"إمبراطور الجليد" يستمد حياته من ألوانه إعداد: محمد هاني عطوي
لا يوجد طائر يستطيع العيش في ثلاجة سوى هذا الامبراطور.. فهو وحده القادر على البقاء في طقس زمهرير تصل درجة حرارته الى 40 درجة مئوية تحت الصفر وسرعة رياح تبلغ في بعض الاحيان في موطنه - السواحل الجليدية للقطب المتجمد الجنوبي - 350 كيلومتراً في الساعة.
انه البطريق أو امبراطور الجليد الذي يعيش في درجة حرارة تنخفض احياناً عن الصفر المئوي بمائتي درجة. وعندما تصل درجة الحرارة الخارجية الى 40 درجة تحت الصفر تبقى درجة حرارة جسمه ثابتة عند 38 درجة مئوية وهذا ما جعل البعض يعتقد ان البطريق يحتاج الى التهام كميات كبيرة من الاسماك لتعويض ما يفتقده في الطاقة الحرارية جراء العيش في هذه الثلاجة الكبيرة لكن ذلك ليس صحيحاً لأن البطريق الامبراطور لديه القدرة على الصوم عن الطعام لمدة اسابيع دون ان يفقد اي سعرات حرارية، وذلك ينطبق على الذكور خاصة.
وذكَر البطريق لا يبذل اي مجهود، وعليه فقط حضانة البيضة التي تضعها الأنثى لحوالي 115 يوماً.
ويتراوح طول البطريق الامبراطور بين ال100 و130 سنتيمتراً. ويقول العلماء ان هذه القامة القصيرة نسبياً لطير كهذا تجعله متلائماً مع الطقس البارد في موطنه، لأن كمية الحرارة التي يفقدها تتناسب طردياً مع سطح التبادل بين جسمه والوسط الخارجي، وينطبق هذا الأمر على البطريق الامبراطور، فإذا وصل ارتفاعه الى 50 سم، فإنه لا يفقد الكثير من الحرارة، فكيف اذا ما وصل ارتفاعه الى المتر تقريباً فلا شك في ان نسبة فقدانه للسعرات الحرارية ستكون أقل بكثير.
درع من الريش: ويعتبر الريش المحيط بجسد البطريق الامبراطور بمنزلة الدرع الفعالة ضد الرياح الباردة نظراً لقصر الريش وقوته وعدم نفوشه على الاطلاق جراء تعرضه للرياح، كما ان جسمه مغطى بالريش من رأسه الى أخمص قدميه. ويحتفظ هذا الريش بكمية مهمة من الهواء. ونظراً لأن الهواء موصل رديء للحرارة، فإنه يوقف التبادل الحراري بين جسم الطائر والوسط الخارجي، الامر الذي يؤمن للبطريق 90% من العزلة الحرارية سواء كان على اليابسة او في الماء. يضاف الى ذلك ان الرداء الدهني غير نافذ للماء.
منقار مكيف: عندما يستنشق البطريق الهواء الخارجي البارد فإنه يكيفه قبل ان يدخله الى رئتيه، بمعنى انه يخفض درجة حرارته والا فإن ذلك الهواء الجليدي كفيل باتلاف خلايا الرئتين لديه، وتتم عملية رفع درجة حرارة الهواء عن طريق الاوعية الدموية الكثيفة الموجودة على مستوى المنقار، وعندما ينتقل الهواء الى الداخل، فإن درجة حرارته لا تتوقف عن الارتفاع حتى يصل في النهاية الى الرئتين دافئاً.
وتساهم الأوعية الدموية المحيطة بالقصبات الهوائية في نقل الهواء الدافئ الى الرئتين.
ونصف جسد البطريق أسود اللون والنصف الآخر ابيض، واللون الاسود يمتص جميع اطياف الأشعة الضوئية القادمة من الشمس وكذلك الحرارة، وعندما تكون السماء في فصل الشتاء صافية، يكون ظهر البطريق الاسود بمنزلة السخان. وأياً كان موقع البطريق على اليابسة، حانياً رأسه نحو الامام، او يكون في البحر ممداً على طوله، فإن الجزء الذي يتعرض لأشعة الشمس هو الجزء الاسود. وربما يتساءل البعض عن السبب الذي لا يجعل الحيوان كله اسود اللون. والاجابة تكمن في استخدامه للجزء الابيض في التخفي من أعدائه اثناء السباحة، فهو يظهر لمتقتنصيه في أعماق البحر وكأنه ماء!
موسم الصيد: وعندما يصل البطريق الى اليابسة الجليدية بعد صيف قضاه في الصيد والاقتناص في البحر، فإن وزنه يكون قد بلغ الاربعين كيلوجراماً ما يعني انه قد جمع كمية كافية من السعرات الحرارية تصل الى 20 كيلوجراماً من الدهون تحت جلده. وتلعب هذه الطبقة الدهنية دوراً في احتفاظ البطريق بالطاقة، وكذلك تكون بمنزلة العازل الحراري، لأن الحرارة لا تعبر الطبقة الدهنية الا بصعوبة نظراً لوجود طبقة الريش فوقها. ومع نهاية فترة الصوم يكون الطائر قد فقد نصف وزنه و2 سم من سمك صدره.
