تابع الجزء الحادي عشر ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~جيم~
" أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسولُ الله "
مازالت تتردد في ذهني منذ أن نطقتها ، وسعادةٌ وأمل انتاباني منذ أن هداني الله لهذا الطريق .. فالحمد لله ..
تعلمت الكثير من الأمور ، قد تبدو لبعضكم قليلة ، لكنها بالنسبة لي العديد والعديد من الأفعال والأقوال ، تعلمتها في فترة قصيرة ..
اضطررت لتغيير نمط حياتي بأكمله ، وتضمّن يومي الكثير من الأعمال الأخرى التي تخص الدين ..لا أستطيع وصف مشاعري تجاه كوني مسلماً .!! أشعر أنني على هدفٍ ، فإن عشت بقية حياتي فبراحة ، وإن متُّ في أي لحظة ، سأموت على عقيدةٍ ومنهجٍ وشريعة .. أليس هذا وحده رائعاً ؟؟
أحمل الكثير من الاعتزاز والجميل لأحمد ، الذي أوصلني الله به إلى الهداية والصواب .. ومازلت أحمل جميلاً لشخصٍ آخر .. هو من فتح عقلي وتفكيري ، وأصاب مشاعري لأوّل مرة ، فبات يشغل جزءاً من تفكيري ومشاعرَ أخرى لا أفهمها .. لكن مشكلة هذا الشخص أنه عنيدٌ وغامض ، رغم ظني بأنني أفهمه ، لكن اتضح لي العكس .. كيف ستكون ردة فعل ذلك الشخص على إسلامي إن علم ؟! .. أتوق فعلاً لمعرفة ذلك .. وبما أنني الآن قد انضممت لركبها ، فلن أتركها لأنني أعلم أنها لن تفارق تفكيري خصوصاً بعد أن أسلمت .. سأحدّثها أو أجدها ، فأنا مصرٌّ على رأيي .. وإن لم تتقبل هذه المرّة فسأنهي الأمر ولن أعود لهذه المحاولات .. إنها فرصتي الأخيرة !
لقد بدأت أتحدث بتأنيث الكلام ، إذن ، انكشف هذا الشخص لمخيلتي ! نعم .. إنها حبيبة ..
صحيح .. متى سأخبر إدوارد ؟ ! لا يجب أن أتعجل الأمور .. عاجلاً أو آجلاً سيعرف ..
مرت ثلاث أيام ، بدت كأنها أول ثلاث أيامٍ بحياتي .. خصّصتُ غرفةً خاصةً بالشركة للصلاة .. وتخلّصتُ من جميع المحرمات سواء بمنزلي أو بالشركة .. وأوّلها زجاجات الخمر تلك ، التي اعتبرتها قيّمةً يوماً ،، سبحان الله ! أرى حياتي الماضية وكأنّها ذكرى مشوّشة ، تبَدّدت ، فتحسرت لأني لم أ تعرف الحقيقة منذ زمن .. لكن الحمد لله ، لقد تحوّلتُ لإنسانٍ جديدٍ الآن ، ذا همّةٍ عاليةٍ وروحٍ نقيةٍ طاهرة ، ونفسٍ مرتاحة ..
استرخيت على فراشي بعد أن أدّيتُ الصلاة ..، أتقلّبُ مع تقلُّبِ الأفكار في رأسي ، ........كنبذةٍ عن بدايتي الجديدة ، حفظت بعض الآيات القصيرة ، وكم كان ذلك عسيراً ، فالقرآن باللغة العربية ، مما جعلني أحمل همّ معرفة القرآن ، لكن أحمد العزيز ، أهداني كتيبات وكتبا كثيرة ، مما يسّرعليّ المهمّة ، وخفّفَ من الثقل الذي حملته .. كان أول ما تعلمته هو الصلاة ، لتكوين علاقتي بالله ، ولأنها أساس الإسلام كما تعلّمت .. فأقرأ ما حفظته بها ، وعلى كلّ حال ، مازلت في البداية ،، إنني لا أستطيع النوم هذه الأيام من كثرة المشاعر المزدوجة والأفكار العديدة والحياة الجديدة ..
