طفلتي..

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: طفلتي..

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي طفلتي..

    "طفلتي.."



    لدي طفلة..

    طفلتي خرجت للعالم مبتسمة عكس بقية الأطفال..

    طفلتي تيتمت قبل أن تبلغ شهرها السادس..

    طفلتي بلغت عامها الأول ولم تنطق بكلمة..

    طفلتي بلغت عامها الثاني ولم تخطُ خطوة..

    طفلتي مشلولة دماغيًا شللاً تامًا..!


    ~



    طفلتي هي محبوبتي.. هي عشقي وكل حياتي.. ولا يهمني ما يقوله الآخرون..

    أنفق على نفسي وعليها عبر مهنة الخياطة التي لا تكفي عائداتها حتى لسد حاجاتنا الأساسية..

    أحصل على راتب بسيط من جمعية رعاية الأرامل والأيتام..

    ومن هذا الدخل المحدود نعيش.. نأكل.. نتداوى.. وندفع إيجار سكننا.. أنا وطفلتي..


    ~



    لم يحب أحدٌ طفلتي ذات الأعوام الخمسة..

    نظراتها البلهاء إلى ما حولها.. وضحكها الحاد طوال الوقت.. وعدم تمكنها من التحرك إلا عبر الزحف بطريقة مثيرة للشفقة.. كلها أمورٌ نفرت الآخرين منها..

    كلما رأوها أشاحوا بنظرهم عنها.. ألقوا ببصرهم نحوي.. وتمتموا وشفقة العالم كله تطل من عيونهم:


    أسأل الله أن يخلّصكِ منها..!


    ~


    عندما يغادرون أبدأ بالبكاء..

    أتجه إلى طفلتي حبيبتي..

    أحتضنها وهي تقاوم متضايقة من سلوكي الغريب المفاجئ..

    أمسح على شعرها وأردد: طفلتي حبيبتي.. كل ما أتمناه.. هو أن تعيشي..!


    ~


    أتساءل أحيانًا.. هل تُراها تميزني حقًا..؟ أتعرف أنني أمها..؟

    إنها تميز الطعام عندما تراني أحمله.. تلاحقني بعينيها الواسعتين وتطلق صراخًا حادًا مطالبةً بنصيبها..

    تصمتُ إذا صرختُ يومًا في وجهها عندما تظلم الدنيا في عينيّ.. أرى في عينيها فهمًا لغضبي.. وشعورًا آخر لا أدري كنهه..

    أتراها تعرفني..؟


    ~


    زحفت طفلتي ذات الأعوام العشرة خارج باب المنزل الموارب..

    وسقطت من الدرج..

    أصيبت طفلتي بشدة..

    أين تراها كانت ذاهبة..؟

    وما الذي أرادت رؤيته من العالم الخارجي المتعفن..؟

    لامني الجميع على ما حدث.. لماذا أحتفظ بطفلتي المريضة في منزلي..؟

    لماذا لا آخذها إلى مركزٍ متخصص؟ قد يعلّمونها السير على الأقل..!

    وبعد ضغطٍ شديد من كل مخلوق لا يزال موجودًا في حياتي..

    حتى أولئك المارة الذين حفظوا وجه طفلتي المطل عليهم يوميًا من النافذة العالية..

    وجدتُ نفسي أخيرًا أدلف وأنا أدفع أمامي كرسي طفلتي المتحرك من باب المركز المتخصص الذي تناسب تكاليفه دخلي المحدود..

    طفلتي ستكون أسعد هنا.. إنها لا تميزني حتى..!


    ~


    اشتقتُ لطفلتي..

    لقد طمأنوني أنها ستكون بخير وأنه لا داعي للزيارة..

    أخبروني أنها ليست الوحيدة بتلك الحالة.. فالأطفال الذين مثلها كثر..

    كل ما عليّ فعله هو إرسال المبلغ الشهري المتفق عليه والتظاهر بأني لم أمتلك طفلةً يومًا..!

    هنأني الناس على الراحة التي حصلتُ عليها.. وعلى تخلصي من العبء الكبير الذي كان يثقل كاهلي..

