الجزء السادس
~ جيم ~
لم أستوعب بعد المأزق الذي نحن فيه ..
ولم أتصور لثانيةٍ واحدة ، أن تستمد بهم الجرأة إلى إطلاق النار أمام مبنى الـ مخابرات الأمريكية !! ..التفت نحو إدوارد ونحن ندلف إلى باب المبنى الرئيسي ، وإذ به يمسك ذراعه المصابة ويضغطها بقوة .. أنا السبب .. لقد عرضته للخطر .. كنت الأجدر بهذه الرصاصة.. أنا مدين له .. ومدين للكثير و...لحبيبة..
استقبلنا بالداخل عددٌ من الضباط .. أشار أحدهم لرفيقه باصطحاب إدوارد بعد أن رأى اصابته .. وقال لي :
- تعال معي يا سيد ..
وصحبني منفرداً إلى احدى مكاتب المبنى .. وهو يقول :
- أظنه مكاناً مناسباً لتوضيح الأمور ..
حقيقةً لقد بقيت صامتاً .. لم أستوعب بعد الشعور بالأمان .. فكل ما حدث ، قد حدث بسرعة ! و... أحتاج للاستيعاب ببطىء وهدوء ..
دعاني الضابط للجلوس على أريكة الغرفة .. فجلست برويّةٍ .. وجلس بجانبي لثوان .. لكنه قام ثانيةً ، واستأذن قائلاً :
- اعذرني لثوانٍ ..
ذهب ..!
عدت لأفكاري .. تلمّستُ الأريكةَ من تحتي ، وضغطت بقدمي على الأرض . محاولات قمت بها للتأكد من أنني مازلت في عالم الواقع ، لا عالمِِ الأحلام ..!
ماهي إلا ثوان ، وعاد الضابط .. وجلس بجانبي قائلاً :
- أأنت بخير ؟
قلت :
- نعم .. هل .. هل مازالوا يطلقون النار بالخارج ؟؟
قال :
- لا تُـقلق نفسك بالأمر .. ما هي إلا دقائق ونسيطر على الأمر .. نحن الـ سي آي إيه يا رجل ! .. ولن تصمد مجموعةٌإرهابيةٌ صغيرة كهذه في وجهنا ...
نعم .. لم أقلق نفسي بالأمر ؟! .. آن الأوان لأرتاح نفسياً وجسدياً من هذا القلق المتواصل .. لقد نجونا .. أكاد لا أصدق .. ادوارد كان له الفضل في نجاتنا ، رغم أنه ........
قطعت أفكاري سائلاً بسرعة :
- وأين إدوارد ؟
قال الضابط مبتسماً :
- ظننتك ستنام وأنا أحدثك ..! من المؤكد أنك تعني صديقك المصاب !
قلت متجاهلاً عبارته الأولى .. فعليه تقدير حالتي .. :
- نعم .. كيف وأين هو ؟
قال:
- لا تقلق .. لقد صحبه رفيقي إلى عيادة المبنى ليعالج اصابته .. سيكون هنا قريباً ..
تنهدت بارتياح .. لكنه عاد يقول :
- هل لك أن تخبرني بالتفاصيل الآن ..؟؟
قلت :
- بالتأكيد .. و..
قاطعني :
- إذن أول ما ستخبرني به .. هو من أنت ؟؟
قلت :
-جيم واطسون .. أدير شركة فاست ديب التي تملكها عائلتي ..
قال بدهشة :
- أأنت قريبٌ لـ مايكل واطسون ؟؟!!
قلت بدهشةٍ أكبر وابتسامة فخر :
- إنك تتحدث إلى ابنه مباشرةً الآن ..
قال بعجب سعيد :
- أنت ابنه حقاً ؟؟؟ يا لها من مفاجأة ..!
يبدو أن أبي كان واسع الصيت شهيرُه ُ ، ويعرف الكثير من الشخصيات الكبيرة .. عاد يقول :
- ولكن .. كيف حدث ما حدث ؟! وماذا حصل لك ؟ ومن هؤلاء ؟؟
قلت :
- مهلاً يا سيدي.. سأشرح لك الأمر ..
شرعت أحكي له ما حدث .. وهو ينصت في صمت واهتمام بالغين ..إلى أن وصلت لأطلاق النار .. فقال الضابط :
- وما اسم هذه الشركة التي اكتشفت أمر صفقاتها ؟
قلت :
- (آندرسون كلاودز ) ..
كنت أودّ اخباره المزيد عنها ، إلا أنني تذكّرتُ أمراً بالغ الخطورة .. وقلت منفعلاً :
- الــ .. قرص !!!
تحولت ملامحي إلى هلعٍ .. لقد تذكرت القرص الآن ...! كيف أنسى أمراً كهذا .. إنه السبب في تواجدنا هنا ..!!هل نسيناه في.......السيارة!!!
قلت بتلعثم :
- القرص .. الدليل .. لقد .. في السيارة .. نسيناه ، و...!!
قاطعني صوتٌ مرهق من خلفي قائلاً :
- كفاك قلقاً بعد اليوم عزيزي ... إنه بخيرٍ معي..