سمعتُ رنين هاتفي ، فالتقطته مجيباً :
" مرحباً ..؟ "
" أهلاً جيم .. أين أنت ؟؟ كيف حالك ؟ "
" أهلاً أهلاً إدوارد عزيزي .. أنا في المنزل .. كيف حالك أنت ؟ "
" أقصد أين أنت منذ زمن ؟؟ أتعلم ، لقد اشتقت للعمل معك .. "
" لا تلومنّ إلا نفسك .. لقد كنت هنا منذ البداية ، أنت من نسيتني "
" آه منك يا جيم .. !!! طبعاً لم أنسك ، إني منشغلٌ جداً هذه الأيام ، وخمّن ماذا ؟ "
قلت بحيرة :
" ماذا ؟ "
" إنني في طريقي لفتح عيادةٍ خاصة .. "
فرحت للخبر وقلت :
" حقاً ؟؟ هذا رائعٌ جداً !! لقد سعدت لهذا الخبر .."
قال بحماس :
" نعم .. وسأبدأ في العمل فيها بعد انتهاء هذه الدفعة الجامعية .. وكيف عملك ..؟"
" حيقةً هناك خبرٌ سعيدٌ أيضاً حدث لي ، لكنني سأخبرك عنه لاحقاً .."
" ماذا حدث ؟ أتوق فعلاً لمعرفة هذا الأمر .."
" لقد عملت بنصيحتك إدوارد .. وستعرف النتيجة قريباً .."
" جيدٌ جداً .. أنتظرك بأي وقت .. يجب أن تأتي لزيارتي هل تفهم ؟ "
" ولماذا لا تفعل أنت ؟"
" أنت الأصغر .. "
ضحكت ، وأنهيت حديثي معه ، يا له من رجلٍ ! كردٍ لجميله هو الآخر ووقفاته معي كثيراً ، سأحاول أن أجذبه للطريق الذي سلكته ، فلديه الكثير من الطموح والهمّة ، وهو عاقلٌ أيضاً ، قد يتنبّه للحقيقة فور معرفتها .. عزمت على فعل ذلك في المستقبل القريب ... أوالبعيد ، إن شاء الله ..
قبل أن أضع الهاتف من يدي ، رفعته مرةً أخرى إلى مستوى بصري ، وتأمّلته متردداً ، هل ..؟؟ هل أجرّب الآن ؟ العجيب أنني إن سألتُ نفسي ماالهدف مما أفعل ؟ فأنا حقيقةً لا أعلم .. لكن كلُّ ما أعلمه هو أنني لا يمكنني تركها بحالها .. أظنُّ أنني .. أنني .... لا لا أظنه لهذه الدرجة .. أووه لستٌ أعلم ..!!
جذبت تلك الورقة ذات البيانات ، وضغطت أرقام الهاتف .. (هيا ردي حبيبة .. أتمنى أن تكوني بمزاجٍ جيّدٍ للحديث.. لكن بمَ أنوي أن أحدّثها ؟؟ .. سأحدّثها عن إسلامي بالطبع ، و...)
" عفواً .. "
سمعت صوتاً ، بدا غريباً ، فقلت بتساؤل :
" حبيبة ؟ "
" أهي صاحبة هذا الهاتف ؟؟ من أنت يا سيد ؟ "
قلت بتردد وعجب :
" أيمكنني التحدث مع حبيبة ؟ "
قالت المرأة :
" أأنت قريبها ؟ .. حسناً اسمع يا سيد .. هنا مشفى (الخط الأحمر ) ، صاحبةُ هذا الهاتف مصابةٌ في حادث ، واتصالك مهمٌ بالنسبة إلينا .. لقد احتفظنا بهاتفها الذي كان معها ، منتظرين اتصالاً كهذا منذ مدّة لنأخذ معلومات ٍ عن صاحبة الهاتف .. سيدي هل أنت معي ؟؟ ماذا تكون لها ؟ "
حقيقةً لم أكن أسمع حديثها بالكامل ، بل استوعبت موجزه فقط ! لقد أصابتني شبه صدمة !! حبيبة مصابة ؟؟ بحادث ؟؟ ماذا حدث ؟؟ وكيف ؟
قلت بتلعثم :
" وأين أجدها .. أقصد المشفى ؟ "
أعطتني العنوان ، وطلبت مني الحضور بأسرع وقت ، حقيقةً لم أكن أحتاج لتوصيةٍ بذلك ، فحتى الآن لم أستوعِبِ الأمر ..
