"الـفـصـل الـثـالـث"
:
:
:
سجلت ملاحظات عن الذي قرأته في مفكرة متوسطة الحجم ثم ذهبت إلى غرفته بخطوات ثابتة ومرتبكة أعدت الدفتر.. أحسست به يتقلب على سريره فأسرعت وأغلقت الباب بصمت.
..
"أخــوه"
ومع أذان الفجر أتيت لأوقظه هززته بيده برفق وأنا أقول:
"قم وصل صلاة الفجر و اليوم لديكم حفل على ما أظن..يجب عليك الذهاب مع الصباح الباكر! وليس في الليل كالعادة"
- آه دعني لقد أفسدت علي حلمي الجميل!
- لا تنسَ أنك قد نظمت قصيدة كما قلت ستلقيها في الحفل هيَّا قم..قم.
قفز من سريره وهو يقول: " القصيدة نعم نعم .."
- طيب تعال معي إلى المسجد .
- أنا تَعِب اليوم سأصلي في البيت اتركني وشأني!
- لا شأن لي بك, اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد!
ذهبت بصمت حزين.
...
عندما عدت من المسجد بدأت الشمس تشرق و وجدت أخي قد لبس ثوبه الأبيض وحمل حقيبته ولبس حذائه الجلدي الملمّع تمنيت لو أني استطعت تنبيهه على أن الثوب ضيق قليلاً فبطنه مرسوم بوضوح لكنّي آثرت عدم جرح مشاعره في اليوم الذي سيلقي فيه قصيدة من تأليفه..
قلت بعدما تأملت مظهره من جميع النواحي:"أرجوك يا أخي احلق شاربك أو خفف منه"
نظر باستهجان وهو يقول بأنفة:" ولماذا؟ "
نظرت إليه باستحسان مبالغ فيه وأنا أقول:
"حتى تكون هيبتك أكبر أثناء إلقاء القصيدة!ولا يشوّش على صوتك"
نظر إليّ بتذاكي وهو يقول:"صحيح!لكن التشويش يا أخي لا ينقص الهيبة بل يزيدها غموضًا!"
لم أجد ردًا فابتسمت وقلت له: " هيّا فلنذهب الآن "
قال وهو يتثاءب :" هيّا"
عندما تثاءب اخترقت أنفي رائحة فمه كانت سيئة جدًّا قررت أن أشتري له علكة من الدكان القريب عندما نذهب.
..
ركبت السيارة وضغطت على المنبه حتى يسرع رأيته وهو يمشي بخيلاء آه هذه المشية لا تناسبه!
..
عندما اقتربنا من الدكّان نظر لي باستنكار ثم قال لي:"أنا مستعجل أنزلني في مدرستي ثم اشترِ الذي تريده !"
(هذه المرة يجب أن أنفذ ما قررته!) قلت:"لا لن تتأخر فالوقت لا يزال باكرًا !"
ثم أوقفت السيارة قبل أن يرد عليّ ثم طلبت علكة بالنعناع وأخرى بالفواكه لي.
أعطيت البائع النقود واتجهنا إلى مدرسة أخي مددت له العلكة وأنا أمضغ علكتي ثم قلت:"خذها"
التفت بنفاد صبر وهو يقول :"كفى! لا أريد شيئًا."
من رحمتي له لم أردّ.
..
عند باب مدرسته كان الطلاب متجمعين يثرثرون عند باب المدرسة وعندما رأوا أخي صمتوا وظلّوا يتأملونه بصمت... حيث يمشي تميل الأعين والرؤوس! فلا يستطيعون القول بأنه معلم فهو يحمل حقيبة عادية وهيئته هيئة الطالب عدا الملامح والمشية والجسم.. قلت له وأنا أضع كفي بجانب فمي حتى يستطيع سماعي:
"مع السلامة"
سمعته من بعيد وهو يقول:
- مع السلامة .
دعوت الله وأنا في طريقي إلى مدرستي ألاّ يستاء أخي من أحد.
. .
"أخــته"
(بعض الذي قالت لي خالتي)
كانت تلك الحفلة الختامية لطلاب الصف الثالث المتوسط جُمِعَ الطلاب في ساحة المدرسة وقعدوا أمام المسرح بترقب .