    طفلتي حبيبتي.. أتُراكِ تنتمين إلى هناك..؟ أتراني غريبة حقًا لتعلّقي بكِ؟

    لم يمضِ سوى شهرين وها أنا ذا أحن إلى رؤيتها وأقف أمام الباب ذاته الذي وقفتُ أمامه يوم تركتُها..

    أريد زيارتها والنظر في عينيها.. ولو قليلاً فقط..!


    ~


    في الداخل شاهدتُ مربيةً تضرب طفلة..

    وأخرى تركل فتى..

    وثالثةً تلقي الطعام لمجموعة صغار كما لو كانت تطعم كلابًا شاردة..

    لقد كان المكان أشبه بملجأ للحيوانات الضالة..!

    خفق قلبي.. طفلتي.. إنها لا تنتمي إلى هنا.. أليس كذلك..؟

    عندما وصلتُ إلى الغرفة التي تحوي طفلتي وجدتُها متكومةً على نفسها في الزاوية..

    عندما التقت عيناها الواسعتان بعيني.. بدا الذهول فيهما..

    ارتخت عضلاتها..

    علت وجهها نظرةٌ يائسة..

    حاولت الزحف نحوي وهي تمد ذراعها في الهواء وتطلق أناتٍ حزينةً مقطعةً لنياط القلوب..


    إنها تعرفني..!



    ألقيت بنفسي أمام طفلتي واحتضنتها بين أضلاعي وانخرطتُ في بكاءٍ مرير..

    طفلتي حبيبتي لا تنتمي إلى هنا..

    ومهما يقول الآخرون..

    تبقى طفلتي..!


    ~


    لامني الجميع ونهروني بسبب قراري الأحمق..

    ولكني قررتُ ألا أتخلى عن طفلتي..

    بعضهم شتم غبائي وقال أنني سأتسبب بقتل طفلتي..

    احتضنتُ طفلتي رغم مقاومتها وبكيتُ وأنا أمسح شعرها وأهمس:

    طفلتي حبيبتي.. كل ما أتمناه.. هو أن تعيشي..!


    ~


    طفلتي كبرت.. وبقيت طفلة..

    وأنا كبرت.. وبدأتُ أهرم..

    عانيتُ مع طفلتي الكثير خلال أعوام حياتنا..

    ولم يقف إلى جانبنا مخلوقٌ واحد..

    طفلتي أتمت عامها الثامن عشر ولم تعد يتيمة فانقطعت عنها المعونة..

    وأنا أخذ مني المرض كل مأخذ وبالكاد أتمكن من صنع ثوبٍ قابلٍ للبيع..

    دخلنا المحدود صار أكثر محدودية..

    طفلتي التي تكبر صارت تحتاج مالاً أكثر..

    بالكاد تمكنتُ من دفع ثمن دوائها هذا الشهر..

    وللتو أطلت علينا مالكة المنزل بوجهها العبوس وصرّحت بأننا سنضطر للسكن في الشارع إن لم ندفع الإيجار المستحق لهذا الشهر كذلك..

    وذيّلت حديثها بدعوة مشفقة بأن يخلصني الله من طفلتي..


    ~


    لا يمكنني أن أمنح طفلتي حياة طبيعية..

    وإن تغلب عليّ المرض فإن طفلتي ستواجه مصيرًا أسود..

    تذكرتُ صورتها المتكورة في زاوية غرفة موحشة في مركز لتعذيب الأطفال..

    ألقيتُ نظرةً نحوها..

    ضحكتْ في وجهي ببلاهة..

    بكيتُ مجددًا..

    احتضنتُ طفلتي وهي تقاومني.. مسحتُ على شعرها وهمست:


    طفلتي حبيبتي.. كل ما أتمناه.. هو أن تموتي..!




    ~ تمت ~



    التعديل الأخير تم بواسطة بوح القلم ; 3-5-2015 الساعة 02:29 PM سبب آخر: سلمت يمناك تشيزوكو وننتظر إبداعك القادم

  2. 5 أعضاء شكروا تشيزوكو على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...