توجهت لذلك المشفى وأنا أدعو الله أن تكون على مايرام وأن تخرج من هذا الحادث سالمةً معافاة ، وأن يوفقني للوصول لما أريد ..
ِِِِِِِِِِ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
حبيبة ..
خرجت ذلك اليوم من الجامعة وأنا مشتتة الذهن ، اتصلت بي حنان ذلك الصباح ، لقد كانت تحدّثني من المكان الذي ترقد به أمي طريحة المرض .. ! حاولَتْ طمأنتي ، لكنني أعلم أن أمي تحت خطر المرض ، وأنهم يحاولون إبعاد القلق عني ، لكن في الحقيقة ، لا أحد منهم يتصوّر مدى القلق الذي يغمرني من رأسي إلى أخمص قدمي ّ ، إنني خائفة .. جداً خائفة .. تذكّرتُ تلك العبارة التي قلتها لجيم ذات مرة .. " الشيء المخيف هو حوادث القدر ومفاجآته " ، وما أبلغها من عبارة .. فكل المخاوف لا تساوي شيئاً أمام ما قد يغيّره القدر في حياتك فجأةً وبلحظة ..
خرجت من الجامعة ، إنه اليوم الأخير .. أنهيت اختباراتي ، بقي فقط ثلاث أيامٍ فارغة ، لن أفعل بها شيئاً سوى انتظار يوم التخرُّج واستلام الشهادات ..
واليوم بالذات ، كنت مشوّشة الذهن جداً ، كان أدائي سيئاً بآخر امتحان ، خرجت وأنا مصابةٌ بدوّارٍ وهبوطٍ شديد في ضغط الدم ، إضافةً لأعصابٍ منهارة .. كنت أعبُرُ الطريق لأركب سيارتي ، ولم ألحظ تلك الشاحنة التي قطعت المسافة بيني وبين السيارة ، أسرعت بالالتفات والتراجع ، لكنها اصطدمت بذراعي وقدمي ورأسي ، وشعرتُ بآلامٍ شديدة قاسية حين وقعت أرضاً إثرَ الحادث.. وبعدها ، غابت الدنيا من حولي ، وأظلمت السماء ولم أعد أرى أو أعي شيئاً من حولي ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الجزء الثاني عشر ..
~جيم~
"مصابةٌ في حادثٍ وقع هذا الصباح ..أين يمكنني إيجادها ؟ "
قادتني إحدى الممرضات إلى قسمٍ خاص ، وبدأت بالبحث ، إلى أن رأيت إحداهنّ تقترب مني قائلةً :
" أأنت من اتصلت قبل قليل على هاتف الآنسة المصابة ؟ "
قلت :
" نعم إنه أنا .. كيف هي ؟؟ "
قالت :
" اصحبني من فضلك .."
صحبْتُها من جديد إلى قسمٍ آخر ، إلى أن أوصلتني لأحد الأطباء .. الذي خاطبني :
" ما صلتك بالمريضة ؟ "
" إنني مجرد صديق .."
قال :
" إنها لم تُفِقْ بعد .. لقد ارتطمت بها شاحنة هذا الصباح أمام جامعة (...) ، وفقدت الوعي مع إصاباتٍ بسيطة ، إلا أن ذراعها كُسِر ، وقد أصيبت بخدوش في عظام قدمها .. إضافةً إلى جروحٍ بسيطة .. "
يا إلهي !! كلُّ هذا يا حبيبة ..؟؟ كيف تعرضِّتِ لمثل هذا الحادث ؟؟ لكن الحمد لله ، فبالنسبة لشاحنة ، هذا أقلُّ شيء ، والإصاباتٌ بسيطة بالنسبة لحادث كهذا ..
