رحلة قلم في عالم الأساطير.. اختبار شجاعة..

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 7 من 7

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رحلة قلم في عالم الأساطير.. اختبار شجاعة..

    اختبار شجاعة



    كانت مجرد مغامرةٍ فكر فيها ثلاثتنا في ظهيرة يومٍ صائف.. لم نحسب حسابًا للعواقب.. بل لم نعتقد بوجودها أساسًا..

    كانت مجرد مغامرة كلفتنا كثيرًا، ولم تتوقف كوابيسها عن تكرار زياراتها حتى بعد مرور أحد عشر عاما..

    ~

    بدأ كل شيء عندما اقترح جميل أن نخوض تحدي شجاعة في منزل الحي المهجور..

    كان المنزل ملكًا لعائلةٍ ثرية في الماضي ولكنها تشاءمت منه وأهملته بعد وفاة كبيرها فيه..

    تم عرض المنزل للبيع ولكن سبب البيع كان ذاته سبب عزوف الناس عن الشراء..

    وهكذا صار هذا المنزل بيئةً مثاليةً لاختبارات الشجاعة المحاكية لتلك التي نشاهدها في التلفاز أو نسمعها في قصص المخيمات المرعبة.. ولما كنتُ وسالم من محبي المغامرات كذلك فلم نتردد في موافقة جميل على اقتراحه..

    حددنا تاريخًا قريبًا وتسللنا خارج بيوتنا في ليلةٍ غاب قمرها مسلّحين بمصابيح وأطعمةٍ خفيفة وحماسةٍ ساذجةٍ طفولية..

    كان الأمر مشابهًا لمغامرات التلفاز بادئ الأمر.. باب خشبي ضخمٌ غير موصد.. ظلام حالك.. تماثيل ضخمة مرعبة.. سلالم مهترئة.. وسحب غبار تتطاير مع كل خطوة.. وخوفٌ لذيذٌ يسكن نفوسنا بكل سذاجة..

    خوفنا البريء تحول إلى رعب حقيقي حين تسللت إلى مسامعنا لأول مرة أصوات بعيدة قادمة من الدور العلوي.. التصقنا ببعضنا بخوف مشوب بحماسة مترددة.. الصوت بدا أقرب لصوت عواءٍ ضعيف..

    ثم وبدون مقدمات علا صوت صراخٍ مفزع وكأن صاحبه يتلوّى من الألم، ولم تلبث الصرخة أن اختلطت بصرخاتنا المتعددة وتدافعنا نحو الباب..

    مثل هذه الأمور كانت تحدث في الأفلام كذلك ولكننا مع ذلك لم نتوقع أن نواجهها..

    بمجرد أن صرنا خارج المنزل جثونا على ركبنا لاهثين مستمتعين بالرعب الذي يجتاح نفوسنا بعد انتهاء هذه المغامرة..

    ولكن تلك كانت المقدمة فقط..

    فعندما رفعنا بصرنا اكتشفنا أننا اثنان فقط.. لقد فقدنا جميل!

    ~

    تبادلتُ وسالم نظرات الهلع الحقيقي.. تناهى إلى مسامعنا فجأةً صوت صراخٍ بعيدٍ ومُرتعب.. كان صراخَ جميل.. صوته أخذ يخفت شيئًا فشيئًا حتى اختفى وابتلعه الظلام..

    في تلك اللحظة كان الرعب قد شلّني تمامًا.. جسديًا وعقليًا.. توقف ذهني عن التفكير تمامًا ولم أتمكن حتى من تحريك عضلة.. ومع ذلك أعتقد الآن أنني كنتُ أنتفض برعبٍ شديد..

    لا أدري كم مرّ من الوقت وأنا مسمّرٌ على هذه الحالة.. وفجأةً بدأ سالم بالصراخ والنحيب بشكلٍ هستيري.. أيقنتُ أنه قد انهار تمامًا، ولكن انهياره أعاد إليّ جزءًا من إدراكي، فنهضتُ على ساقيّ المرتجفتين وسحبتُه خلفي وانطلقتُ مبتعدًا أسابق الريح ولا ألوي على شيء..

    ~

    من حسن الحظ أنني وسالم جاران، فلا أعتقد أن أيًا منا كان قادرًا على السير وحيدًا في تلك الليلة..

