بسم الله الرحمن الرحيم


رمضانُ القرآنُ .. والنّورُ والبرهانُ ~

(( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ ))

(( إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ))






الحمد لله كما يحب ويرضى ، والصلاة والسلام على النبي المرتضى ، وآله وصحبه ومن على دربه مضى إلى يوم الدين .


أما بعدُ ..


~ , ’ * ’ , ~




رمضانُ .. هو عودة وإياب إلى هديِ ربّ الأرباب .
إنّه ذكرى الضوء الذي أشرق على البشريّة بعد عصور أظلمت لقرون طالتْ ،
فاهتدت به وسارت عليه وحرصت عليه حِرْص العطِش الظمآن على رِيّه من سقيا الماء ؛
إيمانًا منها في ذلك الزّمان بأحقّيّة ذلك النور بالاتّباع على وجه التفرّد ،
وأنّه الموصل إلى كلّ غاية ، والسفير إلى كلّ مقصِد .


رمضان ذكرى أمجاد عاشتْها أمّة الإسلام في ظلال القرآن العظيم ،
عاشتها حينما عرفتْ كيف تعظّم كلام ربّها وتوقّره ، وكيف توفيه حقّه من الامتثال والعناية .


كيف لا .. وقد غشي أعينهم الظلام الدامِس لدهور طوال ، وها قد أبصرت النور .. أفلا يُتَّبَع ويُقتَدى به ؟!
بلى . قد كانت عزائمهم وفِطَرُهم السليمة نقيّة وصافية لدرجة تكفي لأن تعيَ أنّ هذا الكتاب
هو منهج الحياة وسرّ النجاة وكلمة سرّ الفلاح والنجاح .


~ , ’ *


يأتينا رمضان كلّ عام بهذه الذكرى ؛ ليضعنا مرةً تلو المرّة أمام الحدث التاريخي الغيبيّ العظيم بنزول الكتاب الكامل الجامع المهيمِن إلى السماء الدّنيا ، ليستأنف النّزول مفرّقًا آياتٍ فآياتٍ ، مرتّلاً مبينًا .

يأتي لينبّه غفلتَنا ، ويطرح علينا سؤالاً :

" كيف حالكم مع القرآن ؟ "

~ , ’ * ’ , ~


فيرجِع كلّ أوّاب إلى حاله ويعتبر فيها وفيما صارت إليه وحالتْ في هذه السّنة المنصرمة منذ آخر رمضان ،
وأين صار موقعُها من القرآن وقراءته والعمل به والاحتكام إليه والاستشهاد به في المواقف والحوادث .

فإما مُحْسِن ثابت زاد في إيمانِه وهداه ،
واستحضر كلام ربّه وحكمه في كلّ شأن من شؤون حياته وفي كلّ ملمّة تلمّ به ، فرشد وفاز وأفلح واغتنم غنيمة القرآن العظيم وحاز صلاح دنياه وأُخراه ورضا ربّه جلّ وعلاه وقربَه ،
وإمّا متعثّر زلّت به قدمُه ففُتِن بزُخرُف الدنيا وغرورها فقصّر وابتعد شيئًا ما .


فأمّا الأوّل فهنيئًا له .
وإن الشيطان ليترصّد الكُمّل من العلماء والعُبّاد ليظفَر منهم بأقلّ القليل ،
أو يسقط أحدَهم من منزِلته بفتنة من الفتن يعرضها عليه فيغفل عن ذكر الله فيتبعها ويسقط فيها ، فليحذر الحذرَ كلّه ،
وليعلم أن العاقبة للمتّقين ،
وأنّ الصابر على التقوى والتزام السنة العام بعد العام ربما كان من المخصوصين بقول الله – عز وجل – : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * " ،
وإن الأقدم إسلامًا يُقدَّم للإمامة في غياب القارئ والمحدّث
،
وذلك فضلُ الثابتين الصابرين ،
" نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * "
.

وأمّا الثاني ، فهنيئًا له أيضًا ،
فقد مدّ الله في عمره إلى رمضانَ آخر ؛ لينتهزَ الفرصة ويحيا نفحات ربّه الرحيم الودود .
وإن من أعتى العصاة وأعصاهم لله – سبحانه – من كتب الله لهم الهداية في ليلة واحدة ،
ومنهم من كان ذنبُه سببًا لرجوعه إلى ربّه ورفعته في الدنيا والآخرة بسبب توبته منه وندمه عليه ،
فلا ييأس من رحمة الله ورَوْحه إلا كافرٌ جاهل بالله خدعه الشيطان وأقعده عن كل رجوع وتوبة .
ولعل الله اختاره ليكون من المهديّين التائبين المذكورين في قوله – تبارك وتعالى – :
" وَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا * " ،
وقوله : " وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ *
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * " .


ومن أقبَل على القرآن فقد حاز العز كله والهدى كله والبركة كلها .

* ’ , ~

رمضان أقبلَ .. بأريج القرآن الفوّاح ، وبصوت الحقّ الصدّاح ،
فمن أقبل استراح ، وعن الشقاء انزاح ، والذكر لأهل الدنيا خير سلاح ،
" ولا يزال لسانُك رطبًا من ذكر الله " ،
"
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " ،
"
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ " .

هنيئًا للمقبلين على الله ، الذاكرين إياه ، المراقبين لعلمه وإحاطته ، فرمضان جنّتُهم ...

..

أفلا نكون منهم ؛ لنكون به من الفائزين ؟!

~ , ’ *


-----

الردّ الأوّل محجوز بعد إذن الكِرام