قال الطبيب :
" تحتاج لبعض المعلومات منك ، ألست قريبها ؟ "
قلت :
" كلاّ .."
" وماذا تعرف عنها ؟ "
" اسمها حبيبة .. وتدرس في جامعة (..) للدراسات الأحيائية .. وهي عربية .."
" أتعرف أيّاً من أقاربها ؟؟ نحتاج لوالدتها أو والدها .. أليسوا هنا ؟ "
" لا ، إنها وحيدةٌ هنا .. من الجيد أن وجدتم أحداً يعرفها هنا .. "
" حسناً ، أتودُّ رؤيتها ؟ "
ترددت .. قلت :
" لا أدري .. ربما حين تستفيق .."
قالت الممرضة :
" سيدي لا يمكننا السماح لك برؤيتها قبل أن تثبت علاقتك بها .. إلا لو استفاقت .."
قال الطبيب :
" نعم صحيح .. يمكنك العودة غداً .."
قلت :
"حسناً .. شكراً لكم .. هذا رقمي سأتركه هنا .."
وتركت رقمي ، وهممت بمغادرة المشفى ، وحين وصلت لبوابتها ، سمعت صوتاً ينادي :
" يا سيّد .. يا سيّد جيم .."
التفتت لأرى الممرضة وقد لحقت بي ، قالت :
" لقد أفاقت المريضة .. و ... إن كنت تودُّ رؤيتها .. "
تردَّدْتُ ، لكنني صعدتُ مرةً أخرى للقسم ذاته ... وصحبتني الممرضة للغرفة التي بها حبيبة .. قالت لي :
" يمكنك الدخول لرؤيتها ، فقد استفاقت للتوّ .."
ناولتني هاتف حبيبة لأعطيها إياه ..
وقفْتُ عند الباب أفكّر .. هل ما أفعله صحيح ؟؟ .. إنه وقتٌ لردّ جميلها .. أودُّ تقديم يد العون لها .. أود الاقتراب منها ..
طرقْتُ الباب طرقاتٍ خفيفة ، وقلبي يخفق بسرعة .. الآن سأراها للمرة الثانية .. الفتاة التي غيّرت الكثير بحياتي ، من دون أن تعلم .. والتي تركَتِ الأثر الكبير بنفسي ..
ذكرتُ اسم الله في نفسي ، عسى أن يهديني ويحسن عاقبتي ، إلى أن سمعتها تقول :
" انتظر ...."
ربما أرادت وضع حجابها أو شيئاً مماثل .. يا لقومي أنا ، فالممرضة قالتها لي بكل بساطة : يمكنك الدخول .. ! ولم تحسب حساباً لحالة المريضة بالداخل ..
سمعتها تقول ثانيةً :
" تفضّل .."
قلت "بسم الله .." وأنا أفتح الباب ، وأدلف للغرفة ، وأنا أقول :
" السلام عليكم .."
لمحْتُ أَمَاراتِ الدهشة والاستنكار والتعجب كلها على وجهها ، لكنني خفضت بصري ولأول مرةٍ منذ أن التقيتُها ، وقلت :
" أتمنى أن تسمحي لي .. "
كانت ترتدي حجابها ، وتجلس على ذلك السرير الأبيض ، ويدها مجبّسة .. قالت بصوتٍ خافت :
" وعليكم ... السلام .."
تعجّبتُ حين قالت لي :
" تفضّلْ ..."
جلستُ على إحدى كراسي الغرفة البعيدة ، وقلت بتردد وارتباك :
" كيف حالكِ ؟ "
قالت بهدوء :
" الحمد لله .. "
قلت مجدداً:
" ماذا حصل لكِ ؟ كيف أصبتِ بهذا الحادث ؟ "
قالت :
" كيف جئت إلى هنا سيّد جيم ؟ "
ابتسمت قائلاً :
" لقد اتصلتُ على هاتفك ، فإذا بالمشفى يجيبني ، ويطلبون مني الحضور .."
قالت:
" شكراً لك .. يمكنك الرحيل الآن .. لقد أتفقت والحمد لله ، سأتولى الأمور .."
