قصة أعجبتني :


جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني (10/105- 106) :



أن معن بن زائدة لما كان هارباً من المنصور مختفياً منه في بغداد وقد جعل فيه المنصور جائزة لمن دل على مكانه أو جاء به - ومعن هذا أحد الأجواد ممن يتغنى الشعراء بجوده وكرمه وشجاعته ويضرب بهم المثل –

ففي يوم وهو يسير متنكراً إذ برجل أسود متقلداً سيفه يتبعه.

قال معن : حتى إذا غبتُ عن الحرس قبض على خطام جملي فأناخه وقبض علي.

فقلتُ له : مالك؟

قال : أنت طِلْبَةُ أمير المؤمنين .

قلتُ : ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين !


قال : معن بن زائدة


فقلت : يا هذا اتق الله وأين أنا من معن ؟!


قال : دع هذا عنك فأنا والله أعرف به منك..


فقلت له : فإن كانت القصة كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله أمير المؤمنين لمن جاءه بي فخذه ولا تسفك دمي .


قال : هاتِه . فأخرجتُه إليه , فنظر إليه ساعة .


وقال : صدقت في قيمته , ولستُ قابله حتى أسألك عن شيء فإن صدقتني أطلقتك.


فقلتُ: قل.


قال إن الناس قد وصفوك بالجود , فأخبرني , هل وهبتَ قط مالك كله؟

قلتُ: لا.

قال : فنصفه؟

قلت: لا.

قال فثلثه؟

قلتُ: لا .... حتى بلغ العشر . فاستحييتُ ،

فقلتُ : أظن أني قد فعلتُ هذا.

فقال: ما أراك فعلته!!
أنا والله راجل , ورزقي من أبي جعفر عشرون درهماً , وهذا الجوهر قيمته آلاف دنانير, وقد وهبته لك , ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور عنك بين الناس , ولتعلم أن في الدنيا أجود منك , فلا تعجبك نفسك ولتحقر بعد هذا كل شيء تفعله , ولا تتوقف عن مكرمة .


ثم رمى بالعقد في حجري وخلىَّ خطام البعير وانصرف.


فقلت: يا هذا قد والله فضحتني, ولسفك دمي أهون علي مما فعلت.. فخذ ما دفعته إليك فإني غنيٌ عنه.



فضحك ثم قال : أردتَ أن تكذبني في مقامي هذا , والله لا آخذه ولا آخذ بمعروف ثمناً ومضى .


قال معن : فوالله لقد طلبته بعد أن أمنتُ وبذلتُ لمن جاءني به ما شاء فما عرفتُ له خبراً وكأن الأرض ابتلعته.

************************************************** *