كان مُدمنًا على الخمرة في اللَّيل والنَّهار ، وفي الحِلِّ والتَّرحال
وفي السِّلْم والحرب حتَّى إنَّه أوْصَى أن يُدفنَ إلى جانب كَرْمةٍ إذا هو مات :


إذا مِتُّ فادْفِنِّي إلى جَنْبِ كرْمَةٍ
تُرَوِّي عظامي بعد مَوْتي عُروقُها


ولا تَدفِنَنِّي بالفَلاة فإنَّني
أخاف إذا ما مِتُّ أنْ لا أذوقُها



إنَّه أبو مِحْجَن الثَّقفيُّ . رافق سعد بن أبي وقاص في حرب القادسيَّة
فسجنه سعد لتناوله المُسكرَ في خيْمةٍ بالقرب من خيْمته ، وقدَّر الله
أن يمرض سعد من جروح كانت أصابته ويعتزل القتال ، ويشرف على
المتحاربين من مكان مرتفع .. لما علم أبو محجن بمرض سعد نادى
سلمى زوجه وطلب منها أن تَفكَّ قيْده ليجاهدفي سبيل الله إلى
جانب المسلمين ، وتكفَّل لها أن يعود إلى قيْده إذا لم يقدِّر له الله الشهادة ، وأخذ يردِّد :


كفى حَزَنًا أن تلتقيْ الخيلُ بالقَنا
وأُتركَ مَشدودًا عَليَّ وَثاقِيا

إذا قمتُ عنَّاني الحديد وغُلِّقتْ

مصاريعُ من دوني تُصِمُّ المُناديا

يُقطِّع قلبي حسرةً أنْ أرى الوغى

ولا سامعٌ صوتي ولا مْن يَرانيا ..

سُليمى دَعيني أرْوِ سيْفي من العدا

فسيفيَ أضحى وَيْحَهُ اليومَ صادِيا

دعيني أجُلْ في ساحةِ الحرب جَوْلةً

تُفرِّجُ من همِّي وتَشفي فؤاديا

وللهِ عهدٌ لا أخيسُ بعهدهِ

لئنْ فُرِّجَتْ ألَّا أزورَ الحوانيا


فكَّت سلمى قيْد أبي محجن ، فارتدى المِغْفرَ وركب البلقاء فرس سعد وحمل
سيفه وتوجه إلى ارض المعركة ملثَّمًا .. لمَّا رأى سعد هذا الفارس الملثَّم تعجَّب
وقال : الكرُّ كرُّ البلقاء ، والضَّرب ضرْبُ ابي محجن ، وأبو محجن في القيد ..
وانكشف غبار المعركة عن نصر ساحق للمسلمين ، ليسارع بعده أبو محجن
إلى قيْده وفاءً بعهده تائبًا من شرب الخمرة مدى الحياة ..