    لا أعرف كيف وصلنا إلى المنزل.. كان سالم لا يزال في حالةٍ من الذهول.. وكانت هنالك رجفةٌ لا تزال تسري بأوصالي بعد هذه التجربة العصيبة..

    أويتُ إلى فراشي طالبًا بعض الأمان.. وأخذتُ أقنع نفسي بأننا سنرى جميلاً كالعادة مع بزوغ الصباح، ولم يطرق النوم جفني طوال تلك الليلة..

    وفي اليوم التالي ذهبتُ بوجلٍ إلى مكان لقاءنا المعتاد، عند الأرض الترابية الممتدة خلف دكان الحي الكبير.. سالم كان هناك.. بنظرةٍ لا تزال مشدوهة وهالاتٍ سوداء تشي بأنه لم ينل حظه من النوم كذلك..

    لم نتحدث.. انتظرنا ساعةً واثنتين وثلاث.. ولكن جميلاً لم يظهر.. أملنا كان قد سُحق تمامًا ولكننا لم نتوقف عن الانتظار.. ما الخيار الآخر؟ العودة إلى منزل الرعب؟ كان من المستحيل علينا مجرد التفكير بهذا الخيار..

    أخيرًا اقترح سالم وبصوتٍ مرتجف أن علينا إبلاغ والدي جميلٍ بما حصل.. وافقتُه وتحركنا أخيرًا نحو منزله، لنجده مهجورًا تمامًا!

    كان المنزل خاويًا، وكانت العائلة قد تبخرت وكأنها لم تكن هناك..!

    ~

    كنا في الثامنة من عمرنا وقتها.. والآن وقد تجاوزتُ العشرين لا أزال مصابًا برهابٍ شديد يمنعني حتى من المرور من الطريق الذي يقبع فيه المنزل المرعب!

    سالم أصيب بانهيارٍ عصبيٍّ شديدٍ منذ زمن.. انتقلت عائلته من المنطقة إلى الريف بحسب نصيحة الطبيب.. عندما رأيتُه لآخر مرةٍ قبل ثلاثة أعوام، كانت النظرة الذاهلة لا تزال تسكن عينيه، وكانت مضادات الاكتئاب لا تفارق جيبه..

    كلما تذكرتُ ذنب طفولتي شعرتُ برغبةٍ بالانهيار أنا الآخر.. ولكني - يدفعني شعوري بالذنب لأني تخليتُ عن جميل - قررتُ أن أمضي للأمام وأن أبحث عن تفسيرٍ لما حصل، وفي مكانٍ ما في داخلي كانت هنالك بقايا أمنيةٍ تزورني بأن أستعيد جميلاً..

    عكفتُ ولسنوات على دراسة ظواهر ما وراء الطبيعة وعوالم الأشباح، حتى خلتُني أعرَفَ أهل زماني بها..

    الخطوة الوحيدة التي تبقت هي أن أُقدم على زيارة محط ذكرياتي المرعبة.. وهذه الخطوة تأخرت كثيرًا، حتى سمعتُ بأن المنزل سيُهدم أخيرًا في الأسبوع المقبل، فقررتُ أن أخطوها هذه الليلة بالذات!

    حرصتُ على أن أحمل معي مصدرًا قويًا للضوء، وتسلحتُ بمعرفتي القوية بعالم الأشباح الذي أبحرتُ في علمه وغصتُ في أساطيره حدّ الغرق!

    عندما دقّت الساعة الثانية عشرة، كنتُ أقف على رأس الطريق المشؤوم، مستعدًا لكل ما يمكن أن أقابله، أو هكذا ظننت!

    ~

    بالكاد تمكنتُ من تحريك ساقيّ.. سرتُ بخطواتٍ حاولتُ قدر الإمكان إيقاف ارتجافها.. وبينما أنا اقترب من المكان، بدأ جسمٌ غريبٌ يلوح لي من بعيد.. لم تتوقف خطواتي.. إنسان؟ أحدهم يقف أمام منزل الرعب تمامًا!

    لم أتوقف إلا عندما صرتُ أمام الشخص مباشرة.. كان رجلاً يحدّق بالمنزل المهجور مبتسمًا.. التفتَ نحوي دون أن تتغير ابتسامته.. لم أر هذا الشخص قبلاً.. بالتأكيد هو ليس من هنا فأنا أعرف كل من في حيّنا الصغير تمامًا..

