: كظمت الغيظ: إذا أمسكت على ما في نفسك منه،
وكظم البعير على جرَّته: إذا رددها في حلقه.

وقال ابن الأنباري: الأصل في الكظم: الإمساك على غيظ وغم.

وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى ".

قوله تعالى: {
والعافين عن الناس}.
فيه قولان.
أحدهما: أنه العفو عن المماليك، قاله ابن عباس، والربيع.
والثاني: أنه على إطلاقه، فهم يعفون عمن ظلمهم، قاله زيد بن أسلم، ومقاتل.

[المصدر]












و في تفسير البغوي :

«الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [آل عمران:134]


{ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } ،
أي: في اليُسر والعُسر، فأول ما ذكر من أخلاقهم الموجبة للجنة ذكرَ السَّخَاوَة.
وقد جاء في الحديث: أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا أبو عمرو الفراتي أخبرنا أبو العباس أحمد بن إسماعيل العنبري أخبرنا أبو عبد الله بن حازم البغوي بمكة أخبرنا أبو صالح بن أيوب الهاشمي أخبرنا إبراهيم بن سعد أخبرنا سعيد بن محمد عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "
السخي قريبٌ منَ الله قريبٌ منَ الجنةِ قريبٌ من النّاس، بعيدٌ منَ النّار، والبخيلُ بعيدٌ من الله بعيدٌ منَ الجنةِ بعيدٌ منَ الناسِ قريبٌ منَ النّار، والجاهل السخي أحب إلى الله من عابد بخيل ".

{
وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ }
أي: الجارعين الغيظَ عند امتلاء نفوسهم منه، والكظم: حبس الشيء عند امتلائه، وكظم الغيظ أن يمتلىء غيظاً فيردّه في جوفه ولا يُظهره.
ومنه قوله تعالى:{
إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ }[غافر: 18].

أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا أبو عمرو الفراتي أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الإسفرايني أخبرنا أبو عبد الله بن محمد زكريا العلاني أخبرنا رَوح بن عبد المؤمن أخبرنا أبو عبد الرحمن المُقْرِي أخبرنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "
مَنْ كظمَ غيظاً وهو يقدرُ على أن ينفذَه دعاهُ الله يومَ القيامةِ على رُؤوسِ الخلائقِ حتى يخيّره من أيّ الحُورِ شاء ".

{
وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ }
، قال الكلبي عن المملوكين سوء الأدب، وقال زيد بن أسلم ومقاتل: عمّن ظلمهم وأساءَ إليهم.

[المصدر]










الثانية : هـُنا
الثالثة : هـُنا













إن العفو شِعار الصالحين الأنقياء ذوي الحلم والأناة والنّفس الرضيّة؛ لأنَّ التنازل عن الحق نوع إيثار للآجل على العاجل، وبسط لخلق نقي تقيٍّ ينفذ بقوة إلى شغاف قلوب الآخرين، فلا يملكون أمامه إلا إبداء نظرة إجلال وإكبار لمن هذه صفته وهذا ديدنه.

إن العفو عن الآخرين ليس بالأمر الهين؛ إذ له في النفس ثقل لا يتم التغلُّب عليه إلا بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقام للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياء الذين استعصوا على حظوظ النّفس ورغباتها، وإن كانت حقًّا يجوزُ لهم إمضاؤُه لقوله-تعالى-: {
وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ}. [الشورى:41]

غيرَ أنَّ التنازل عن الحقّ وملكةَ النفس عن إنفاذِه لهو دليلٌ على تجاوزِ المألوفِ وخَرق العادات.

ومِن هنا يأتي التميُّز والبراز عن العُموم، وهذا هو الشَّديد الممدوحُ الذي يملِك نفسه عند الغضب كما في الصحيحَين وغيرهما عن النبي-صلى الله عليه وسلم-.
وقد أخرج الإمام أحمَد في مسنده قولَ النبيِّ-صلى الله عليه وسلم-: (
من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفِذَه دعاه الله على رؤوسِ الخلائق حتى يخيِّرَهُ من أيِّ الحور شاء). [ أحمد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم(6522).]