وقف طالب جريء أمام جميع الطلاب وأمسك المايكرفون ثم قال بعد أن سلم وحمد الله وأثنى عليه :
والآن مع أولى فقراتنا... قرآن كريم بصوت الطالب:"....."
و... ..
..
ومع كلمة للمدير ..
..
..
والطلاب لا همّ لهم سوى التصفيق !
والآن مع قصيدة من تأليف الطالب :"...." الذي أحب مفاجئتنا بقصيدته حتى أنه لم يعرضها أثناء التدريب!!
هي في الحقيقة بيت أو بيتين لكنهما بليغين أو بليغ..
ولول الطلاب وهوّلوا سكت الفتى طالبًا منهم البقاء صامتين فصمتوا وهم ينتظرون..
..
أتى وهو يعدل طاقيته وقف على المسرح بهيبة متكلّفة ثم قال:
الأم مدرسة ...الأم مدرسة إذا أعددتها
............................................... أعددت شعبًا طيب الأعراق!
والسلام عليكم.
تلفتّ الطلاب غير مستوعبين ثم انفجروا ضاحكين عليه والمعلمين أيضًا حتى إن أحدهم كاد أن يسقط على ظهره!
والبعض يتلفتون على بعضهم بشفقة ويضحــكون والبعض يهتف بهتافات تشجيعية ساخرة: " إبداع, أمر لا يصدق وجود مثل هذا النابغة! , تعدى حدود الروعة....."
في الحقيقة هذان البيتين مكتوبان على سور المدرسة بخطٍ كبير منذ أكثر من ستة عشر عامًا!
وبخط صغير كتب على أسفل جانبها: *حافظ إبراهيم.
كان لا يزال واقفًا على المسرح ثم نظر إليهم بكبر ومشى.
وعلى مرأى جميع الطلاب ناداه المدير إلى غرفته.
لكن المحرج في الأمر أن ابن خالته الصغير في الصف الأول كان معه في نفس المدرسة!
..
بعد الظهر أرجعه أخوه إلى البيت وعندما وصل غرفته اتجه إلى دفتره وبدأ يكتب بعد أن بدّل ثوبه:
"...ولا يبدأ الصخب إلا عندما تخطو قدمي أول خطوة داخل المدرسة الأصدقاء يلتفون حولي بمرح ونظل نضحك إلى أن نصل مكاننا المعتاد عند النخلة المعمّرة و بشكل روتيني يمرّ علي يومي.
...
هذا اليوم كان لدينا احتفال ختامي لطلاب الثانوية العامة وبما أني في الصف الثالث كان لا بدّ لي من أن أشارك بشيء مميّز.. شيء لا يُنسى!
تعمدت أن أنتظر مع المعلمين إلى أن تحين فقرتي التمثيلية فلا فرق بيني وبينهم لا في الطول ولا العرض أو حتى العقل !
كنت أنا في دور الشاعر حافظ إبراهيم وصديقي جواد تنكر بزي امرأة عجوز ومثَّل دور الأم و الابن العاق مثّله رشيد أحد أتباعي الذين لا أطيقهم كان المشهد مؤثّرًا فعلاً ونسيت نفسي فبكيت كالأطفال!
أنا الآن أبكي لتأثري بما مثلته.. قلت بشكل درامي:
الأم مدرسة ...الأم مدرسة إذا أعددتها
............................................... أعددت شعبًا طيب الأعراق!
ولا ريب في أن الجميع لاحظ تكراري لعبارة "الأم مدرسة" مددت يدي وأنا أقولها لا شعوريًّا!
تأثر الطلاب وتحولّت المدرسة بلا مبالغة إلى مناحة!
ناداني المدير وأغرقني بالمديح فقلت له(مع علمي بمدى استحقاقي لهذا الثناء) لا تبالغ في إطرائي أيها المدير الفاضل!
أكمل مدحه لي وكأنما لم يسمعني (ليس استخفافًا بي..حاشا ذلك! بل لتأثره بالمشهد) المسكين! طبطبت على كتفه وأنا أقول:
"ليس سوى مشهد.."
وانتهى بي الأمر –كما العادة- بإعطائي شهادة شكر مع وسام نجم."
.
. أطيب السلام ... وأتمنى أن أرى الكثير من النقد,والملاحظات عند عودتي![]()


رد مع اقتباس

المفضلات