و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته


منذ قرأت الموضوع للمرة الأولى تذكرتُ أنني قلت شيئاً مشابهاَ في طفولتي، عندما كان أحد الكبار يسألني: " ماذا ستصير عندما تكبر؟ "
أجيبه دون تردد: " أنا لن أكبر، سأبقى صغيراً "
فيبدأ في محاولة إقناعي دون جدوى أنَّ الناس لا بد و أن يكبروا


أعتقد أنَّ الأمر كان متعلقاً بدرجة كبيرة بكوني الابن البكر للأسرة، أكثر ما كنت أرغب به في طفولتي هو أن أحظى بأخٍ أو أختٍ أكبر مني، أتذكر بكائي عندما زرنا أمي في المستشفى بعد ولادة إحدى أخواتي، رأيتُ طفلةً صغيرةً نائمة ببراءة و سلام في حضن أمي، ضججتُ بالبكاء حينها قائلاً: " ألم نتفق على إنجاب واحدة أكبر مني ؟!! "
لكن لم يلبث من الوقت إلا القليل حتى بدأت في تأمل يدها الصغيرة و ملامحها اللطيفة المنمنمة، و لا بد من أنني رغبت في حملها و إطعامها عندما تعلمت الأكل، و هكذا نشأت علاقة جديدة بين أختٍ صغرى و أخيها الأكبر فسبحان من خلق المشاعر الأسرية الجميلة !!.

ذات مرة حاولت أمي إقناعي أنَّها لو أنجبت طفلاً كبيراً سيقتلها، لأنها لن تتحمل طفلاً كبير الحجم في بطنها، و ألحقته بسؤال: " هل تريد أن تخسر الماما لتنجب لك طفلاً كبيراً ؟! "
بالتأكيد جاءت الإجابة بالنفي، لكن هذا ما ولَّد عندي فكرة أن لا أكبر، أمي لا تستطيع إنجاب أطفال أكبر مني، لكن أستطيع أنا أن أبقى صغيراً بينما يكبر أخوتي، هكذا سيكون لي اخوة كبار، الفكرة بسيطة و غير معقَّدة، كلما كان عليَّ فعله هو ألَّا أكبر.

لم يقتصر الأمر على مجرد قرار بيني و بين نفسي، بل أتبعته بمجهودٍ لا يستهان به؛ عندما يطلب مني الكبار تناول شيء معين لكي أكبر كنت أتجنب تناوله، و إن تناولت تناولت القليل جداً منه، و لحسن أو سوء الحظ كانت معظم هذه الأطعمة و المشروبات سيئة الطعم بالنسبة لي، كذلك كان خالي قد أهدى أمي سريراً خشبياً لي بمناسبة مولدي، و استمرت في استخدامه لي حتى عمرالثالثة، و بسبب تعلقي به لم يجرؤ أحد على استخدامه لمن أتوا بعدي مطلقاً، كنتُ أحب الاستلقاء فيه و مدَّ ساقي عن آخرها لأتأكد أنني لم أكبر عليه، و كذلك أبكي بحرقة داعياً الله بكل خشوع ألَّا يجعل ذلك يحدث، و لا يعتقد أحدهم أنَّ جهودي أو دعواتي قد ذهبت أدراج الرياح، لقد تخلص أبي من السرير دون علمي و أنا في الصف الثامن، و كنت لا أزال أقدر على الاستلقاء داخله دون ثني الركبتين.

لكن على الجانب الآخر، رغم أنَّ مظهري لا يفصح عن عمري الحقيقي، إلَّا أنني من الناحية الصحية أشعر و كأنني قد تجاوزت السبعين من العمر، أمي تكرر دائماً أنَّ دوائي في الغذاء المتوازن و الجيد، و هذا ليس صحيحاً تماماً، لكن أعترف أنَّ نظامي الغذائي ليس صحيَّاً، و كمية ما أتناوله أقل بكثير مما يتناوله أي شاب عشريني، جدَّتي تكرر دائماً أنَّ الشباب يمكنهم الشعور بالجوع، لكن لا يعقل شعورهم بالتعب، و تضيف لي: " أنتَ تأكل كالعصفور و تنام كأهل الكهف"، و الحقيقة أنَّ أخفض الأصوات يمكنه إيقاظي لو أريدَ به ذلك؛ لكن جدتي تقول ذلك لقدرتي على النوم كل اسبوع في بيتها رغم ضجيج أطفال العائلة.

ذات مرة طلبت جدتي مني إحضار كوب من الماء لتشربه، ما فعلته كان أن ذهبت للماء، سكبته في الكوب، شربته، و أخذت لها الكوب فارغاً، أتساءل أحياناً هل يجب أن أشيخ أكثر؟!!



أما بالنسبة للتربية، فمن حولي يعرفون أنني لا أريد الزواج إلا في الجنة إن شاء الله

أحياناً لا أعتقد أن التربية صعبة للغاية، أطفال العائلة في غاية اللطف و البراءة، إلَّا إن قرروا التعبير عن محبتهم باللعب العنيف معي، من الصعب السيطرة على تحالفهم عندما ينقضون عليّ، أخبرهم دائماً أنَّ لعبهم العنيف قد يسبب لي الأذى، و نحن لا نؤذي الأشخاص الذين نحبهم، تارةً يتوقفون و أخرى لا يعيروني آذانهم حتى(ضحكاتهم تحجب صوتي تماماً)، فأخرج من المعركة بأضرار بالغة.

التحدي الحقيقي هو حماية الأطفال من المؤثرات الخارجية، و هذا الأمر صعب للغاية في رأيي، فالطفل مهما كان ذكياً لامعاً، لا يزال تحت تأثير فطرته النقية، إذ يعتقد أنَّ العالم نقي طاهر كسريرته، و مهما كانت تحذيرات الكبار ترافقه و تلتصق بأعماق أذنيه، إلَّا أنه قد يلقيها جانباً أمام أول مواجهة حقيقية تختبر فطرته من جانب و تحذيرات أهله من الجانب الآخر، حصل معي موقف كهذا في سن السابعة و كدت أُخطف من قبل شخصين لولا لطف الله، و على صعيدٍ آخر رفاق السوء و مفسدات العصر، أجد أنَّ أكثر الحلول المنطقية لحماية الطفل من هذا الجانب هو إشراكه في عملية تربيته؛ على سبيل المثال لا الحصر: كان أبي يأخذنا في مرحلة الطفولة لأي مسابقة في الرسم أو الكتابة تختص بنبذ التدخين و تعاطي المخدرات و ما شابهها؛ مما كان يدفعنا للبحث عن أضرار و أخطار هذه العادات السيئة و الحذر منها بقناعة تامة؛ لأن رقابة الأبوين لا تتجاوز لحظات عيونهما في الغالب، و في مرحلة من المراحل سيجد الأبناء أنفسهم مضطرين للانتباه لتربية أنفسهم على نفس النهج، فمن الأفضل تحصينهم من الداخل ليكونوا أقوياء عند مواجهة الاستفزاز و التنمر بهدف إفسادهم.


أعتقد أنني سأتوقف هنا، أتمنى ألا أكون قد أطلت كثيراً