حكاية من حكايات العراق

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 15 من 15

مشاهدة المواضيع

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    408
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي حكاية من حكايات العراق


    بسم الله الرحمن الرحيم



    الأشباح لا تنام
    الشياطين لا تنام
    ولكن الفقير ينام





    طفل قصير القامة ممزق الثياب حاد النظرات ، ينظر إلى لعبة ملقاة على طرف الطريق ، كانت نظراته تفترس تلك اللعبة كأنما هي كنز ثمين يخاف إن أخذه يطارده كل من بالطريق ، ينظر يمينا ثم شمالا ، لا أحد يهتم بتلك اللعبة الملقاة بالقرب من بيت مهدم الكل يمر بالقرب من البيت وينظر إليه ولا أحد ينظر للعبة
    قيل أن البيت سقط بأيدي فدائي فجر نفسه بوسط أعداء العراق .. وما كان أعداء العراق سو أسرة تنتمي لمذهب غير مذهبه ، يال السخرة ....

    أخذ الطفل أحمد تلك الدمية إلى منزله ، كانت الدمية بعين واحدة وشعر أصفر ذهبي وفستان أحمر وحذاء وردي لم تكن جميلة ولكن
    هي خير من لاشيء فلم تكن أخت أحمد تملك أي دمية تلعب بها ، أو حتى طعام تسد به جوع بطنها .
    عندما رفع الدمية من على الأرض كان ينتظر فقط أن يصرخ به أحد ما ، أي أحد يمر بالطريق ، كان يظن أنه يسرق من الطريق ، ربما كان هذا هو سبب إسراع خطواته القصيرة إلى البعيد ، وسبب نظرات عينيه لكل من بالطريق ، ينظر إليهم كأنما يقول أنا لست سارق ، لقد كانت ملقاة على جانب الطريق ، ولم يهتم أحد بها .
    كان أحمد ككثير من أولاد بقايا العائلات العراقية يتيم مع أخته يعيش ببقايا منزل ، تحته ينام كل من أمه وأبيه وثلاثة من أخوته الكبار ، ينامون بهدوء
    وأعينهم المغلقة تراقب مريم وأحمد أبنائهم الذين نسي الموت أخذهم بتلك الليلة ، أو ربما هم نسوا أن امر الله يأتي بما شاء.

    بغرفة بها بقايا طعام ربما كان عمره ثلاثة أيام أو اكثر وطفلين شاحبا البشرة لا يتجاوز عمر الطفل الأكبر 10 سنوات على اكثر تقدير ، أما الفتاة فكانة بالثامنة من العمر ، كانا شعرها كستنائي اللون وبشرتها سمراء ورغم الشحوب ترى بهما جمالا ورقة ، ربما صاغ اليتم لهم هذا الجمال .

    الفتاة تلعب بالدمية بين اناملها أما الطفل فيخرج بضعة دنانير تمكن من تسولها من هنا وهناك ، ليقرر ما سيتشريه من طعام في اليوم التالي .
    _أحمد سأسميها سالي ، أذكر أننا كنا نشاهد رسوم متحركة مع أمي اسمها سالي ، أتذكرها ؟
    قال احمد
    _نعم اذكرها .
    لم يكن أحمد كثير الكلام رغم ذلك فقد أحب أن يقول شيء يفرح أخته ، فهو لم يجلس لمشاهدة أي نوع من أنواع الكرتون في صغره ، كان دائما مميزا بين أقرانه ، بفترة من الفترات عرف هذا الطفل المدرسة ومقاعد الدراسة ، عرف شيء أسمه أستاذ وكتب ، ولكن كل شيء يتغير ، حتى بالنسبة لطفل صغير فالزمان يتغير .

    مريم ترفع اللعبة وتضعها بقربها في الفراش ، تحركها كأنما تحرك طفل رضيع ، ربما كانت تلك حركات أمها قبل ان تصبح تحت التراب ، ثم تقبل اللعبة وتمسح وجهها بكفها الصغير ، ثم تقو للعبة :
    _ بس سالي .. لا تبكي ... أنا سوف العب معك في الصباح .
    ثم ترقد الطفلة الصغيرة بجانب لعبتها القديمة .

    ببقايا بيت عتيق يرقد تحته خمسة جثث , وفوقه طفلان نامت مريم ونام بقربها أحمد ، طفلان من بقايا الحرب العراقية نسي حقوق الطفل و الجمعيات الخيرة ، والإعلام العالمي وجودهما .

