فارس الإسلام

قمر الكون

والأخ G.A.S

جزاكم الله خيرا، وبارك الله فيكم، وما زلنا مستمرين مع خواطر ابن الجوزي رحمه الله، وإليكم المزيد:

من يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه

تأملت إقدام العلماء على شهوات النفس المنهي عنها، فرأيتها مرتبة تزاحم الكفر، لولا تلوح معنى: هو أن الناس عند مواقعة المحظور ينقسمون:

فمنهم: جاهل بالمحظور ، أنه محظور، فهذا له نوع عذر.

ومنهم: من يظن المحظور مكروها لا محرما، فهذا قريب من الأول. وربما دخل في هذا القسم آدم صلى الله عليه وسلم ( أي في أكله للشجرة).

ومنهم: من يتأول فيغلط، كما يقال: إن آدم عليه الصلاة والسلام. نُهي عن شجرة بعينها، فأكل من جنسها، لا من عينها.

ومنهم: من يعلم التحريم، غير أن غلبات الشهوة أنسَته تذكر ذاك. فشغله ما رأى عما يعلم. ولهذا لا يذكر راكب الفاحشة الفضيحة ولا الحد، لأن ما يرى يُذهله عما يعلم.

ومنهم: من يعلم الخطر ويذكر... غير أن الأخذ بالحزم أولى بالعاقل، كيف وقد علم أن هذا الملك الحكيم قطع اليد في ربع دينار، وهدم بناء الجسم المحكم بالرجم بالحجارة، لالتذاذ ساعة. وخَسَفَ، ومسخ، وغَرَقَ.....

ميزان العدل لا يُحابي

من تأمل أفعال الباري سبحانه، رآها على قانون العدل، وشاهد الجزاء مراصدا، ولو بعد حين.

فلا ينبغي أن يغتر مُسامَحٌ ، فالجزاء قد يتأخر . ومن أقبح الذنوب التي أعد لها الجزاء العظيم، الإصرار على الذنب، ثم يُصانع صاحبه باستغفار، وصلاة، وتعبد، وعنده أن المصانعة تنفع.

وأعظم الخلق اغترارا، من أتى ما يكرهه الله تعالى، وطلب منه ما يحبه هو، كما في الحديث ( والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) ضعيف: أخرجه الترمذي، انظر ضعيف سنن الترمذي 2459.

ومما ينبغي للعاقل: أن يترصد وقوع الجزاء، فإن ابن سيرين قال: عيرت رجلا فقلت: يا مفلس، فأفلست بعد أربعين سنة.

وقال ابن الجلا: رآني شيخ لي وأنا أنظر إلى أمرد ، فقال: ما هذا؟ لتجدن غبتها( أي سوف ترى أثر هذه النظرة) ، قال : فنسيت القرآن بعد أربعين سنة.

وبالضد من هذا، كل من عمل خيرا أو صحح نية، فلينتظر جزاءها الحسن وإن امتدت المدة.

قال الله عز وجل: { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} يوسف 90.
وقال عليه الصلاة والسلام: " من غض بصره عن محاسن امرأة أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه" ضعيف: وانظر مشكاة المصابيح حديث رقم 3124.
فليعلم العاقل أن ميزان العدل لا يحابي.

مصير النفس بعد الموت

قد أشكل على الناس أمر النفس وماهيتها، مع إجماعهم على وجودها، ولا يضر الجهل بذلتها مع إثباتها. ثم أشكل عليهم مصيرها بعد الموت. ومذهب أهل الحق أن لها وجودا بعد موتها، وأنها تُنعم وتعذب. قال أحمد بن حنبل: أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار.

وقد جاء في أحاديث الشهداء: " أنها في حواصل طير خضر تعلق من شجر الجنة"أخرجه الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في ثواب الشهداء، برقم: 1641.
وقد أخذ بعض الجهلة بظواهر أحاديث النعيم، فقال: إن الموتى يأكلون في القبور، وينكحون.

والصواب من ذلك أن النفس تخرج بعد الموت إلى نعيم أو عذاب، وأنها تجد ذلك إلى يوم القيامة، فإذا كانت القيامة، أعيدت إلى الجسد ليتكامل لها التنعم بالوسائط.

وقوله : " في حواصل طير خضر"، دليل على أن النفوس لا تنال لذة إلا بوساطة. إلا أن تلك اللذة لذة مطعم ومشرب، فأما لذات المعارف والعلوم فيجوز أن تنالها بذاتها، مع عدم الوسائط.
والمقصود من هذا المذكور أني رأيت بعض الإنزعاج من الموت. وملاحظة النفس بعين العدم عنده فقلت لها: إن كنت مصدقة للشريعة فقد أخبرت بما تعرفين ولا وجه للإنكار، وإن كان هناك ريب في أخبار الشريعة، صار الكلام في بيان صحة الشريعة.

فقالت: لا ريب عندي.

قلت: فاجتهدي في تصحيح الإيمان، وتحقيق التقوى، وأبشري حينئذ بالراحة من ساعة الموت، فإني لا أخاف عليكإلا من التقصير في العمل. واعلمي أن تفاوت النعيم بمقدار درجات الفضائل، فارتفعي بأجنحة الجد إلى أعلى أبراجها، واحذري من قانص هوى، أو شرك غِرة ( أي احذري من هوى تقعين فيه أو غفلة تكون لك كالشبكة يقع فيها الصيد)، والله الموفق.

أقول : لا حول ولا قوة إلا بالله، أين نحن من هؤلاء، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا الكثيرة، ووفقنا لطاعتك، وثبتنا على دينك.
ودمتم في رعاية الله، وانتظروا المزيد إن شاء الله.
لا تبخلوا علينا بردودكم