" التاجر المسحور "
...
يُحكى أن تاجراً في سالف العصور . كان جميل المُحيّا وسيما ً ووجهه يشِّعُ بالنور .
يعمل في تجارة البُهارات والعطارةِ والبُخور . مشهورٌ بين الناس بتاجر المسك ذو الوجه المنير . تأتيه القوافل من بلاد الهند فيُوَرِّدُها لصغارالتجار .وفي إحدى رحلاته في إحدى المدن وبينما يُوَرّدُ بضاعته في حانوت عطّار . أقبلتْ إمرأة كأنها الجمالُ على الأرض يسير . وما إن رأها العطّار . انتصب مفزوعاً ورحَّب بها مجبور .
قالت : أريدُ كُحلاً وبعض أعواد البُخور . فراح العطّار يجهّزُ حاجَتها ، وأثناء ذلك تلوي بجيدها على فترات ناظراً إلى هذا الجالس جميل المُحيّا ذو الوجه المنير . فأخذت حاجَتها وانصرفت فقال العطّار: لا أرجَعَكِ الله يا مصدر الشرور . قال التاجِرُ : لماذا هذا السَخَطُ على الزبائن أيها العطّار ؟ . قال : إنها ساحرة ، ومنذُ أن حلّتْ بمدينتنا وجُلُّ الناس خائف منها ومذعور .قال التاجرُ:من أين أتَتْ وما قِصّتها أيها العطّار ؟ .
قال: يقولون إنها تَرَبّتْ وتَرَعّرَعت على يد ساحر . يسكُن الجبل وبالسحرِ الأسود مشهورويُلقّبُ بالساحر الأمير .
فَعَلّمَها السحر وزوّجَها لساحر من تلاميذه النُجباء ولكنه كان مغرور . فأراد أن ينتزع منه إمارة السحر ويأخذ لقب الأمير . فاتفق معها على التخلص من الساحر الأمير فدّسا له السُم في وجبة الفطور . وما إن انتشر السُم في أحشائه حتى سَحَرهُما بتعويذة تجعل جسَدَيّهما يحترقان إذا تلامسا فأصبح الاقتراب بينهما محظور . وبموته أصبح لا أمل في فك التعويذة وبذلك حُكِم عليهما بالإبتعاد عن بعضهما طوال العمر .
قال التاجر : هذا أمر مثير !.
وغادر التاجرُ حانوت العطّار عائداً بقافلته إلى الديار . وبدأ رحلة العودة مع الغروب وفى منتصف الليل حَطّ رحاله وعَرَسَتْ القافلة أثناء المسير . فجلس التاجرُ شاخصاً ببصره نحو النجوم مُتَّكِئاً على ظهر بعير . وإذا بجواره جلبة صوت وصِرّ ريح وغُُُُبار . فارتاب التاجر فانتصب واقفاً فإذا بالساحرة نحوه تسير . فهلع أفراد القافلة نحو التاجر . فأشارت نحوهم بكفها فتسمروا مكانهم وكأنهم تماثيل من الصخور .
قالت : أيها التاجر سأطلُب منك طلباً فارجو منك عدم التسرع في الرّد والتدبر والتفكير . إني أُريد الزواج منك
قال: ولكن أنا متزوج ولدىّ خِلْفَةٌ من الإناث والذكور . قالت : ستَتَزَوجني ستَتَزَوجني راغباً كنت أو مجبور .
قال : امنحيني وقتاً للتفكير . قالت : أمامك ساعة فالوقت لدى ليس كثير . واختفت عن النظر .
فنظر الى أفراد قافلته فإذا هم ما زالوا مغشين بالسحر . فحَدّث نفسه قائلاً: " لن يصيبنا إلا ماكتب اللهُ لنا "
وما إن انتهت الساعة حتى ظهرت له قائلة : ما رَدُك يا صاحب الوجه المنير . قال: لن أتزوج ساحرةً ولو شُقِقتُ بالمناشير . قالت : سوف تندم أيها المغرور . فنفثت في وجهه عقدةً ورددت بكلام مبهم وبصوت جهور، وطارت في الهواء وما إن اختفت حتى انفك السحر عن أفراد القافلة فوجدوا سيدهم على هيئة قرد وذهبت عن وجهه الوسامة و النور . فعادوا به إلى أهله وقصوا ما كان في المسير .