وقوائم البطريق وأجنحته غير قادرة على الاحتفاظ بالحرارة بمجرد تعرضها للهواء البارد الجليدي، وللحد من ضياع الطاقة الحرارية في هذه الاعضاء تكون الأوردة التي تحمل الدم الى القلب ملتصقة بالشرايين الدافئة، وذلك يعني ان الأوردة تستعيد حرارتها بدلاً من ان تضيع في الهواء سدى.
ولا يبني البطريق الامبراطور عشاً لحضانة بيضه، بل يقوم الذكر بالوقوف فوق البيضة التي تضعها الأنثى، عن طريق الكيس الحاضن الموجود في نصفه الأسفل، وهذا الكيس عبارة عن ثنية جلدية توجد في اسفل البطن وهي منطقة تصل فيها درجة الحرارة الى 35 درجة مئوية وبهذه الطريقة تنتقل الحرارة من جسم الذكر الى البيضة والجنين الموجود داخلها.
الاتحاد قوة: عندما يصبح الطقس بارداً جداً، تتجمع قطعان البطريق وتتلاصق مع بعضها البعض للتقليل من التواصل بين سطح اجسامها المعرضة للرياح والطقس الخارجي، ويطلق العلماء على هذا التجمع المتكتل تعبير (السلحفاة) وذلك اشارة الى الجنود الرومان الذين كانوا يحتمون من عدوهم وراء المتاريس مكونين تكتلات. وتلجأ الطيور الى هذه الطريقة للاحتماء من البرد، ولكنها تنتقل بين بعضها البعض، ويمكن للتجمع البطريقي ان يتنقل مسافة تتراوح بين 100 - 200 متر خلال فترة تصل الى 48 ساعة. ويبلغ عدد البطاريق في المتر المربع الواحد 10 طيور، على ذلك يمكن ان تصل درجة الحرارة داخل التجمع (السلحفاة) الى 37 درجة مئوية.
ويعتبر البطريق الامبراطور الطائر الوحيد الذي يتكاثر في فصل الشتاء. وتنمو صغاره على مدى ستة أشهر، وذلك منذ لحظة الفقس وحتى التوجه الى البحر، واذا تمت عملية التكاثر خلال فصل الصيف تموت الصغار من التعب لأنها تحاول بلوغ البحر عبثاً.
وتعود الأنثى الى المستعمرة (التجمع) بعد عشرة أيام من وضع بيضتها حيث تكون قد ملأت معدتها بالطعام من البحر وتكون جاهزة لاطعام اولادها، وتحاول الانثى حماية الصغار تحت كيسها الحاضن نظراً لأنهم لا يتحملون البرد القارس، ولا يخرج الصغار الا بعد 3 أشهر اي في شهر سبتمبر/ايلول.
وفي شهر اغسطس/آب، يأتي دور الذكر كي يذهب الى البحر ليخزن الطاقة ويعود بعد شهر اي في بداية شهر سبتمبر/ايلول، ليترك الدور للأنثى للنزول الى البحر من جديد، وفي هذه الفترة تكون الطبقة الواقية حول الصغار قد أصبحت سميكة بدرجة تمكنهم من تحمل البرد.
وتتسارع فترة الذهاب والاياب الى البحر من قبل الذكر والانثى لإطعام الصغار وتسريع عملية نموها. وفي هذه الفترة لا يقطع الذكور مسافة طويلة للبحث عن الطعام اذ تكون الكتل الجليدية قد بدأت تذوب، وعندما تبلغ الصغار شهر ديسمبر/كانون الاول تكون طبقة الريش قد أصبحت سميكة نسبياً وغير نافذة للماء ما يعني انها غدت قادرة على النزول الى الماء واقتناص الطعام بنفسها.
جو العائلة: عندما يعود البطريق الى مستعمرته لتغذية صغيره، فإن ايجاد عائلته من بين آلاف البطاريق الموزعة على مساحات جليدية شاسعة يكون مسألة صعبة نوعاً ما، فهو لا يتمكن من التعرف الى عائلته بالعين المجردة، بل من خلال طريقة غنائه، فكل بطريق له طريقة تميزه عن البطاريق الاخرى، وفي هذا الصدد يمتلك الطير نوعين من الاحبال الصوتية، فهو يغني بصوتين، الأمر الذي يضاعف من مجموعات الاصوات الممكنة المنبعثة من حنجرته، وعندما يبدأ البطريق بالدندنة فإن انثاه وصغيره يتعرفان اليه بسهولة ويجيبانه بنفس الطريقة. ومن عجائب البطريق انه اذا بدأ بالغناء والصفير تتوقف بقية افراد القطيع كي يعبر البطريق عما يريد، مما يدلل على ان جو العائلة يسود مملكة البطريق الامبراطور.
المفضلات