القصة الفائزة بالمركز الأول
بقلم : ض.س
الصورة الثالثة
كان الهواء يلتفّ حول خطواته كلما تقدّم ، يمسح آثاره ، يتنشّق عبقه ويزفره...في كل اتجاه ، كان ماضيه ينمحي كل ثانية، بدت له العملية أشبه بعشوائية متعمدة ، لكنه تابع التقدم.
عشوائية متعمدة... طالما سَحَره التناقض ، بدا له الأمر غريباً حتى استخدمه أول مرة ، وأصبحت لغته مذّاك ثنائية ، لن يبحث عن التجربة الأولى في ذاكرته فهو يعلم أن أي نتيجة ستكون أكثر من وهم ، وهم تحديد خطوات البداية.
الهواء يلتف حول خطواته كلما تقدم . كان يعلم أن الهواء نفسه مسح الأشخاص من المدينة ، الهواء المشبع بالرمال ، بالحقد .
كانت الأطلال تـُبرز أطرافها الخجلة من تحت الرمال ، لم يدرِ لم لا يمسح الهواءُ الأطلال ، أو لماذا لا يتحوّل البشر إلى طَلـل .
لكنه هنا الآن ، يبحث عن طَلـل بشري.
سيزار. . .في المراجع الأجنبية.
ابن عمه كان يُدعى قيصر، لكنه كان بدون امبراطورية ، غادر البلدة في زمن القحط وعمل في شركة لاستخراج النفط ثم مات بعيداً عن وطنه في السابع والعشرين من أغسطس .
ارتسم على فمه شبح ابتسامة.. ما زال يكذب : ابن العم ذاك لم يوجد أبداً، ابتدع قصته يوم قرأ عن قيصر أول مرة ، ثم صدّقها.
ساعة الميدان هي البناء الوحيد الذي يبدو منه أكثر من قبضة فوق الرمال ، اقترب منها ، نفض الكثير من ضحايا الهواء قبل أن يحدق في عقاربها باهتمام ، كانت تشير إلى السابع والعشرين من أغسطس . يبدو أن الوقت لم يكن يعني الكثير لسكان المدينة الذين رحلوا.
حدق فيها مرة أخرى ، السابع والعشرون ، أي توافق هذا ؟
بدأ يشك في خروجه ، ربما لم يغادر المكتبة أصلاً ، ربما ما زال هناك ، أو أنه خرج إلى نفسه ، بطريقة ما.
كان يبحث عن سيزار ، " الطَلـل البشري الذي قرأ كل ما كتبته الإنسانية، وعند آخر كلمة عرف معنى التحرر".
عندما قرأ الأسطورة أول مرة ، فكر كثيراً في موضوع التحرر ، سيزار عرف معنى التحرر ، لكنه لم يجده . كيف يمكن للمرء أن يعرف شيئاً دون أن يجربه ؟
بدت له الفكرة غريبة.
تذكر الساعة... ماذا لو أنه داخل نفسه حقاً ؟ ربما استطاع حينذاك أن يجد سيزار فالأمر لن يتطلب منه سوى التفكير العميق فيه .
عليه إذاً أن يفكر ، أن يمنح طلله هذا بعض التفاصيل ثم يفتح عينيه.
كل كتب الدنيا أمامه ، يبدو الأمر أكثر من وجوده في نفسه ، فهو لم يقرأ كل كتب الدنيا ، لكن سيزار- بالتأكيد- فعل .
الطريق إلى الطَلَل طويل ، ملايين الكلمات بانتظاره وما يفوق الصبر.
تذكر الساعة مجدداً ، ماذا لو أنه فكر في أنه قرأها ؟ سيفتح عينيه و حينئذ سيجد سيزار..كما رسمته الأسطورة ، تحت أطنان من الكتب .
تذكر بغتة أ نه لم يغلق عينيه ، وأنه يعرف معنى التحرر ، وأنه لم يجربه أبداً ، تذكر أن أطنان الكتب كبلته وأنه حين عرف القيد.. كل القيد ، لم يجد صعوبة في أن يعرف الحرية ، كل الحرية.
و تذكر فجأة بعد تأمل قصير . . أنه سيزار.

رد مع اقتباس


المفضلات