    تحدث الرجل ببساطة: سمعتُ بأنهم سيهدمون المنزل الأسبوع المقبل فجئتُ لزيارته.. أترافقني؟

    كل خلايا جسدي كانت تحثني على الهرب.. هنالك شيءٌ خاطئ.. حدسي يخبرني بأن هنالك شيئًا ما ليس على ما يرام.. أتعرف ذلك الشعور الذي يزورك عندما توشك على مغادرة منزلك ويصرُّ بأنك قد نسيتَ شيئًا ما لا تدري ما هو؟ كان هذا شعوري في تلك اللحظة! هنالك شيءٌ ما.. شيءٌ عليّ إدراكه.. ولكني لا أعرف ما هو!

    حاستي السادسة نصحتني بالهرب.. ولكن الأمر كان أشبه بالمغناطيس الذي لا يمكنك مقاومته.. أشرتُ برأسي بالإيجاب وتبعتُه إلى داخل المنزل!

    ~

    كان يسير بخفةٍ شديدة.. لم أسمع وقع خطواته.. ولم أتبين حتى وجودها بسبب الظلام الحالك.. ولكن الشعور ذاته الذي دفعني لمرافقته، منعني هذه المرة من إشعال المصباح! هنالك شيءٌ ما هنا يجدر بي تجنبه والهرب منه.. أعرف هذا تمامًا ولكني لا أستطيع التوقف..

    تحدث الغريب بغتةً وسألني: ماذا تتوقع أن تجد هنا؟

    تنحنحتُ قليلاً وقلتُ بارتباكٍ حاولتُ صبغه بنبرة سخرية: ربما شبح رجلٍ عجوزٍ مات هنا؟ فهذا هو سبب هذه الحالة المزرية للمنزل بعد كل شيء.. فإن كنت لا تعلم، هنالك أسطورةٌ قديمةٌ عن صراخٍ متألم ينبعث ليلاً من هذا المنزل..

    وزارتني فجأةٌ صورةٌ رسمتها مخيلتي وحاولتُ محوها طويلاً.. صورة عظامٍ صغيرةٍ متكومةٍ في زاويةٍ ما.. أزحتُ الصورة عن ذهني مستعينًا بالقهقهة العالية التي صدرت عن الغريب..

    شعرتُ بأن عينيه تلتمعان كعيني القطط وهو يقول: أنا لا أظن ذلك.. اتبعني وسأريك شيئًا أكثر إثارة!

    وهكذا سار الغريب بالخفة ذاتها معتليًا درجات السلم المهترئة، وسرتُ وراءه بكل سذاجة!

    ~

    فتح الغريب باباً عملاقًا مثيرًا سحابةً ضخمةً من الأتربة.. أشار إلى نافذةٍ كبيرةٍ تكاد تكون بحجم جدار الحجرة وهتف: ها هو شبحك العجوز!

    لم أفهم ما يرمي إليه ولكنه تابع: لا أحد يصرخ هنا.. إن الرياح التي كانت تعبر حجرات المنزل الخاوية عبر هذه النافذة كانت تُصدر صوتًا أشبه بالعويل.. وقد أقفلتُ هذه النافذة بنفسي فتوقف الصوت!

    شعرتُ بالشفقة تجاه هذا الشخص الذي رفض كل حقائق عالم ظواهر ما وراء الطبيعة لمجرد أنه وجد تفسيرًا -رآه مقنعًا- لإحداها.. أنا أعلم أن بشريًا واحدًا على الأقل قد اختفى هنا..

    لم أبح بمكنونات أفكاري فتابع الغريب حديثه: لقد سكنتُ هذه المنطقة منذ زمن وزرتُ المنزل مع أصدقائي كمغامرةٍ أخيرةٍ لنا قبل أن تنتقل عائلتي من هنا، واكتشفتُ ليلتها أمر النافذة.. تصوّر أنني وقتها غضبتُ من أصدقائي لتخليهم عني هنا وغادرتُ مع عائلتي دون كلمةٍ واحدة!

    وقهقه الرجل بينما غزت ذهني أكثر الأفكار سوداوية.. بالكاد تمكنتُ من إخراج صوتي لأسأل: ما اسمك؟

    أجاب ببساطةٍ أرعبتني أكثر من أي تجربةٍ أخرى مررتُ بها في حياتي: اسمي جميل!


    ~ تمت ~


  2. 10 أعضاء شكروا تشيزوكو على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...