    الفتاة تتقلب طوال الليل ، كأنما يأبى النوم أن يرافقها لعالم الأحلام ، تفتح عينيها لترى سالي ذات العين الواحدة نائمة بقربها وأحمد نائم تستيقظ مريم وتحمل سالي كما تحمل الأم طفلتها ثم تمشي بضع خطوات بعيد عن الفراش ثم تقعد ، مريم تهمس في أذن اللعبة بصوت ناعم :
    _ لا تخافي يا سالي ، أنا معك ، سوف نأكل غدا ، سوف يحضر لنا أحمد بعض الطعام ..
    مريم جائعة وأخوها يجهل ، أو أنه يتجاهل هذا ، ليس بيده حيلة ، وليس معه إلا بضعة دنانير لا يدري إن كانت تكفي لطعام أحدهم أو أنها لا تكفي .
    تستمر مريم بملاعبة لعبتها مدة من الزمن إلى إن يغلبها النوم بعيدا عن فراشها ، وهنا يتحرك شيء من بعيد ، أصوات بشر تتعالى وصياح ، اطفال وصراخ نساء يقوم أحمد من مكانه مذعورا ثم يبحث عن اخته مثل المجنون يصرخ عاليا :
    _ مريم أين أنت .. مريم ... مريم ؟
    ترفع مريم رأسها بصعوبة وهي تحمل سالي ، وتنظر يمينا وشمالا ، لم تكن مريم مدركة لسبب نومها خارج الفراش ، لقد نسيت ما كان منها منذ بضعة دقائق ، أحمد الطفل الصغير يمسك يد أخته ويجرها إليه ، ثم يبدأ بالدعاء لجبار السماوات :
    _ يا رب أجعلهم يذهبون . يا رب أجعلهم يذهبون ، يا رب لا يكونوا هم . يا رب لا يكونوا هم .
    كان ينظر للبعيد وللأصوات التي تقرتب منهم كل لحظة .
    ما هي إلا بضع دقائق حتى أصبح الصوت مميزا خلف بقايا جدار بيته ، هنا أخذ يد أخته بقوه وجرها للظلام الدامس حتى يخفي اثر وجوده .

