بريطانيا تغري اليهود في أوربا إلى ترك مجتمعاتهم التي يعيشون فيها والهجرة إلى فلسطين وسهلت إقامتهم، لاستخدامهم أداة لتمزيق وحدة العرب والمسلمين، والحقيقة أنه
لم يحدث في تاريخ الدول أن قامت دولة بالطريقة الشاذة المصطنعة التي قامت بها إسرائيل مستندة إلى اتقافات دولية بين المنظمات الصهيونية والدول الاستعمارية الكبرى .
في بداية هذا القرن كان الناس في فلسطين يعيشون في أمان واطمئنان في ظل الحكم العثماني، غافلين عما يحاك في الظلام, حيث تدبر القوى الأوربية المؤامرات لاقتلاع أهل فلسطين, مستغلة ضعف الدولة العثمانية للتدخل في شئون البلاد وتقيم اتصالات مباشرة مع
العدد القليل من اليهود في فلسطين وتبادر بريطانيا في إقامة قنصلية لها في القدس عام
1842م , و
يتلقى القنصل البريطاني تعليمات من حكومته بضرورة حماية اليهود وتشجيعهم على الإقامة، وكان اليهود يدخلون فلسطين بأعداد قليلة عن طريق التحايل على القوانين العثمانيةكالتجنس بجنسيات مختلفة.
البدايات الأولى لإقامة إسرائيل نجدها في الطموحات الاستعمارية البريطانية في القرن
19 ، ففي أعقاب حملة نابليون على مصر عام
1839م ,شعرت بريطانيا بأن من الضروري أن تكون فلسطين تابعة لها نظرًا لموقعها الاستراتيجي الهام على الطريق إلى الهند ومستعمراتها الأخرى في آسيا.
في النصف الثاني من القرن
19 ومن أجل تحقيق مطامعها الاستعمارية اختارت بريطانيا تسخير اليهود للقيام بمهمة إنشاء كيان سياسي تابع لها في فلسطين، فعملت على إيجاد اتجاه سياسي لدى اليهود الأوربيين بديل لفكرة الدمج ( الدمج : وهي فكرة تذويب اليهود في مجتمعاتهم الأوربية هي الفكرة السائدة والمقبولة في ذلك الوقت، حيث إنها جاءت متمشية مع شعار المساواة الذي نادت به الثورة الفرنسية )، فتمخض عن ذلك ولادة ما يسمى بالحركة الصهيونية وهي الأداة الاستعمارية التي تولت مهمة تحويل أنظار اليهود الأوربيين من فكرة الاندماج إلى فكرة تجميع اليهود في فلسطين، وقد جاءت
التطورات في أوربا مواتية لدفع اليهود في التمشي مع مخططات بريطانيا.
من هذه التطورات :
* في روسيا قام عدد من اليهود باغتيال القيصر أليكساندر الثاني عام
1881 م , وأصبحت روسيا تكن عداءً شديداً لهم.
*في فرنسا تفجرت قضية درايفاس عام
1894 م
,الذي كان ضابطاً يهوديًا في الجيش الفرنسي واتهم بالتجسس لحساب ألمانيا وحكم عليه بالسجن، إلا أن اليهود تمكنوا من إطلاق سراحه من خلال حملة منظمة ساهمت فيها الصحافة, كانت هذه من أول القضايا التي استخدم فيها اليهود الصحافة كوسيلة لإرهاب الحكومات وتزييف الحقائق.
*في روسيا في عهد القيصر نيقول الثاني ينتشر البؤس والقهر في أوساط الطبقة العاملة التي تنذر انتفاضتها بقرب قدوم الثورة الشيوعية.
*ويبرز في هذه الفترة تيودور هرتزل الصحفي اليهودي النمساوي الذي كان متمسكًا بيهوديته وبفكرة الدمج ولكنه تحول أخيرًا إلى الفكرة الصهيونية وأصبح أول رئيس للحركة الصهيونية وأصدر كتاب الدولة اليهودية ونظم أول مؤتمر صهيوني في بال بسويسرا عام 1897.
ذهب هرتزل إلى استانبول خلال عامي
1901 مو
1902 م عارضًا على السلطان عبد الحميد الثاني أن يسدد اليهود جميع الدولة العثمانية مقابل تسمية فلسطين وطنًا لهم, فقال له السلطان -رحمه الله- :
"لو كنت أعلم أنك جئت اليوم تطلب مني ما رفضت إجابتك إليه من قبل لما سمحت لك بالدخول علي، واعلم يا هرتزل أن فلسطين جزء من أرض الإسلام، وأرض الإسلام لا تباع بالذهب والدراهم ولقد حصلنا على كل شبر منها ببذل دماء أجدادنا ولن نفرط بشبر منها قبل أن نبذلك كل دمائنا دفاعًا عنه".
في إنجلترا في عام
1903 م ,وافق وزير المستعمرات البريطاني على طلب هرتزل بتخصيص
أوغندة مكانًا لإقامة دولة يهودية، ولكن المنظمة الصهيونية تراجعت عن هذا الطلب بعد وفاة هرتزل.
بدأ اليهود بالوصول إلى فلسطين منذ عام
1840 م بمساعدة بريطانيا، وجاءت أول موجة للهجرة عام 1882.
كما قام أثرياء اليهود الإنجليز بتمويل إقامة مستعمرات زراعية في فلسطين.
في عام
1910 أنشأ اليهود أول مستعمرات زراعية، و
لم تكن لهذه المستعمرات الزراعية أي قيمة اقتصادية لكن الحركة الصهيونية
كانت تريد من اليهود الاشتغال بالزراعة لربطهم بالأرض.
وبحلول عام
1914 كان هناك أربع عشرة مستعمرة زراعية يهودية.
وخلال الحرب العالمية الأولى كان الأسطول البريطاني بأمس الحاجة إلى ما يعزز كافته ضد الأسطول الألماني المتفوق فقدم رئيس المؤتمر اليهودي وعالم الكيمياء حييم وايزمان للإنجليز نوعاً جديداً من المتفجرات وسيلعب وايزمان دورًا حاسمًا في صدور وعد بيلفور.
وجاء الوعد في رسالة موجهة من اللورد بيلفور وزير خارجية بريطانيا إلى أحد زعماء اليهود بتاريخ الثاني من تشرين الثاني عام 1917 جاء فيها: " إن حكومة بريطانيا تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتسهيل بلوغ هذا الهدف".
وبعد شهر من صدور ذلك الوعد احتلت القوات البريطانيا فلسطين في شهر كانون أول عام 1917 وبعد حصار طويل تمكن الجنرال الإنجليزي ألنري من احتلال مدينة القدس بعد التغلب على القوات العثمانية التي استبسلت في الدفاع عن المدينة المقدسة، وبهذا بدأ عهد مظلم من الاحتلال البريطاني انتهى بإقامة إسرائيل.
و
استغلت القوات البريطانية دورها كقوة انتداب، وأخذت تعمل على تنفيذ وعد بيلفور، كان أول عمل قامت به بريطانيا
بعد أن آلت إليها الولاية على فلسطين هو فتح أبوابها للهجرة اليهوديةوراحت بريطانيا واليهود يصادرون أراضي
الفلسطينيين ويقيمون عليها المدن والمستعمرات اليهودية ( المستعمرة هي عبارة عن : مدينة فوق الأرض وأخرى تحت الأرض ويتم بناء المستعمرات على نمط عسكري وكل مجموعة منها تؤلف مع بعضها منظومة دفاعية والمستعمرات مزودة بأجهزة إنذار وأبراج مراقبة حتى تكون نقاطًا دفاعيًة حصينة. )، وقد تصرفت بريطانيا بفلسطين نتيجة وعد بيلفور وكأنها
جزء من أراضيها ورفضت الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، وسهلت لليهود إنشاء التنظيمات الإدارية التي تجعل
منهم مجتمعًا منظمًا متماسكًا له قيادة سياسية وإدارية مستقلة عن إدارة حكومة الانتداب.
و
عندما قام اللورد بيلفور بافتتاح أول جامعة يهودية في القدس كان أهل فلسطين قد بدأوا يتحسسون الخطر الداهم
الذي يتهددهم، وكانت مظاهر سخطهم على الإنجليز بادية للعيان.
وقد استمات الفلسطينيون في الدفاع عن بلادهم، ورغم إجراءات الإنجليز القمعية تواصلت الثورة، وكان المطلب الأول للفلسطينيين في
ثورة عام 36 ( التي استشهد فيها ألفا فلسطيني وقتل مائتا جندي بريطاني وثلاثمائة مستوطن يهودي وتحت ضغط الثورة اضطر اليهود إلى مغادرة القدس تحت حماية الجنود الإنجليز ) وقف الهجرة اليهودية إلى بلادهم والتي بلغت أوجها في الثلاثينيات نتيجة الاتفاقية المعروفة بين الحركة الصهيونية وحكومة ألمانيا النازية، والتي سمح بموجبها ليهود ألمانيا بالهجرة إلى فلسطين وأخذ ممتلكاتهم معهم فارتفع عدد المهاجرين اليهود إلى 61 ألفًا عام 35
ونحجت الثورة في خفض العدد إلى عشرة آلاف مهاجر عام 37.
اليهود يصلون إلى فلسطين تحت جنح الظلام، ف
منذ بداية الحرب العالمية الثانية بدأ اليهود باتباع استراتيجية ثلاثية تقوم على الهجرة السرية والإرهاب واستغلال الولايات المتحدة - القوة الصاعدة الكبرى- وبالفعل فقد عملت الحركة الصهيونية على نقل آلاف اليهود من أوربا وإدخالهم سرًا إلى فلسطين، وذلك عدا عن عشرات الآلاف من اليهود والذين سمحت لهم سلطات الانتداب البريطاني بدخول البلاد علنًا.
و
كانت بريطانيا تتلاعب في مسألة الهجرة اليهودية بحيث تتغاضى عن المهاجرين وتسمح لهم بالدخول سراً في بعض الأحيان وتمنعهم من ذلك في أحيان أخرى إذا انكشف أمر قدومهم.
وأفضل مثال على هذا التلاعب سفينة الركاب أكسودوس الخروج التي أبحرت من فرنسا إلى ميناء حيفا وكان على متنها أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة يهودي.
وقد أبحرت السفينة تحت الحماية والرقابة المتواصلة للطائرات الإنجليزية، ولما وصلت السفينة ميناء حيفا، أخرت السلطات البريطانيا دخول هؤلاء إلى فلسطين بعض الوقت.
وتم إنزال المهاجرين في قبرص لفترة مؤقتة، وقد أقيمت للمهاجرين اليهود مخيمات خاصة في قبرص مجهزة بالخدمات ثم نقل هؤلاء المهاجرون اليهود أخيرًا إلى فلسطين وتقدر مصادر بريطانية أن أكثر من عشرين ألفًا من اليهود وصلوا إلى فلسطين سرًا بين عامي 1939 و 1943 وكان الموظفون البريطانيون يتعاونون مع المنظمة الصهيونية لتسهيل دخولهم البلاد.
أما استخدام الإرهاب فهو البند الثاني من الاستراتيجية الصهيونية في هذه الفترة وقد
تولت القيام بأعمال الإرهاب منظمات عسكرية كان البريطانيون قد دربوا أفرادها وسلحوهم ومن أهم هذه المنظمات الإرهابية
تبرز عصابة الأرجون وعصابة شتين .
يصل إلى فلسطين مناحم بيجن ليتولى قيادة عصابة الآرجون فتزداد الأعمال الإرهابية التي تقوم بها هذه العصابة في الأشهر التالية، ففي الثاني والعشرين من تموز عام 46 تقوم عصابة الأرجون ب
نسف فندق الملك داوود في القدس الذي
يستعمل مقرا لرئاسية الإدارة البريطانية وقد سقط مائة وأربعة قتلى في هذا الانفجار.
وتتلو هذا الحادث حوادث إرهابية أخرى مثل
الحادث الذي ارتكب في نادي جولد سميث البريطاني في القدس، وتصل أعمال الإرهاب اليهودية ضد البريطانيين أنفسهم، ذروتها بحيث ظل الإنجليز في حالة استنفار دائم.
ويستأنف اليهود أعمالهم الإرهابية فيقومون بن
سف مقر القيادة العربية في فندق سميراميس في القدس فيسقط ستة وثلاثون شهيدا ويأتي الرد العربي بعد شهر بتدمير مباني صحيفة ألستاين بوست اليهودية والهجوم بالقنابل على شارع بن يهودا في منطقة الأسواق التجارية في الحي التجاري في القدس.
في التاسع من نيسان عام 48 قام إرهابيو عصابة الأرجون وعصابة شتارن
بالهجوم على قرية دير ياسين الصغيرة في قضاء القدس حيث سقط مئتان وأربعة وخمسون شهيدا وكان الهدف ترويع العرب ودفعهم للنزوح.
وأخذ الإنجليز ينسحبون من بعض المناطق ويتركون إدارتها لليهود وسهلوا لهم السيطرة على المواقع الاستراتيجية مثل المطارات والموانئ وساعدوهم في طرد العرب من مدنهم وقراهم وخاصة من الساحل الفلسطيني.
ويتصدى المجاهدون من أهل فلسطين والبلدان العربية المجاورة لليهود والإنجليز ويتمكنون من عزل القدس عن باقي أجزاء البلاد الأمر الذي ترك اليهود محاصرين حيث حاولوا إيصال الإمدادات إلى الحي اليهودي لكن المجاهدين منعوا وصولها.
و
عندما شعرت بريطانيا بأن القوات اليهودية أصبحت في وضع مناسب قررت الانسحاب رسميا من فلسطين، وتم ذلك
المفضلات