المطر!

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: المطر!

مشاهدة المواضيع

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,309
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي المطر!

    الأرض تنتظر المطر!
    الأرض تنتظر الماء، ذلك السائل الذي يحمل بريق الحياة في قطراته الرائعة، ليهبط إليها من السماء، بوقع منتظم، سريع وهادئ، يروي ظمأها، معلنًا استمرار الحياة؛ لكن ببداية جديدة، ودورة جديدة، تستيقظ فيها أنفاس الحياة الغافية، لتبدو لنا كأنما الأرض عادت من موتها إلى الحياة بفضل هذا المطر الذي أنزله الله تعالى رحمة للعالمين.

    الأرض تنتظر المطر!
    المطر بشرى للنبات الذابل، المطر بشرى للرزق اليائس، ليأتينا هذا الرزق بأجمل منظر وأبهى حلة، هدية من رب الأرض والسماء، لكن كيف تشكل هذا المطر، ومن أين أتى يا ترى؟ من أين أتى المطر ليخفف لهيب حرارة الشمس التي ترهق الأجساد، وتخنق الأنفاس، حتى نتمنى؛ إذ نمشي تحت المطر؛ أن تعود الشمس لتمنحنا الدفء والأمان! فأي تناقض يحمله المطر إلى مشاعرنا وأحاسيسنا يا ترى؟

    الأرض تنتظر المطر!

    جبين الأرض يلتهب نارًا، الحمى تسري في كيانها المتشقق، الأرض مريضة لا تقوى على النهوض بنا، الأرض عطشى، لا أحد يخفف ما تعانيه، إلا محاولات بشرية ضعيفة، لا تغني الأرض إطلاقًا عن غيوم سوداء، تتجمع في السماء، مرسلة بلآلئ الماء، معطية الأرض الدواء، لتبرأ من الداء، فيا مرحبًا بالمطر، ويا أهلًا بالشتاء!

    الأرض تنتظر المطر!

    ولأن الأرض تنتظر المطر، وتعرف أنه الحياة المستمرة لها، في دوران الليل والنهار، عبر تعاقب الفصول الأربعة، فإنها تدرك حكمة الله تعالى أن تختزن الأرض ذرات الماء، فيها وفي البحار، حتى تتشكل هذه الذرات بخارًا يتطاير إلى السماء، ليتجمع في سحب تبرق بروقًا، تصحبها رعود مدوية، يحمل صوتها إلينا من الخوف والرعب ما يحمل، ويحمل صوتها إلينا من الفرحة والبهجة بابتسامة الحياة مجددًا في براثن الردى، ما يحمل، فأي تناقض هذا؟ لا؛ لا تناقض! فمهما كان صوت الرعد مخيفًا، فإن دقات المطر على نوافذنا؛ إذ تنهمر بغزارتها، تثير البهجة في النفوس، وتشعر الأرواح بالتجدد والتألق.

    الأرض تنتظر المطر!
    لا؛ ليست الأرض وحدها من تنتظر المطر، وليس أعيننا التي اشتاقت لمرآه، ولا أنفسنا التي أدركت أن المطر هو الحياة من تنتظر فحسب، لا؛ بل إن الأرواح نفسها تنتظر المطر، أرواحنا نفسها، والأمر ليس بغريب! كم عَبَّر الناس، وكم اعترف الأدباء، أن المطر يغسل الشرور من النفوس، وكم أقرَّت المدارك، واعترفت المشاعر، بأن المشي تحت المطر يغسل الأرواح المعذبة، ليزيل عذابها، ويعيد إليها جمالها، إذ ينفض عنها غبار الأوهام التي علق بها، لعيدها براقة كما كانت، خالية من الشرور والأحقاد، بل إن صوت قطرات المطر، إذ تصطدم بالأبواب والنوافذ، فتح مخيلة اللغويين لاختراع كلمة لم تكن في اللغة العربية، كلمة يعبِّرون فيها عن نشوتهم وإعجابهم ببراعة الشعراء، فأي روعة لك؛ أيها المطر؛ ونحن لا نعلمها بعد؟ وأي إبداع أبدعه الله، جَلَّ في علاه، في ما خلق وذرأ، في ما صوَّر وبرأ!

    الأرواح تنتظر المطر!
    نعم؛ الأرواح تنتظر المطر، لكنها تنتظر مطر الرحمة لا مطر العذاب، تريد مطرًا يشعرها بالأمان والاطمئنان، ولا تريد مطرًا يحني الظهور له تألُّمًا ألَمًا ممضًا، لتركض الأقدام تحته خائفة خوفًا قاسيًا لا حدود له... الأرواح تنتظر المطر، لكنها تريد ذلك المطر الذي يأتيها بهطول الرحمات، ثواب استغفاراتهم رب العباد، ودعائهم إياه، لتشعر أرواح المؤمنين بأن المطر أتى، لأن الله تعالى استجاب دعاءهم، وقبل استغفارهم، فينظرون ببهجة النفوس التي آلمتها الذنوب طويلًا، إلى الأمطار المتساقطة من السماء، على أنها دلالة الرحمة، وبشارة المغفرة.

    (عمر قزيحة: 24/8/2018: الساعة: 1:06 ليلًا)

  2. 4 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...