وبدأ الأهل يطوفون به في البلاد شهور . ووهبوا لمن يعيد وسامته المال الوفير .
وبينما هم كذلك صادفوا أحد السحرة المبتدئين فقال لهم : هذا سحرٌ أسود ولن يَفُك طلاسِمَهُ إلا الساحر المغرور . فدلّهم على مكانه فبادروا إليه مسرعين ، فدخلوا عليه فقالوا: إذا رجع التاجر إلى حاله فسنعطيك بوزنه ذهب وحرير . ففك عنه الطلسم وأعاد لوجهه الوسامة والنور . فأومأ التاجر إلى أهله بالسكوت وأنه هو من يدير الحوار مع الساحر المغرور . ومن الحديث معه عرف التاجر أن هذا الساحر هو زوج الساحرة التي جعلته مسحور .
فتذكّر قصة العطار، فقرر في خلجات نفسه التخلص من الإثنين وتخليص الناس من الشرور .
فاحتال قائلاً: أيها الساحر إن فضلك علىّ كبير . والمال الذي معنا ليس وفير .
فأخرج من جيبه صُرّةً كبيرةً فيها مايربوا عن ألفين من الدنانير . وقال: خذ هذه إلى أن آتيك بالخير الوفير .
وخرج التاجر من عند الساحر المغرور . وقال لأهله: اسبقوني إلى الديار وأخفوا زوجتي وأبنائي وجهّزوا مراسم العُرس وسوف أُخبركُم بحيلتي بعد قدومي من سفر قصير . فامتطى جواده قاصداً مدينة الساحرة فوصل إلى العطار . فدلّه على بيتها، فتأنق وتزين ، فطرق بابها ففتحت له فاندهشت قائلة : من فكّ عنك السحر أيها التاجر ذو الوجه المنير؟ .
قال : السحرةُ كثير . قالت : لماذا أتيت ؟، قال : لأطلب منك الزواج فهل تقبلين ؟، كما أن زوجتي ماتت و إنني أسأتُ التفكير وتقدير الأُمور . وبجمال عينيك ووجهك أصبحت مأسور . قالت : هل أصبحت شاعر ا أيها التاجر؟ .
فكلامُك دغدغ مشاعري، وإني أحلُم بوسامتك ووجهك المنير .
قال : ولكن هناك شرط ، قالت : أمرُك، قال: تعاهديني أن تهجري السحر. قالت : هذا أمر يسير .. ولكن إن كنت تخدعُني؟ قال : إنك ساحرة وبمقدورك الكثير .
فأركبها خلفه على ظهر الفرس ،وانطلق بها قاصداً الديار . وأثناء المسير قال :إن من عاداتنا أن العروس ليلة زفافها وفي ساعة الدخول تُعصَب عيناها برباط ولا ينفك إلا بيد الزوج .فضحكت ثم قالت : الناس في عاداتهم أحرار .
فوصل الديار فرأت مراسم الفَرَح ففرحت ، فنزل من على ظهر الفرس وانزوى بأحد أقاربه قائلاً: تفعل كذا وكذا...
ثم عاد إليها وأنزلها من على ظهر الفرس وقال لقريبه خذ العروسة وجهزها عند النساء، وانطلق هو إلى الجبل قاصداً الساحر المغرور .
فوصله فقال :لقد أقمنا مراسم الإحتفال خِصّيصاً لك وأتيتُ لكي أصطحبك إلى الديار لإكرامِك ثم تعود بالبعير مُحمّلةً بالخير الوفير . فركب الساحر ُورائه على ظهر الفرس ، وأثناء المسير قال التاجر: إن من عاداتنا أن ضيوفنا وهم داخلون ديارنا تُعصبُ أعينهم خوفاً من نظرات الحسد ، وبجلوسهم نزيل الغشاوة
فضحك قائلاً: الناس في عاداتهم أحرار .
وبدخوله الديار ربط على عيني الساحر وقاده إلى غرفة نومه وقال انتظر لحظات ، وهرول لإحضار الساحرة ، وقال لها : بمجرد دخول غرفة النوم أريد حضناً كبير . فترك يدها ومشى على أطراف أنامله وجرَّ الساحر نحوها ، وقرَّبه إليها فاحتضنته بشغف ، وهنا اشتعل جسد الإثنين بشدة وطال الإشتعال حتى تحولا إلى مصهور . فأنهى التاجرُ على الإثنين وخلص الناس من الشرور.
المفضلات