الحمدلله اللطيفِ الرؤوفِ المنانْ، الغني القويِ السلطانْ، الحليمِ الكريمِ الرحيمِ الرحمانْ، الأولِ فلا شئ قبله والأخرِ فلا شئ بعده، والظاهرِ فلا شئ فوقه، والباطنِ فلا شئ دونه، يعلمُ ماكانَ وما يكونُ وما لم يكنْ لو كانَ كيف يكونْ، أرسي الأرضَ بالجبالِ في نواحيها وأرسلَ السحابَ الثقالَ بماءٍ يحييها ثمَّ قضي بالفناءِ علي جميعِ ساكنيها، ليجزيَ الذين أساؤا بما عملوا ويجزيَ الذين أحسنوا بالحسني، أحمدُهُ عزّ وجلّ وأشكرُه ومن مساويِ عملي أستغفرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، جلّ عنِ الأشباهِ والأمثالْ وتقدَسَ عنِ الشركاءِ والأضدادْ، لا مانع لما أعطي ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد، وأشهد أن سيدَنا وحبيبَنا وإمامنا وقدوتَنا وأسوتَنا محمدٌ رسولُ الله عِترتُه خيرُ عِترة، وسيِرته خيرُ سيرة، وشجَرتهُ خيرُ شجرة نبتت في حرمٍ وبسقت في كرمْ، أرسله الله بشيرا ونذيرا وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيرا، ففتّح الله به أعيناً عميا وأذاناً صما وقلوباً غلفا، فصلواتُ الله عليه وعلي آله وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسانٍ إلي يومِ الدين
وبعد :




فإن الجهاد فريضة محكمة في المسلمين وسنة باقية ما بقي الدين، لا يمنعها الا ظالم ولا يحرمها الا مبتدع، فاتقوا الله في ذروة سنام الاسلام وفي مكمن عزة المسلمين، ما اكرمهم الله الا به وما اذلهم الا حين تركوه وضيعوا فريضة الله عليهم، فصدقت فيهم نبوءة سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم) انهم صاروا على كثرتهم غثاء كغثاء السيل الهالك من حبهم للحياة وكراهيتهم للموت.
ان رد الظلم ونصرة المظلوم واجب معلق برقاب كل المسلمين، لا تزول قدم الواحد منهم الا بالسؤال عنها والمحاسبة عليها، ونصرة الدين فريضة عين لم تجب ابتداء بدعوة ولي الامر اليها ولن تسقط بالتالي بمنعه منها، كيف لا وهو الذي لا يطاع الا بطاعة الله فيهم فإن عصاه فلا طاعة له عليهم، فأنى له حظرُ ما اذن الله به وأمر، قال تعالى: “أُذِنَ للذين يقاتَلون بانهم ظُلِموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله” صدق الله العظيم.وما الجهاد اذا لم يكن لاخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، واي عبادة للعباد اكثر من جهر الواحد منهم بالوهية من خلقه الله من ماء مهين، واجباره الخلق على السجود اليه من دون الله، وسفكه لدماء المسلمين بغير الحق، وتمثيله بجثث النساء والاطفال والعجز، وتهجير المسلمين من ديارهم والدوس على رقابهم وهتك أعراض حرائر المسلمين، وقطع ارزاق الخلق، والهزء بشعائر الله وتدمير بيوته، ان لم يكن كل ذلك موجباً للجهاد فمن ذا الذي يكون، بل وما الجهاد اذن؟ وماذا تنتظرون لاعلان الجهاد يا من حملكم الله الامانة بتوليكم امر المسلمين؟ فهل يُسأل الفاروق عمر في دابة عثرت بارض العراق لِمَ لم يمهد لها الطريق ولا تسألون أنتم عن دماءٍ اريقت واعراض هتكت ومحارم انتهكت ومساجد دمرت وشعائر عطلت وأنفس ذلت وأهينت؟ فأي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون؟وعوضاً عن ان تقودوا فيالق الجهاد لنصرة اخوانكم تقعدون كما تقعد الحريم، ولا تكتفون بعاركم هذا فحسب، بل وتمنعون الخير عن غيركم، فتحرمون عليه الخروج الى الجهاد لنصرة الدين الا بإذن من ولي فرض امره على المسلمين فلم يأذن بالجهاد ولن يأذن به، فلا والله ولا تالله ولا بالله، لا نعبدكم من دون الله ابداً كما فعل الذين كانوا من قبل لاحبارهم ورهبانهم، فحرموا ما احل الله واوجبه واحلوا ما حرم الله وامقته، والا فمصيرنا ومنتهانا كمثل جند فرعون الذي طغى وآثر السلامة في الحياة الدنيا فلم يغنِ عنهم من عذاب الله شيئاً. واولى مراتب هذا العذاب ان يعجله الله لكم في الدنيا قبل الآخرة، فلا تظنُّن انكم بترككم لفريضة الجهاد ومنعكم منها الا تحل الفتنة قريباً من داركم، فالله أشد مكراً وأشد تنكيلاً، وَلَيُسلّطنّ عليكم بتضييعكم لهذه الفريضة من لا يخافه فيكم ولا يرحمكم، بدعوة مظلوم يئنُّ من العذاب او بصرخة ثكلى من الحَزَن، ليس بينها وبين الله حجاب، فليحملنَّها الله على الغمام ويقول “وعزتي وجلالي لانصرنك ولو بعد حين”.



