ظلم أبو بكر فاطمة في ميراثها!!!
قالوا: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءت فاطمة إلى أبي بكر الصديق تطلب ميراثها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعطها أبو بكر حقها.
والذين استدلوا بهذا الدليل هم الشيعة.
واختلفوا في توجيه طلب فاطمة لفدك (فدك اسم لأرض غنمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الْيهود في خيبر).
فقال بعضهم: إِن فدك إرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة.
وقَال آخرون: هي هبة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهبها فاطمة يوم خيبر.
أما على الْقول الأول- وهو أن فدك إرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالرواية الصحيحة فيها أنه بعد وفاة النبي جاءت فاطمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تطلب منه إِرثها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فدك وسهم النبي من خيبر وغيرها، فقال أبو بكر الصديق: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إنا لا نورث، ما تركناه صدقة ) [صحيح مسلم].
أو « ما تركنا صدقة» (متفق عليه).
أو ما تركنا فهو صدقة (متفق عليه).
ثلاث روايات.
هكذا أخبرَ أبو بكر فاطمة، وفي رواية عند أحمد: (إنا معشر الأنبياء لا نورث ) (مسند أحمد).
ولكن الرواية التي في الصحيحين: « إنا لا نورث ما تركناه صدقة » فوجدت -أي غضبت- فاطمة رضي الله عنها، على أبي بكر الصديق.
فإِما أنها تدعي أنه أخطأ في فهمه لقول النبي صلى الله عليه وسلم أو أنه أخطأ في سماعه، وهي استدلت بالعموم في قول الله [يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا] [النساء: 11]
وأهل السنة في هذه المسألة لا يبحثون عن عذر لأبي بكر، وإنما يبحثون عن عذر لفاطمة؛ لأنهم يرون أن أبا بكر يستدل بحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو بكر، وعثمان، وعمر، وعلي نفسه، والعباس، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، كل هؤلاء رووا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "إنا لا نورَث ما تركنا صدقة"
ففاطمة رضي الله عنها لَما ما قبلت منه هذا الكلام حاول أهل السنة أن يبحثوا عن عذر لفاطمة، لا لأبي بكر؛ لأنهم لا يرون أن أبا بكر هنا قد أخطأ في حق فاطمة.
وقالوا: غضبت على أبي بكر !!
ونقول: ما يضر أبا بكر إذا غضبت عليه فاطمة فإن كان الله تعالى قد رضي عنه، فقد قال الله في كتابه: [لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْـمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا] [الفتح: 18].
وأبو بكر كان رأس المؤمنين الذين بايعوا النبي ^ في ذلك اليوم، فمن رضي الله عنه ورضي عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يضره غضب من غضب.
وكذا نقول: لو جعل أي إنسان نفسه مكان أبي بكر وجاءته فاطمة رضي الله عنها تطالب بالميراث وهو قد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لَا نورث ». فهل يقدّم قول النبي المعصوم أو يقدم رِضَى فاطمة رضي الله عنها؟
وكذا القول بأن فاطمة وجدت على أبي بكر !!
الذي يظهر أنه من زيادات الزهري وإدراجه و ليس من أصل الرواية.
ثم نرد على هذا الدليل بالتفصيل.
أما قولهم: إنه إِرْث!!
فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّا لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ » بمعنى الذي ترَكنا هو صدقة، ولذلك جاء في بعض طرق الحديث عند مسلمٍ « مَا تَرَكْنَا فَهُو صَدَقَةٌ ».
وحرّف الْبعض هذا الحديث فقال: « مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً » فيجعلون « مَا » نافية أي لم نترك صدقة!!
وأَهل السنة يجعلون « مَا » هنا موصولة وهي الرواية الصحيحة التي في الصحيحين « مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ » بالرفع ويؤكد هذه الرواية رواية « مَا تَرَكْنَا فَهُو صَدَقَةٌ ».
فالنبي لا يورث صلوات الله وسلامه عليه، بل على الصّحيح إن الأنبياء جميعا لا يورثون.
وهم يستدلون بقول الله تبارك وتعالى عن زكريا: [يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا] [مر يم: 6-7]
قالوا هنا أثبت الوِراثة، وأثبتها مرة ثانية فقال عن سليمان:[وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْـمُبِينُ] [النمل: 16].
وتفسير هاتين الآيتين ما يأْتي:
أما الآية الأولى: وهي قول الله تبارك وتعالى: [ يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعقُوبَ] فنقول:
أولا..
إنه لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولدا حتى يرث الـمال فقطْ، فكيف نرضى هذا لنبي كريمٍ وهو زكريا أن يسأل ولدا لكي يرث مالَه؟!.
ثانيا..
المشهور أن زكريا كان فقيرا يعمل نجارا، فأي مال عند زكريا حتى يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثا، بل الأصل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنّهم لا يبقون المال، بل يتصدقون به في وجوه الخير.
ثالثا..
وهو ما يدل عليه سياق الآية وهو قول الله تبارك وتعالى: [يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ].
كم شخص في آل يعقوب؟ وأين يحيى من آل يعقوب؟
آل يعقوب هم موسى، وداود، وسليمان، ويحيى، وزكريا، وأقوامهم، بل كان كل أنبياء بني إسرائيل من آل يعقوب؛ لأن إسرائيل هو يعقوب فكيف ببقية بني إسرائيل من غير الأنبياء، إذن فكم سيكون نصيب يحيى؟
ثم إنه محجوب بالفرع الوارث، فلا شك أن قوله: [يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ] يرد على قول من يقول: إِنه أراد وِراثة المال، بل ذكر يعقوب؛ لأن يعقوب نبي وزكريا نبي فأراد أن يرث النبوة والعلم والحكمة.
رابعا..
وهو قول النّبي ^: « إِنا معاشر الأنبياء لا نورث »، أو قوله: « إنا لا نورث ما تركنا صدقة »، وجاء في الحديث « إِن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم » (أخرجه أبو داود).
وأما الآية الثانية: وهي قول الله تبارك وتعالى: [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ] فكذلك لم يرث منه الـمال، وإنّما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين اثنين:
أولا..
إِن داود قد اشتهر أنّ له مئة زوجة، وله ثلاثمئة سرية (أي: أمة)، وله كثير من الأولاد فكيف لا يرثه إلا سليمان؟ بل إخوة سليمان أيضا يرثونَ، فتخصيص سليمان بالذكر ليس بسديد إن كان معه ورثة آخرون.
فلو كان الأمر إرثا عاديا ما كان لذكره فائدة في كتاب الله، ولكان تحصيل حاصل، لأن إرث المال أمر عادي، والذي لا شك فيه أن الله أراد شيئا آخر خصه بالذكر وهو إرث النبوة.
وأما قولهم: إنها هبة وهدية من النبي ^وهبها لفاطمة يوم خيبر
فقد روى الكاشاني في « تفسيره »: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر وبعد أن أنزل الله تبارك وتعالى عليه: [وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا] [الإِسر اء: 26]. فنادى فاطمة فأعطاها فدك[ تَفسِير الصّافي].
ولنقف قليلًا هنَا :
أولًا: هذه القصة مكذوبة، ولم تنزل هذه الآية في هذا الوقت ولم يعط النبِي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها وأرضاها شيئا
بل الصحِيح أن فاطمة طلبت فدك من باب الإرث لا من باب الهبة، وفتح خيبر في أول السنة السابِعة، وزينب بِنت النبِي صلى الله عليه وسلم توفيت في الثامنة من الهجرة [سير أعلام النبلاء]
وأم كلثو م بِنت النبِي ^ توفيت في التاسعة من الهجرة[سير أعلام النبلاء]
فكيف يعطي فاطمة ويدع أم كلثوم وزينَب صلوات الله وسلامه عليه؟ فهذا اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفرق بين أولاده .
ثم إن النعمان بن بشير لما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد وهبت ابني حديقة، وأريد أن أشهدك.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَكُلَّ أَوْلَادِكَ أَعْطَيت؟ قال: لا.
فقال النبِي صلى الله عليه وسلم: اذهب فإني لا أَشهد على جور [صَحِيح مُسلِم].
فسماه جورًا وذلك أن يفضل بعض الأَولاد على بعض فهذا النبِي الكريم الذي لا يشهد على الجور، هل يفعل الجور؟!
أبدًا. بل نحن ننزه صلى الله عليه وسلم.
ثم إن كانت هبة؛ فإما أن تكون قبضتها أو لم تقبضها.
فإن كانت قبضتها فكيف جاءت تطالب بِها.
وإن لم تكن قبضتها فإن الهبة إن لم تقبض فكأنها لم تعط.
فعلى أي الأمرين سواء القول إنها إرث أو القول إنها هبة، فالقول ساقط فهِي لا إرث ولا هبة.
والعجيب في هذا الأمر أنه بعد وفاة الصديق رضي الله عنه استخلف عمر بن الخطاب، ثم عثمان، ثم استخلف علي، فلو فرضنا أن فدك لفاطمة سواء كانت إرثا أو هبة فهي تدخل في ملك فاطمة رضي الله عنها وهي ماتت بعد النبِي صلى الله عليه وسلم بِستة أشهر فإلى من تذهب فدك؟
تذهب إلى الورثة. فعلي له الربع لوجود الفرع الوارث، والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم رضي الله عنهم لهم الباقي، للذكر مثل حظ الأنثَيين
ولـما استخلف علي رضي الله عنه لم يعط فدك لأولاده، فإن كان أبو بكر ظالمًا وعمر ظالمًا وعثمان ظالما؛ لأنهم منعوا فدك أهلها فلم لا يتعدى الحكم إلى علي، لأنه منع فدك أَهلها ولم يعطها لأولاد فاطمة.
وفدك كانت بِيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلـما توفي كانت بِيد أبِي بكر، ثم عمر، وفي عهد عمر جاء العباس وعلي وطلبا منه أن تكون بيديهما فأعطاهما إياها يديرانها ثم كانت بِيد علي وظلت عنده إلى أن توفي سنة 40 هـ، ثم بيد الحسن، ثم الحسين، ثم الحسن بن الحسن، وعلي بن الحسين، ثم زيد بن الحسن [فتح الباري].
ونحن ننزه الجميع، ننزه أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم أجمعين ومن كانت فدك في يده إلى زيد بن الحسن.
فلم تكن فدك هبة ولم تكن كذلك إرثا من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا..
كيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم كل هذا الـمال، وهو الزاهد، ومما يدل على هذا أمور:
1- حديث أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: أن النبي دخل عليها وهو ساهم الوجه قالت: فحسبت ذلك من وجع، فقلت: يا رسول الله أراك ساهم الوجه أفمن وجع؟ فقال: لا، ولَكن الدنانير السبعة التي أتينا بها أمس، أمسينا ولَم ننفقها [رواه أحمد].
2- توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل ثلاثين صاعا استلفها [رواه البخاري].
فمن عنده فدك وسهم خيبر يرهن درعه مقابل عشرين صاعا؟!
ويذكرون عن فاطمة: أنها لما منعت فدك غضبت وذهبت إلى قبر أبيها تشتكي إليه!!
وهذا كذب، بل ولا يليق بفاطمة رضي الله عنها وأرضاها فإِن الله يقول عن العبد الصالح النبي الكرِيم يعقوب عليه الصلاة والسلام: [قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ] [يوسف: 86].
والمشهور أن أبا بَكر ترضاها حتى رضيت، كما أخرج هذا كثير مِن أهل العلم عن الشعبي مرسلا صحيحا (فتح الْبارِي)، والشعبي من كبار التابعين والله أعلم بحقيقة الأمر.
وَكذلك الـمشهور: أن فاطمة غسلتها أسماء بنت عميس وهي زوجة أبي بكر الصديق، فكيف تغسلها زوجة أبي بكر الصديق وأبو بَكر لا يدري بِموتها؟
والصحِح: أنها دُفنت ليلا ولم يؤذن أبو بكر فيها.
وعائشة دُفنت ليلا بل وسيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن ليلا.

رد مع اقتباس


المفضلات