لأن الخطاب القرآني مختلف عن الكتب السماوية فقد عمد إلى إثارة التساؤلات من أجل الوصول إلى أجوبة، وقد ركز على مدى أبعد من طرح الأسئلة بشكل تجريدي فالأهم من ذلك هو البحث عن أجوبة غير تقليدية. فيتفاعل الخطاب القرآني عبر نمط مختلف من الاسئلة والتساؤلات ليكوّن المرتكز الأول في تكوين العقل المسلم الناشئ فيزرع فيه ألغامًا وينسف مفاهيم ويبني أسسًا شديدة العمق ويحمله على التساؤل والتفكير. وقد تمت الإشارة إلى هذا "السائل" في كثير من الأماكن في الخطاب القرآني ولكن لمجموعة من الأسباب المتراكمة صار لدى الجمهور الانطباع بأن كل كلمة "سائل" تعني المتسول أو الفقير! قد ينطبق هذا على بعض مقاطع الخطاب القرآني مثل: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} لكن إطلاق هذا المعنى وتعميمه قد قزّم من معانٍ أخرى لكلمة "سائل" فعلى سبيل المثال لا الحصر ما ورد في سورة الضحى حيث أن سياق السورة تناول ثلاث حالات وهي اليتم, الحيرة والعوز أو الحاجة تقابلها ثلاث صور اجتماعية فقوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) يقابلها (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) حالة اليتم, وقوله: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) يقابلها (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) حالة الحيرة وليست العوز حيث قال سبحانه: (وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى) قابلتها (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) لذلك الخطاب القرآني يخاطب محمد صلى الله عليه وسلم بألا ينهر السائل فالدين الجديد الذي هو طريقة في الحياة والتفكير يجب أن يحتضن السائل والتساؤلات التي تساهم في دعم عالم جديد على أسس جديدة متينة ، إنه يمثل رابطة جديدة بين أفراد المجتمع قوامها المعرفة.
إن المهم ألاّ نكف عن التساؤل وهكذا عمل الخطاب القرآني في عقول الجيل الأول, فكيف يمكن لدين سماوي أن يجعل السؤال -بدلاً عن الجواب- نقطة ارتكاز ؟!!

القرآن منبع الإيمان