    شخص غريب يدخل ، كان كبير الحجم وملثم لا توجد مقارنة بينه وبين الطفلين ، يحمل سيف يعكس وهجه ضوء الفنار ، ذلك الرجل ينظر يمينا وشمالا ، يقلب كل شيء رغم أنه لا يوجد شيء ذا قيمة ليقلب فيه ، ثم يغادر وهو يتمتم ويلعن .
    الطفلان يراقبا غياب الرجل عن نظرهما ، وما أن يرياه يختفي حتى شرعا بإطلاق رجليهما للريح ، أحمد وهو ممسك بيد أخته يركض، ولكن ما هي إلا لحظات قليلة وتسقط مريم ، لم تكن قواها معينتا لها على مواصلة الركض ، لقد هدها الجوع وقضى على قوة رجليها .
    _ مريم قومي ، سوف يقتلوننا .
    مريم تقوم وتمشي من جديد ولكن ليس لمسافة طويلة ، ثم تقع من جديد ، هنا حاول احمد حمل أخته ، ولكن لم يكن يقوى هو الآخر على حمل نفسه ، فكيف به يحمل أخته .
    وفجأة يمسك بالطفلان يد عملاقة ترفعهما عاليا مريم تصرخ عاليا وتسقط سالي من يدها ، أحمد يقاوم ويرفس في كل الجهات ولكن دون جدوى ، وهو يصرخ ويبكي ، كان يعلم ما ينتظره هو نفس ما كان ينتظر والديه وثلاثة من أخوته .
    الرجل يحل الطفلين ، أحدهما يصرخ ، والآخر يبكي ، ويترك خلفه اللعبة سالي وحيدة كما كانت أول مرة .
    يصل إلى مجموعة من الرجال والنساء ، الكل مقيد ومكمم الفم ، والكل يحمل نظرات الرعب بعينيه ، يربط أحمد ، وبالقرب منه مريم .
    رجال كثر يحملون السيوف ، وبنادق وأشياء أخرى تلمع تحت ضوء النار المشتعلة بوسط تلك المجموعة لقد كانت نار مرتفعة عاليها كأنها تلامس السماء ومن حرارتها تحرق وجه الطفلة مريم .
    أحمد يهمس بأذن أخته :
    _ لا تخبريهم اسم والدي ، أذا عرفوه سيقتلوننا .
    لا يدري أحمد إن كانت كلماته وصلت عقل أخته الصغيرة ولكنه لم يستطع تكرار كلماته فقد كان حولهم من يراقبهم .
    نار موقد بوسط المكان ، نار كأنها الجحيم ، وشخص يلبس السواد ، يضع على رأسه السواد ، يتكلم وينظر للناس الموثقين أمامه ، كان كلامه كثيرا جدا والناس تزيد من نظرات الرعب والخوف بأعينهم كلما تكلم ، ثم يشير إلى أكبر الناس الموثقين عمرا .
    احمد يعرفه إنه إمام المسجد الشيخ عبد الفتاح السماوي لقد تصدق عليه عدة مرات لولا أن الشيخ هو الآخر فقير .
    يأخذ ذلك الرجل وهو موثوق إلى وسط الناس ثم يضعه على الأرض بالقرب من النار الموقدة ، يقطع رأسه ، ويلقى بجثته في النار ، ثم زوجته ، ثم جيرانه الكل كان يقطع رأسه ويرمى بالنار .
    كان الرجال أصحاب اللثام يكبرون ويهللون ثم يذكرون أسماء كثيرة ، أسماء حفظ بعضها احمد ، والآخر كان جديدا عليه وبعد الفراغ من الجميع يأتى بأحمد إلى الرجل المكتسي بالسواد ليقابله وجها لوجه :
    _ ما هو أسمك يا ولدي ؟
    أحمد كان يعرف ما يرمي إليه الرجل ولكن تكلم بنصف الحقيقة وقال :
    _ أحمد .
    ردد الرجل بشيء من الضيق كأنما كان يسابق الزمن :
    _ ما هو اسم أبيك وجدك ؟
    قال أحمد:
    _ أبي مات منذ زمن بعيد ولا اعرف اسمه وأختي لا تعرف ايضا .
    صاحب العمامة السوداء يقف ثم يتجه لمريم ليسألها نفس السؤال :
    _ ما هو اسمك يا ابنتي وما اسم ابيك ؟
    مريم تبكي ولا ترد ، كان بكاؤها يفطر أكباد الرجال ، ولكن ليس الرجال الذين يقفون أمامها .
    الرجل صاحب الرداء الأسود يصفع مريم ثم يرفسها بقوة حتى طارت عند قدمي احد الرجال اصحاب السيوف ، ثم يمسكها من رقبتها الصغيرة التي كادة أن تتهشم تحت قبضته .
    الرجل صاحب الرداء يصرخ بوجهها :
    _ما هو اسمك وما اسم ابيك ؟
    مريم تصرخ عاليا :
    _ مريم بنت عمر بن السامراء التكريتي .
    عندما سمع هذا الإسم ، كأنما تحول من إنسان إلى شيطان لقد أمسك برأس الطفلة وأخذ يرضه بالرصيف عدة مرات ، لقد صرخت مريم عندما رضها أول مرة ،ولكن جسدها هدئ بعد الرضة الثانية والثالثة وما تلاها ، الغريب أن كل من حوله كان يكبر ويهلل وينادي بتلك الأسماء ، يلقي بها بالقرب من أحمد وخيط من أحمر ينساب من رأسها المهشم إلى قدمي أخيها الباكي ، والمكمم الفم من قبل أحد الرجال ،الرجال ينظرون إلى أحمد الذي كان معلقا بين يدي أحدهم وقد سد فاه بيده حتى لا يسمع صراخه .
    _ اقطعوا رأسه ولنذهب .
    قالها صاحب العمامة السوداء
    هنا يصرخ احدهم :
    _ سيدي الشيخ ، ما رأيك أن نحرقه ، نريد أن نرى كيف يشوى الطفل حيا ؟
    الشياطين لا تنام وأحيانا تكون بصورة بشر ، صاحب العمامة السوداء لم يعترض فقط خرج من الدائرة نحو البعيد كأنما تعب من عمل هذه الليلة .
    أحدهم يأخذ مريم ويلقي بها في تلك النار وأحمد يريد الصراخ ولكن دون جدوى.
    يحمله الرجل الممسك به صوب النار ، ويلقي به كأنما يلقي بدمية صغيرة ، ويكبر من حوله ويهتفون بتلك الأسماء من جديد .
    يتلوى الفتى الصغير ، يتقلب ولكنه لا يصرخ لقد كان يشعر بالنار في كل جسده لقد كانت تأكل عينيه ورأسه وجسده الصغير ، وما هي إلا لحظات حتى سكن جسده عن الحراك ، ولكنه لم يصرخ ، لقد قتلهم وقتل رغبتهم في سماع صراخه ولم يصرخ .
    الناس من حول الفتى يزيدون النار حطب حتى باتت كأنها شرارة من جهنم ، ثم يغادر القوم.
    في اليوم التالي خبر ينشر عبر وكالات الأنباء مفاده ، أن 18 مواطنا من أصحاب المذهب الشيعي يلقون مصرعهم بأيدي إرهابيين من بينهم طفلان .
    خبر لا يتجاوز الأربعين ثانية نصفه حقيقة والباقي كذب .
    هكذا صار أحمد ومريم مجرد أرقام تذاع في نشرات الأخبار اليومية ، ولمدة يوم واحد فقط .


    كتبتها أنا

    dt- sherlock
    shelrock_ holmes
    4_8_2012

    التعديل الأخير تم بواسطة هيفاء البنيان ; 8-9-2012 الساعة 03:25 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...