و عن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قال:
ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله-تعالى-حدثنا بها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى:30).
وسأفسرها لك يا علي:"
ما أصابكم من مرض، أو عقوبة، أو بلاءٍ في الدنيا فيما كسبت أيديكم،
والله-تعالى- أكرم من أن يثني عليهم العقوبة في الآخرة،
وما عفا الله-تعالى-عنه في الدنيا فالله-تعالى-أحلم من أن يعود بعد عفوه
". [أحمد(1/85).وقال أحمد شاكر(2/649)، إسناده حسن.]

وقد أمر الحق-جلَّ وعلا- نبيه الكريم- صلى الله عليه وسلم- بالعفو والصفح، فقال تعالى: {
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (لأعراف:199) .
وقد فهم النبي- صلى الله عليه وسلم- العفو بأن تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك.

وقد أمر الله المؤمنين، بما أمر به المرسلين ، فقال-جل من قائل-:{
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:109).

وقد جاء عن أبي بكر-رضي الله عنه-أنه قال: "
بلغنا أن الله تعالى يأمر منادياً يوم القيامة فينادي: من كان له عند الله شيء فلقم، فيقوم أهل العفو فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس". [نضرة النعيم(7/2907).]

بوَّب البخاريّ-رحمه الله في صحيحه-بابًا عن الانتصارِ من الظالم، لقوله- تعالى-: {
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}.[الشورى:39]

وذكَرَ عن إبراهيم النخعيّ قوله: "
كانوا يكرَهون أن يُستَذَلّوا، فإذا قدروا عفَوا". [البخاري- كتاب المظالم.]

قال الحسن بنُ علي-رضي الله تعالى عنهما-: (
لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى لقبِلتُ عذرَه). [راجع: الآداب الشرعية لابن مفلح.(1/319).]

وقال جعفرُ الصادِق-رحمه الله-: "
لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة". [أدب المجالسة ص(116).]

وقال الفضيل بنُ عياض-رحمه الله-: "
إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلاً فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمِل قلبي العفوَ ولكن أنتصر كما أمرَني الله- عزّ وجلّ- فقل له: إن كنتَ تحسِن أن تنتَصِر، وإلاّ فارجع إلى بابِ العفو؛ فإنّه باب واسع، فإنه من عفَا وأصلحَ فأجره على الله، وصاحِبُ العفو ينام علَى فراشه باللّيل، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور؛ لأنّ الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان".

ثم إنَّ بعض الناس قد بلغ من القسوةِ ما لا يمكن معها أن يعفوَ لأحد أو يتجاوَز عنه، لا ترونَ في حياته إلاّ الانتقام والتشفِّي، ليس إلا.
ترونَه وترونَ أمثالَه كمثَل سماءٍ إذا تغيَّم لم يُرجَ صَحوُه، وإذا قَدر لا يُنتَظَر عفوه، يغضِبُه الجرمُ الخفيّ، ولا يرضيه العذرُ الجليّ،
حتى إنّه ليرَى الذنبَ وهو أضيقُ من ظلِّ الرمح، ويعمَى عن العذرِ وهو أبيَنُ من وضَح النهار.
ترونَه ذا أُذنين يسمَع بإحداهما القولَ فيشتطّ ويضطرب، ويحجبُ عن الأخرَى العذرَ ولو كان له حجّةٌ وبرهان.
ومَن هذه حالُه فهو عدوُّ عقلِه، وقد استولى عليه سلطان الهوَى فصرفَه عن الحسنِ بالعفوِ إلى القبيح بالتَّشفِّي،

تقول عائشة-رضي الله تعالى عنها-:
ما ضرب رسول الله شيئًا قطّ بيده، ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهِدَ في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتَقِم من صاحبه إلاّ أن يُنتَهَك شيء من محارِم الله فينتَقِم لله عز وجل". [رواه مسلم برقم 2328.]

[المصدر]









































يتبع ،.