قلت بإصرار :
" لا .. هناك شيءٌ ، بل أشياء أريدك بها ، وكما أنني أودّ تقديم المساعدة لكِ حبيبة .. يكفي ما فعلته المرّة الماضية "
صمتَتْ قليلاً ثم قالت :
" أنا آسفة بشأن تلك المرّة .. لكنك تعلم أنني لا أستطيع المماطلة في مثل هذه الأمور .. وكانت لدي بعض الظروف التي دعتني للانفعال .. "
قلت :
" لا بأس .. لكن هل يعني هذا أنك ستستمعين إليّ ؟ "
قالت بخفوت :
" لِمَ كنت تود محادثتي ؟ "
قلت وقد زال التوتر قليلاً من الأجواء :
" لقد كنت أودُّ استشارتك بأمرٍ ما .. لكن بعد ردة فعلك السابقة ، أقدمت على الأمر بدون استشارة .. "
تابعْتُ :
" لقد هداني الله ُ بكِ وبإنسانٍ صالحٍ عرفته ، للإسلام يا حبيبة .. إنني مسلمٌ الآن .."
ورفعْتُ بصري إليها لوهلةٍ ،
قالت بدهشة :
" حــ .... حقـــاً ؟؟ "
ما إن أنهت جملتها حتى تأوّهَتْ فجأةً بشدة ، وهي تُمسك رأسها ، فوعيتُ الأمر ... كيف لم أقدّر ظروفها؟ ، وأنها استفاقت للتوّ من بعد تلك الحادثة ، قلت :
" هل أنت بخير ؟؟ أنا آسف ، لم يكن هذا الوقت المناسب للحديث ..يجب أن أتركك ترتاحين الآن.."
قالت بعد أن تركِتْ رأسها :
" لا بأس .. يسعدني سماع ذلك حقاً .. الحمد لله أن هداك إلى الحقّ .. نفع الله بك الإسلام سيّد جيم .. "
قالت متابعة :
" لم أتوقّع أن يترك حديثي أثراً ، لكن .. الحمد لله .. وجزى الله ذلك الإنسان الصالح خيراً .. "
قلتُ :
" الحمد لله .. شكراً لكِ حبيبة .. "
استنكرَتْ :
" لا يجب أن تشكرني .. فلا شكر على واجبٍ "
ابتسمْتُ وقلت :
" حسناً ، أه تفضّلي هذا هاتفك ِ .."
ناولتُها الهاتف ، أطلقَتْ شهقةً صغيرة لا شعورياً حين رأت الهاتف ، وإذ بعلامات القلق التي لم أعرف لها معنىً ترتسم على مُحيّاها ، ، أسرعَتْ تلتقطه وتتفحصه ، أهي خائفةٌ عليه إلى هذه الدرجة ؟؟
قلت :
" لا تقلقي ، لقد كانوا يحتفظون به ، ولم يعبث أحدٌ به .."
قالت متداركة :
" لا .. إنني أنتظر محادثةً هامّة .. فلديّ بعض الظروف المستعصية .."
لم تكن توضّح كلامها ابداً ، إنها ليست من النوع الذي يُظهر مشاعره .. قلت :
" ألها دخلٌ في الحادث ..؟ .. تلك الظروف؟؟ "
قالت :
" نعم .."
قالتها كمن يودُّ انهاء الحديث ، لكنني تابعتُ معانداً :
" إذن كيف قدّمتِ امتحاناتك ؟ "
قالت :
" جيد .."
وضعت الهاتف بجانبها والتزمِتِ الصمت ..
فقمت أنا قائلاً :
" شكراً لك على وقتكِ .. وكل ما أردته هو الاطمئنان ، وإخبارك بتلك الأمور .. وأتمنى أن تمضي ظروفكِ على خير .. "
قالت :
" شكراً لك .. "
قلت :
" لا شكر على واجب .. حفظكِ الله "
"السلام عليكم "
قلت :
"وعليكم السلام .. أراكِ على خير "
غادرتُ وأنا أشعر براحةٍ تفوق الوصف .. لقد رأيتها وحدّثتها ، واعتذرَتْ لي .. لقد تبقّت خطوةٌ واحدة .. سأقوم بها بعد مدةٍ قصيرة ، وأسأل الله أن يوفقني ويُحسن عاقبتي ، فهي خطوةٌ مصيرية .. لكنني أثق بحبيبة ، وأعلم أنني لن أجد أفضل منها أو أقرب ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~ حبيبة ~
"أراكِ على خير " ؟؟؟؟؟؟
ماذا يقصد بهذه العبارة ؟؟؟
لا تتمادى يا سيّد .. هييه!! لقد أسلمْتَ الآن ..!!!!