ثم ان الله لسائلنا وسائلكم عن كل دم أريق لِمَ لم ننتصر اليه وعن كل عرض هتك لِمَ لم نغر عليه، فالله الله من لدماء المسلمين والله الله من لدموع المسلمين والله الله من لاعراض المسلمين والله الله من لآهات المعذبين ومن لصرخات المستنجدين.

رب وامعتصماه انطلقت ملئ أفواه البنات اليُتَّمِ
قد لامست اسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ

عار وعار وعار بل الف عار وعار على امراء هذه الامة، امة المليار، ان يتحرك الغرب لنجدة المسلمين ولا يتحركوا، ان ينتفض الغرب لدماء المسلمين ولا ينتفضوا، ان يغار الغرب على اعراض المسلمين ولا يغاروا. فأف وتباً وسحقاً وبعداً لكل شيطان اخرس متخاذل يتهاون في دماء المسلمين وفي اعراضهم وحرماتهم، يبيعها بعرض دنيوي قليل وزائل من منصب او تجارة، فعسى الله العلي القدير ان يؤتي المؤمنين خيراً من جنته، ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً او يصبح ماؤها غوراً فلن يستطيع له طلباً، ثم الله نسأل ان يذله على رؤوس الخلائق يوم القيامة بتركه لنصرة من ذُلّ عنده من المسلمين، ولا تحسبن الله غافلاً عما يفعل الظالمون.
حسبنا الله وحده، نعم المولى ونعم النصير ونعم الوكيل، كافٍ بقوته عبده، وآتٍ عن قريب نصره، بكم وبغيركم، ولو بغير الارض جميعاً، يده فوق يد المجاهدين، يبطش ويرمي معهم ويثبتهم على الحق اليقين، ويُصبِّرهم بصبر ساعة حتى يأتي نصر الله، ألا ان نصر الله قريب، فإن يكونوا يألمون فأعداؤهم يألمون كما يألمون، ويرجون من الله ما لا يرجون. وبشر المؤمنين، فإن أمرهم في كل حال لهم خير، كيف لا والله واعدهم –ووعده الحق- باحدى الحسنيين، شهادة في عليين او نصر مبين. والامر -كل الامر- لله من قبل ومن بعد، والارض -كل الارض- لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.قال تعالى: “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ، يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ”. صدق الله العظيم.

والسلام على من إتبع الهدى ...