السلام عليكم..
شو الأخبار ... عساكم بخير
اليوم يايبتلكم قصة أدرفت الدموع قصة ذات عبرة لمن اعتبر أسال اللهالعافية واللهم اجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه -آمين-
هكذا بدئت القصة:
لم أكن تجاوزت الثلاثين حين أنجبتزوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة ..
بقيت إلى آخر الليل مع
الشّلة في إحدى الاستراحات ..
كانت سهرة مليئة بالكلامالفارغ .. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة ...
كنت أنا الذي أتولىفي الغالب إضحاكهم .. وغيبة الناس .. وهم يضحكون ..
أذكر ليلتهاأنّي أضحكتهم كثيراً..
كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ..
بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذيأسخر منه ..
أجل كنت أسخر من هذا وذاك .. لم يسلم أحد منّي حتىأصحابي ..
صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني ...
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر
وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول .. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق ..
عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة ..
وجدت زوجتي في انتظاري .. كانت في حالة يرثى لها ..
قالت بصوت متهدج : راشد .. أين كنتَ ؟
قلت ساخراً : فيالمريخ .. عند أصحابي بالطبع ..
كان الإعياء ظاهراً عليها .. قالتوالعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً .. الظاهر أن موعد
ولادتي صار وشيكا ..
سقطت دمعة صامته على خدها ..
أحسست أنّي أهملت زوجتي ..
كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي .. خاصة أنّها في شهرهاالتاسع ..
حملتها إلى المستشفى بسرعة ..
دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال ..
كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر .. تعسرت ولادتها .. فانتظرت طويلاً حتى تعبت .. فذهبت إلى البيت ..
وتركترقم هاتفي عندهم ليبشروني ..
بعد ساعة .. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدومسالم ..
ذهبت إلى المستشفى فوراً ..
أول ما رأوني أسأل عنغرفتها ..
طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي ..
صرختُ بهم : أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم ..
قالوا .. أولاً .. راجع الطبيبة ..
دخلت على الطبيبة .. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار ..
ثم قالت : ولدك به تشوه شديدفي عينيه ويبدوا أنه
فاقد البصر !!
خفضت رأسي .. وأنا أدافع عبراتي .. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى .. الذي دفعته في السوق وأضحكت
عليه الناس ..
سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً .. لا أدري ماذا أقول .. ثم تذكرت زوجتي وولدي ..
فشكرت الطبيبة على لطفها .. ومضيت لأرىزوجتي ..
لم تحزن زوجتي .. كانت مؤمنة بقضاء الله .. راضية .. طالمانصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس ..
كانت تردد دائماً .. لا تغتبالناس ..
خرجنا من المستشفى .. وخرج سالم معنا ..
فيالحقيقة .. لم أكن أهتم به كثيراً..
اعتبرته غير موجود في المنزل ..
حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها ..
كانت زوجتيتهتم به كثيراً .. وتحبّه كثيراً ..
أما أنا فلم أكن أكرهه .. لكني لمأستطع أن أحبّه !
كبر سالم .. بدأ يحبو .. كانت حبوته غريبة ..
قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي .. فاكتشفنا أنّه أعرج ..
أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر ..
أنجبت زوجتي بعده عمروخالداً ..
مرّت السنوات .. وكبر سالم .. وكبر أخواه ..
كنت لا أحب الجلوس في البيت .. دائماً مع أصحابي ..
فيالحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي..
كانت تدعو لي دائماً بالهداية .. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة ...
لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته ..
كبر سالم .. وكبُر معه همي ..
لم أمانع حين طلبت زوجتيتسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين ..
لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر ..
في يوم جمعة ..
استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً..
ما يزال الوقت مبكراًبالنسبة لي .. كنت مدعواً إلى وليمة ..
لبست وتعطّرت وهممت بالخروج ..
مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر سالم .. كان يبكي بحرقة !
إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً .. عشر سنوات مضت .. لم ألتفت إليه ..
حاولت أن أتجاهله .. فلمأحتمل .. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة ..
التفت .. ثماقتربت منه .. قلت : سالم ! لماذا تبكي ؟!
حين سمع صوتي توقّف عنالبكاء .. فلما شعر بقربي ..
بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما بِه يا ترى؟!
اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني !!
وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ؟!
تبعته .. كان قد دخل غرفته ..
رفض أن يخبرني فيالبداية سبب بكائه ..
حاولت التلطف معه ..
بدأسالم يبين سبب بكائه .. وأنا أستمع إليه وأنتفض ...
تدري ما السبب !!
تأخّر عليه أخوه عمر .. الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ..
ولأنها صلاة جمعة .. خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل ...
نادى عمر .. ونادى والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكى .. أخذتأنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه
المكفوفتين ..
لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه ..
وضعت يدي علىفمه .. وقلت : لذلك بكيت يا سالم !!..
قال : نعم ..
نسيت أصحابي .. ونسيت الوليمة .. وقلت :
سالم لاتحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ ..
قال : أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..
قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك ..
دهش سالم .. لم يصدّق .. ظنّ أنّي أسخر منه .. استعبر ثم بكى ..
مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده ..
أردت أنأوصله بالسيّارة .. رفض قائلاً : المسجد قريب .. أريد أن أخطو إلى المسجد .. - إيوالله قال لي
ذلك - ..
لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيهاالمسجد ..
لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف .. والنّدمعلى ما فرّطته طوال السنوات الماضية ..
كان المسجد مليئاًبالمصلّين .. إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل ..
استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي .. بل في الحقيقة أنا صليتبجانبه ..
بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً ..
استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمى ؟
كدت أنأتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره .. ناولته المصحف ...
طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف..
أخذت أقلب الصفحات تارة .. وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها ..
أخذ مني المصحف .. ثم وضعه أمامه .. وبدأ في قراءة السورة .. وعيناه مغمضتان ..
يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة !!
خجلت من نفسي.. أمسكت مصحفاً ..
أحسستبرعشة في أوصالي.. قرأت .. وقرأت..
دعوت الله أن يغفر ليويهديني ..
لم أستطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال ..
كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم .. فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ..
لمأشعر إلاّ بيد صغيرة تتلمس وجهي .. ثم تمسح عنّي دموعي ..
إنهسالم !! ضممته إلى صدري ..
نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لستأنت الأعمى .. بل أنا الأعمى .. حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى
النار ..
عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم ..
لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..
من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد ..
هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد..
ذقت طعم الإيمان معهم ..
عرفت منهم أشياء ألهتنيعنها الدنيا ..
لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر ..
ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر ..
رطّبت لسانيبالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس ..
أحسست أنّيأكثر قرباً من أسرتي ..
اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطلمن عيون زوجتي ..
الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم ..
من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها ..
حمدت اللهكثيراً على نعمه ..
ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهواإلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة ..
تردّدت في الذهاب.. استخرتالله .. واستشرت زوجتي ..
توقعت أنها سترفض ... لكن حدث العكس !
فرحت كثيراً .. بل شجّعتني ..فلقد كانت تراني في السابق أسافردون استشارتها فسقاً وفجوراً ..
توجهت إلى سالم .. أخبرته أنيمسافر .. ضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً ..
تغيّبت عن البيتثلاثة أشهر ونصف ..
كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت ليالفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي .. اشتقت إليهم كثيراً .. آآآه كم
اشتقت إلى سالم !!
تمنّيت سماع صوته .. هو الوحيدالذي لم يحدّثني منذ سافرت ..
إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجدساعة اتصالي بهم ..
كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحكفرحاً وبشراً ..
إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتهاالمتوقّعة .. تغيّر صوتها ..
قلت لها : أبلغي سلامي لسالم .. فقالت : إن شاء الله .. وسكتت ..
أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب ..
تمنّيت أن يفتح لي سالم ..
لكن فوجئت بابني خالدالذي لم يتجاوز الرابعة من عمره ..
حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. بابا ..
لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت ..
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
أقبلت إليّزوجتي .. كان وجهها متغيراً .. كأنها تتصنع الفرح ..
تأمّلتهاجيداً .. ثم سألتها : ما بكِ؟
قالت : لا شيء ..
فجأة تذكّرت سالماً .. فقلت .. أين سالم ؟
خفضترأسها .. لم تجب .. سقطت دمعات حارة على خديها ...
صرخت بها .. سالم .. أين سالم ..؟
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد .. يقولبلغته :
بابا .. ثالم لاح الجنّة .. عند الله..
لم تتحمل زوجتيالموقف .. أجهشت بالبكاء .. كادت أن تسقط على الأرض .. فخرجت من الغرفة ..
عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..
فأخذته زوجتي إلى المستشفى ..
فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه .. حتى فارقت روحه جسده ..
وهكذاانتهت
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملتفاهتف ...... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال،وتقطعت الحبال، نادي ...... يا الله
المفضلات