حقيقةً لم أستوعب الأمر .. أحقاً أسلم ... ؟؟ يا الله .. علمْتُ كم كنت مخطأةً تلك المرة التي انفجرت بها في وجهه ، لكن الحمد لله ، مازال الخير موجوداً بالأمة ورجالها وشبابها ، والإسلام ينتصر يوما بعد يوم .. حقاً سعدتُ جداً بهذا الخبر .. لكنه ليس غريباً جداً على جيم ، لأنني منذ أن رأيته سابقاً ، كنت أشعر أنه عاقلٌ حتى ومع بعض التهوُّر ..لكنه يستطيع التمييز بين الحقّ والباطل إن علم بالأمور بشكلٍ جيّد ..
كم هذا رائع !!
رنّ هاتفي .. فأسرعت أجيبه ، إنه رقم خالتي :
" السلام عليكم .."
كدت أصرخ من السعادة ، بل كدت أقفز على قدمي المصابة ، حين سمعت صوتها الدافىء الحنون يجيبني .. أمي .. لا اصدّق ...!!!! قلت بصوت أشبه بالصراخ :
" أمــــــــي؟!! "
ضَحِكَتْ بصوتٍ خافت جداً .. صوتها يبدو مرهقاً لأبعد الحدود .. قالت :
" كيف حالكِ حبيبتي ؟ "
قلت وقد انهمرت دموعي التي لم أستطع منعها :
" أنا بخير يا أمي .. كيف أنتِ ؟ لقد كدت أموتُ قلقاً وخوفاً .. "
قالت مُطَمْئِنةً :
" أنا بخيرٍ يا حبيبة ؟ لِمَ الخوف والقلق ؟؟ كيف امتحاناتك وهل انتهيت ؟ "
ابتسمْتُ ، مازالت مصرّة على إخفاء الأمر والطمأنة فقط !! قلت :
" لقد انتهيت اليوم والحمد لله .. بقي ثلاثة أيام ٍعلى موعد استلام الشهادة والتخرّج .. وبعدها سآتي على أوّلِ طائرةٍ بإذن الله .."
قالت فَرِحَةً :
" حقاً ؟؟؟؟؟ الحمد لله .. كم أتوق لرؤيتك قبل أن تغدر بي الأيام ..لا تتأخري عزيزتي سأكون بانتظارك "
"لا تقولي هذا أمي .. سيكون كل شيءٍ على مايرام بإذن الله . . "
"بإذن الله عزيزتي .. تذكرْتُ .. صديقتك حنان كانت عندي من لحظات وهي تبعث إليك بالسلام .. إنها فتاةٌ رائعة .. أنتظركِ لنحضر زفافها سوياً .."
قلت :
" بالتأكيد .. "
وحاورتها وأنا لا أصدق أنها أفاقت من غيبوبتها تلك !! الحمد لله .. الحمد لله .. هذه نعمةٌ كبيرةٌ من الله .. وهذه هي الحياة ، متفاوتةٌ بين الأخبار السعيدة والأحداث الحزينة .. بالطبع لم أذكر أمراً عن الحادث الذي وقع لي ، وإلا لكانت والدتي الآن في غيبوبةٍ مرةً أخرى .. عافاها الله .. ... لكن هذا يدلُّ على تطوّرٍ كبيرٍ وتحسن في صحتها .. فالحمد لله
الآن ، ارتاح بالي ، ويمكنني العودة لمنزلي وترك هذا المشفى بهدوءٍ واطمئنان ..
والله أعلم ، هل يخبّىء القدرُ المزيد ؟؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~



المفضلات