التفت بحركةٍ سريعة لمصدر الصوت العزيز .. وبحركةٍ سريعة كنت أقف أمامه وأحتضنه برفق قائلاً وأنا أنظر لاصابته :
- أأنت بخير عزيزي ادوارد ؟
قال :
- لا بأس يا صديقي .. لقد كانت تجربةً مريرة .. وسيصبح كل شيءٍ على مايرام ..
قلت بامتنان :
- إدوارد .. شكراً لك .. أنت تعرف أنني لن أستطيع موافاتك حقك مهما فعلت ..
قال ادوارد مغيراً دفة الحديث ببساطته وحكمته المعتادة :
- والآن .. هل سنحل ضيوفاً ثُقلاء على مخابرات دولتنا العزيزة ؟!
قال الضابط وهو يطلق ضحكة بسيطة :
- مخابرات دولتكم تتشرف بدعوة اثنان مثلكما .. سنسيطر على الأمر قريباً .. بعدها يمكنكم الخروج بأمان..
قلت :
- شكراً لك يا سيد ......
قال بدهشة :
- أوه .. يبدو أنني نسيت التعريف عن نفسي ..
تابع وهو يمد لي يده طالباً المصافحة :
- "طومسون جايكوب " .. ضابط في الادارة العامة لمخابرات داخلية كاليفورنيا ..
صافحته باحترام .. بينما صافحه ادوارد هو الآخر .. حينها .. وبهذه اللحظة بالذات .. أخذت نفساً عميقاً ، شاعراً بالأمان والطمأنينة .. أمم .. ماهذا ؟ .. لقد مازجََتِ الهواء الذي أتنفسه رائحةٌ ما شهية ! ... لقد أحضروا لنا طعاماً .. يا له من حظ رائع في النهاية .. أوه .. النهاية ؟؟ .. هل هذه هي ؟؟ .. من يدري !
~ حبيبة ~
انه ثاني يوم ، بعد تلك الحادثة .. أو لكي لا ألقي لها بالاً .. يمكنكم القول ، انه ثاني يوم منذ اختفاء سيارتي .. ترى ماذا حصل معهم ..؟ هل انتصر الحق على الشر أم أن سوءاً قد حلّ بإدوارد وجيم ؟؟؟ ... ألا يمكنني الكفُّ عن التفكير قليلاً بالأمر !؟! لكن ... سيارتي ... إنها ما يجعلني أفكر بالأمر .. يجب أن أنتظر دوام الجامعة حتى أستعيدها ..يا له من وقتٍ مملٍ ذلك الذي أٌقضيه ... ليتني كنت مع أمي وأقاربي ..العودة للوطن .. حلمٌ أستيقظ منه كل صباح .. وأبات به كلَّ مساء .. الشوق للأهل والأحباب .. والعيش وحيداً بعيداً عن المعارف والأصحاب .. بل وحتى من يشاركك عقيدتك وأفكارك .. وضعٌ لا يحتمل .. لكن .. نهاية الصبر الفرج ..
سمعت صوت رنين هاتفي المحمول .. وإذ باسمٍ رّقّصّ له قلبي فرحاً .. وانحلت قيود الملل فجأةً ليصبح القلب بكامل حريته .. رفعت الهاتف لأذني وأنا أقول في سعادة واضحة :
- السلام عليـــكم ! أهلاً أهلاً ..
- حبيبة!! كيف حالك ؟؟؟؟
- أنا بخيرٍ يا عزيزتي حنان .. كيف حالك أنت ؟؟
- أنا بخير .. كيف تمضي أمورك..؟
- بخير .. لا تسأليني وأسرعي هيا أخبريني .. متى العودة ؟؟؟
قالت بخبث طفولي :
- خمّني ماذا ؟؟
قلت :
- ستعودين غداً .؟؟
قالت :
- لا أيتها الذكية .. حبيبة .. أين ذهب ذكائك ؟؟
قلت بغيظ :
- لم أرك منذ مدة طويلة وتمزحين بثقلٍ كعادتك ..
قالت بمرح :
- لا أمزح يا عزيزتي.. لكنني تأكدت فعلاً أن ذكائك قد ذهب في نزهةٍ قصيرة ..
- أوه حنان لا تضيعي الوقت وأسرعي بالمهم .. فالمكالمة ستكلفك الكثير إذا لم تتوقفي عن هذه الطريقة !!
أطلقت حنان ضحكة أغاظتني .. وقالت :
- أنا الآن واثقةٌ من ذهاب ذكائك .. ياترى هل له من عودة !
عدت إلى طبيعتي الهادئة .. فمع حنان أتعامل بحريةٍ كبيرة .. فهي صديقتي المفضلة والقريبة ..
قلت :
- حسناً .. ذهب أو لم يذهب .. يبدو أن هناك أمراً ما تريدين اخباري به .. أسرعي هيا..
قالت بعد أن أنهت ضحكاتها المستفزة :
- انظري لشاشة هاتفك يا حلوتي ..
نظرت إليها في عجب قائلةً :
- مابها ؟؟
قالت ويبدو أن أعصابها قد احترقت غيظاً من "ذكائي المفقود " كما تقول :
- أيتها العبقرية .. انظري للرقم الذي أتحدث منه !!!
نظرت إليه و ........ أأأه !! كيف لم أنتبه للأمر ..الرقم داخلي!!
و... هذا يعني أنّ .......
صحت بها في فرح :
- أنت هنا !!! يا لها من مفاجأة !!! لماذا لم تخبريني يا حناان !! لقد اشتقت إليك ؟؟
قالت في ودّ :
- وأنا أكثر يا صديقتي .. ما رأيك بزيارةٍ هادئة إلى منزلك الآن ؟؟
قلت :
- مفاجأة عودتك .. وزيارتك لي الآن ... لا لا . هذا كثير .. يا لسعادتي.. هيا أسرعي أنا بانتظارك ..
أنهيت المحادثة معها ,, وأنا سعيدةٌ حقاً .. لقد حقق الله أمنيتي .. فقد كان الملل يخيّم على قلبي .. وها قد حصلت المفاجأةُ التي كنت أتمناها وقدمت حنان ، وبصورة فجائية !!!
بعد قليل وصلت حنان ورحبت بها في سعاةٍ بالغة متبادلة .. وراحت تحكي لي ما حدث معها في اجازتها الصغيرة مع عائلتها .. لقد تفاجأت حقاً من عودتها المبكرة .. لكنها أوضحت لي أن أمور عائلتها لم تكن على مايرام ، مما اضطرهم للعودة .. كما أن بقائها هناك لم يعد يفيد ، بل على العكس ستضر دراستها بالتغيب كل هذه الفترة .. كنت مترددة .. هل أحكي لها ما قصتي مع جيم .. وإدوارد ؟؟
مع أنّ حنان صديقتي المقربة والحبيبة .. لكنني لم أشأ أن أخبرها أمراً كهذا ، ربما لأنه انتهى ,, ولن أتورط به مجدداً .. وربما ..... لا أدري .. لكنني لم أتفوه بحرفٍ عنه ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~جيم~
تم القبض على تلك المجموعة الصغيرة التي أطلقت النار علينا أمام المبنى الرئيسي للمخابرات ، والتي تتبع تلك المنظمة .. لكنهم أكدوا للضباط أنهم لا يعرفون شيئاً ، بل إنهم مستأجرون بواسطة شخصٍ مجهول .. لذا ، اتجهت المخابرات ناحية تلك الشركة لتقاضيها بعد أن رأوا القرص ومابه ..
أما عنّي أنا وإدوارد ، فقد عدنا لحياتنا الطبيعية ، ولكن بالطبع تحت الحراسة .. فقد وضعت المخابرات من يراقب الشركة ، و من يراقب منزل كلانا ، إلى أن يتم الانتهاء من أمرُ هذه المنظمة المجهولة .. لكن رغم هذا .. فأنا أشعرُ ببعض المخاوف .. تابعت عملي بالشركة وكأن شيئاً لم يحدث .. لقد خسرنا حتى الآن تعاملاتنا بتلك الشركة ، لقد كانت تعود علينا بالكثير من الفوائد .. والآن ، سيهبط دخل الشكرة كثيراً .. !
إدوارد منشغلٌ هذه الأيام بالاعداد لعمله بالجامعة .. لقد كنت أعتمد عليه بكل شيء .. أما الآن ، فنادراً ما يأتي للشركة ..! ..
مر يومان منذ مغادرتنا لمنزل حبيبة .. ترى هل نست الأمر ..؟ يجب أن أفكر لاحقاً بشكرها بطريقةٍ ما .. ولا بد أيضاً أن أراها ثانيةً بطريقةٍ مناسبة ، ليس كالمرة السابقة !
انشغلت بتحضير بعض الملفات ومراجعتها .. إنها ملفاتُ شركةٍ جديدة تعرض التعامل معنا .. الآن يجب عليّ التدقيق أكثر حين قبول الشركات ورفضها .. فلننظر .. إنها شكرة تدعى ( الضياء ) !
ماهذا الاسم الغريب .. بدأت بفتح ملفاتها ومراجعة معلوماتها .. وأول ما وقعت عيناي عليه ، هو اسم البلد .. إنها بلدٌ عربي ، من المؤكد أن الاسم عربيٌ أيضاً لهذا لم أفهمه .. والآن بعد أن تغيرت نظرتي عنهم .. لا بأس بقبولها ، ربما أتعمق أكثر بعالمهم ، وإنني أتلمّس الأمانة في تعاملاتهم ، أقنعت نفسي بقبولها ، لكن هذه المرة قبلتها بنظرةٍ جديدة ، كان لحبيبة الفضل فيها .. يبدو أيضاً أن حبيبة لن تفارق تفكيري كلما توقفت لعمل أمرٍ ما ..
اتصلت بهم وحددت موعد مقابلة وفدهم ، الذي سيبقى هنا لمتابعة العمل من جهته .. هل تعاملي معهم في محلّه حقاً ؟؟؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~



المفضلات