السلام عليكم

قضية ( الوقت ) ليست إحدى قضايا حياة المسلم ، بل هي على رأس تلك القضايا فما الوقت إلا الحياة ، وما هذه الدقائق والثواني - فضلاً عن الساعات والأيام - إلا العمر الإنساني .. وإلا الحياة الإنسانية !!

والحقيقة أن البون شاسع بين موقف الإسلام من الوقت ، وهو الموقف الذي يحصي كل دقيقة ، ويحاسبه عليها إن عملاً وإن كسلاً - وبين أسلوب المسلمين في الحياة ، وهو الأسلوب الذي يتفنن في إهدار الوقت بكل الطرق سواء في المقاهي أم في المكاتب الحكومية أم في مشاهدة المباريات بقصد التصفيق والتأييد لناد من الأندية أو للاعب من اللاعبين أم في مشاهدة دراما أو كارتون !!

وفي الوقت الذي تفيدنا فيه التقارير أن عطاء الإنسان الأوربي اليومي يتجاوز السبع ساعات - تفيدنا التقارير الرسمية أن عطاء الإنسان المسلم لا يتجاوز ثلاثين دقيقة .

فهل يمكن أن تكون هكذا حياة المسلم ؟ وهل يمكن أن يكون المسلمون على هذا المستوى الرديء ، ودينهم هو هذا الدين القيم الذي يقول كتابه الكريم على لسان المجرمين يوم القيامة : (َوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) ؟!!

كلا فهذا المستوى لم يعد يقبل السكوت عليه في عصر تتبارز فيه القوى الكبرى على استغلال كل دقيقة في البحار والفضاء !!

وما لمسته لدى المسلمين في قرونهم الأولى - وهي خير القرون - من حرص شديد على أوقاتهم فاق حرصَ من بعدَهم على دراهمهم ودنانيرهم ، مما كان حصاده علماً نافعاً ، وعملاً صالحاً ، وجهاداً مبروراً ، وفتحاً مبيناً ، وحضارة راسخة الجذور باسقة الفروع.

ثم ما عايشته وأعايشه اليوم في دنيا المسلمين من إضاعة للأوقات ، وتبذير للأعمار ، جاوز حد السفه إلى العته ، حتى غَدََوا في ذيل القافلة وقد كانوا منها في مأخذ الزمام ، فلا عملوا لعمارة دنياهم ، شأن أهل الدنيا ، ولا لِعمارة آخرتهم شأن أهل الدين ، بل خربوا الدارين ، وحُرمُوا الحسنيين !! ولو فقهوا ، لعملوا للدنيا كأنهم يعيشون أبداً ، وعملوا للآخرة كأنهم يموتون غداً.

وجعلوا شعارهم الدعاء القرآني الجامع : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

وجزاكم الله خيراً