تأمُّلةٌ في سورة الذاريات

يقول الحقُّ سبحانه: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ }

• صدّر الله جلّ وَعَلا هذه السورة بقَسَمين: قَسَمٌ مُتتابع وقَسَمٌ منفرد.
• القَسَمُ المتتابع هو قوله تبارك وتعالى {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} فالفاء هنا عاطفة على ما قبلها. وجواب القَسَمِ هنا هو قوله جل وعلا: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ}.
• ثم أقسَمَ تبارك وتعالى قَسَماً منفرداً عن الأول غير متصلٍ به وهو قوله جل وعلا: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ}

أما تفسيرُ الآيات فإن جمهور المفسرين على أن المقصود بـ{الذَّارِيَاتِ} الرياح، ويؤيده من القرآن قولُ الله جل وعلا {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}.
{فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً}: هيَ
السُّحُب والذي تحمله هو الماء
{فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً}: هي السفن تجري بيسر وسهولةٍ في البحر ويؤيده من القرآن قولُه سبحانه: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَام}.
{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً}: المقصود بها عند جماهير العلماء
الملائكة،
لكنهم يقولون ليس المقصود جميع الملائكة وإنما المقصود أربعة منهم وهم:
جبريل للوحي والحرب،
وميكال للرحمة والغيث والرياح،
و
ملك الموت لقبض الأرواح،
و
إسرافيل للنفخ في الصور،
فهذه الأربعة كلُّها من مخلوقات الله ،وأقسم الله جل وعلا بها.

فائدةٌ نحوية:
وأداة القسم هنا هي الواو، والواو هنا معنىً للقسم وأما كعملٍ نحوي فإنها تجرُّ ما بعدها ولذلك قال تعالى:{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً}

* {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} الجواب هنا جواب القسم: هو ما كان القرشيون ينكرونه من قبل وهو أن السور المكية نزلت على قوم ينكرون البعث والنشور، فأهم قضية عالجتها السور المكية هي قضية الإيمان بالله واليوم الأخر.
(ماتوعدون) أي البعث، و(الدِّين) المقصود به هُنا الجزاء والحساب

** وكَوْنُ الرب جلّ وعلا يقسمُ بأربعٍ من مخلوقاته فهذا شرفٌ لمن أقسم الله بها وفي نفس الوقت دلالةٌ على أهمية القضية ولذلك جعل الله الإيمان باليوم الآخر أمراً يترتب عليه الكفر والإيمان.

أما القَسَم المنفردُ فنتحدّثُ عنهُ في المرة القادمة إن قدّر اللهُ اللقاء والبقاء ..


وللحديث بقية بإذن الله ..
" غداً بإذن الله "

أخوكم المحب / الثغر المبتسم