+ بسم الله الرحمن الرحيم +

الحمدلله وحده , والصلاة والسلام على من لانبي

بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ... وأمـــا بعــد


إن العبــد لايــزال بحاجة إلى ربه , فقيــرا ً إليــه , يسألــه العــون على أمــور الديــن

والدنيـــا , ويستعيــن بــه فيــها في كـل ركعه يصليهــا فيقرأ

:: إِيـــاك نَعبُدُ وإِيـــاك نَستَعِيـــن ::

وللنــاس أشــغال يودون قضــاءها وحـاجـات يسعــون في تحصيــلها , والمؤمـن

موقـنٌ بأن تصريــف الأمـور وتدبيرهـا بيـد الله سبحانه , وأن العبــد لاينــال خيـرا ً ,

ولايصيبــه شـر ٌ إلا بتقديـره جل جلالــه , كما قال النبي صالى الله عليه وسلم

لإبن عباس رضي الله عنهما :: اعلم أن الأمه لو إجتمعت على أن ينفعــوك بشيء

لم ينفعــوك إلا بشيء كتبه الله لك , وإن الأمه لو إجتموا على أن يضروك بشيء

لم يضروك إلا بشيء كتبه الله تعالى عليك :: رواه الترمذي

والمسلم إن إحتار بين أمرين لايدري أيهما خير له شُرع له أن يستخيـر الله سبحانه

ويسأله أن يُقدرَ له مافيه نفعـه .


كمــا قال جابــر بن عبدالله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

يعلمنا الإستخــاره في الأمور كلها كما يعلمنا السوره من القرآن يقول :

:: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضه ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك

بعلمك , وأستقدرك بقدرتك , وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولاأقدر , وتعلم

ولا أعلم , وأنت عـلام الغيوب , اللهـم إن كنت علم أن هذا الأمر _ وتسميه باسمه _

خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي , ويسره لي ,

ثم بارك لي فيه , وإن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري

وعاجله وآجله فاصرفه عني , واصرفني عنه , واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ::


ويبــدأ وقت الإستخـــاره منذ همـه بفعل أمر من الامور , وإحتار هل يفعل أم لايفعـل

فيصلي ركعتيـن ينويـها للإستخـاره , وإن منعه مانع من الصلاه فيستخيـر بالدعـاء فقط

قال النووي رحمه الله :: ولو تعذرت عليه الصلاه استخار بالدعاء فقط ::

ولايقدم الدعاء على الصــلاه بل يصلي ثم يدعـو .

فإذا سلــم من صـلاته دعا , وإن دعا قبل السلام صح ذلك .


إذا كان المستخير لايحفظ الدعاء دعا به من كتاب , أو كتبه في ورقه ثم يدعو

منها بحضور قلب وخشوع وتعلق بالله تعالى , والأولى أن يحفظ المسلم هذا الدعاء

المبارك لكثرة حاجته إليه , وحاجته كثيره ومستمره .

وإن إحتاج إلى تكرار الإستخاره كررها , ذلك فيما لو لم تتضح له الصوره ,ولا وجه

الخير فيما عزم عليه , وذلك لأن الإستخاره دعاء والدعاء يشرع تكراره

وقال ابن الزبير رضي الله عنه :: إني مستخير ربي ثلاثا ً ::


ولا تمنع الإستخاره من استشارة ذوي الرأي السديد , قال شيخ الإسلام ابن تيميه

رحمه الله :: ماندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين , وتثبت في أمره ::

والمشروع في حق المؤمن أن يجمع بين الاستخاره والاستشاره , فيستخير الله تعالى

ويستشـــير الحكمــاء .


قال ابن الحاج المالكي رحمه الله تعالى :: والجمع بين الإستخاره والإستشاره من

كمال الإمتثال للسنه , فينبغي للمكلف أن لايقتصر على إحداهما ::


وتشرع الإستخاره في الأمور المبـــاحه , كالسفر والزواج والتجاره ونحوها , وأما

الواجبات والمندوبات فلايستخير لها بل يفعلها فورا ً , فلايستخير هل يصلي أو لا يصلي

, ولاتدخل الإستخاره في ترك المحرمات والمكروهات , فلايستخير هل يسرق أم لا .

فعل الواجبات وترك المحرمات , والسنه في حقـه : فعل المندوبات وإجتناب المكروهات .


وقد يستخير العبد في امر يتعلق بالعباده لا لذات العباده, وإنما لوسيلتهاأو مايحيط بها

وذلك مثل سفـره للحـج لاحتمال عدو أو فتنه أو تكون مشقـه الحج مضره به لمرض

أو كبر أو نحو ذلك . فما كان مثل ذلك فله ان يستخير فيه , لأنه لا يستخير لذات طاعه

وإنما يستخير لما قد يلحقه من جرائها .


وينبغي للمؤمن أن يعود نفسه على الإستخاره , ولايحتقر شيء يستخير الله فيه

إذا إن كبائر الأمور تُبنى على صغيرها , ثم إن كثرة الإستخاره تدل على قوة توحيد العبد

وشدة تعلق قلبه بالله تبارك وتعالى , ذلك أنه فرض أمره لله تعالى , وتبرأ من حوله وقوته

ورأيه , وسأل الله تعالى أن يختار له , لأنه موقن بأن الله تعالى يعلم ماهو الخير له

ولذا يقول :: اللهم إني أستخيرك بعلمك , واستقدرك بقدرتك , وأسالك من فضلك العظيم

فإنك تقدر ولا أقدر , وتعلم ولا اعلم , وأنت علام الغيوب ::

تبرؤ من الحول والقوه والعلم , وإعتراف بقدرة الله تعالى وعلمه , ولايخذل الله

تعالى عبدا ً لاذ بحماه وتعلق بجنابه , وطرق بابه .


والإستخاره نعمه من الله تعالى لهذه الأمه المباركه , وهي بديل عما كان يفعله أهل

الجاهليه من الاستسقام بالأزلام , قال ابن القيم رحمه الله

:: واغنانا من الاستسقام بالأزلام طلبا ً لما هو خير وأنفع لنا بالإستخاره

التي هي توحيد وتفويض وإستعانه وتوكل ::


وصلى الله وسلم على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعيــن