ويبقى سؤال:

هل للمسلم أن يتمنى مثل حالهم؟

الجواب: أما من وقع في مثل جرائمهم,أو أسرف على نفسه بالمعاصي فلا شك في أن أكمل الأحوال بالنسبة إليه أن يتمنى مثل حالهم,فيوفق لتوبة نصوح,ويداوم على طاعة الله,حتى يموت على ذلك وإن اقتص منه كان أكمل لحاله ,لأن الحدود كفارات,أما من كان في عافية من التدنس بنجاسات المعاصي والكبائر,فلا يتمنى حالهم من حيث البداية,بل يسأل الله العافية في عمره كله من سائر المعاصي,فضلا عن أكبر الكبائر,فمن علامة السعادة في الدنيا والآخرة ,أن يؤثر العبد مراد الله,ويسعى لطاعته ورضاه في عمره كله فإذا آثر العبد الآخرة على الدنيا,وكان من أهل الآخرة يطلبها حثيثا,ويبذل فيها نفائس أنفاسه وزهرة حياته,كل يوم يزيده قربا وكلما زاد قربا ازداد حبا,وكلما ازداد حبا ازداد زهدا ,يومه خيرا من أمسه وغده ألإفضل من يومه,فهو دائم الفكر في الآخرة,مشغول بما يقربه ويؤدبه,ويهذبه,فإذا آراه الله مؤثرا لمراده,محبا لما يحبه ويرضاه,مبغضا لما يبغضه ويأباه,عطف عليه ربه,ورباه أفضل مما يربي الوالد الشفيق ولده الوحيد,فيصرف عنه السوء والفحشاء,كما قال تعالى في حق يوسف عليه السلام: "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ"
وييسر الله عز وجل له أسباب الهداية ويزيده هدى,كما قال تعالى : "وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى"
وقال تعالى :
"وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ"

فإذا أقبل العبد بقلبه إلى الله ورزق الإنابة,وجمع قلبه وجوارحه على الله,أقبل الله عز وجل عليه,ومن أقبل الله عليه ضاءت ساحاته,واستنارت جوانبه,وأقبلت عليه وفود الخيرات من كل جانب.
فأكمل الأحوال هي حال نبينا محمد,فقد قضى عمره كله في طاعة الله ونبهه الله على قرب أجله,وجعل علامة قرب أجله مجئ نصر الله وفتح مكة,فنزل قوله تعالى : " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا"
فلما فتح الله عليه مكة,كان أشد ما يكون اجتهاد في أمر الآخرة,فكان لا يقوم ولايقعد,إلا قال سبحان الله العظيم وبحمده,وكان يعتكف كل سنة عشرا,فاعتكف في السنة الأخيرة من عمره عشرين ليلة,وكان يعارض جبريل القرآن مرة,فعارضه في السنة الأخيرة من عمره مرتين,وحج حجة الوداع,واستشهد الناس على أنفسهم وظل يعرض بقرب أجله,حتى أتاه اليقين ولحق بالرفيق الأعلى,فأكمل أحوال المؤمن أن يكون عمره كله في عافية من المعاصي يجتهد في طاعة الله وإذا أحس بقرب أجله يزيد في اجتهاده وطاعته حتى يموت على عمل يصلح للقاء.
فنحن نرجو من الله أن يجنبنا الزلل وأن يوفقنا لصالح القول والعمل,وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين.