خطبة الجمعة في الحرم المكي ..فضيلة الصدق وأهميتها .. لشيخنا صالح آل طالب -حفظه الله-

تكلم شيخنا عن خلَّة هي سيدة الأخلاق وجامعة الفضائل ورأس الشمائل تمدح الله بها في كتابه فقال * وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا ً *صفة الصدق ليست نفلاً ولا خيارا .. إنها فريضةٌ على المسلم وسجية للمؤمن والذي يجب أن يكون باطنه وظاهره سواء في الصدق والوضوح والطهارة والصفاء .. ومع بساطة هذه الصفة وإجماع الخلق عليها إلا أننا اليوم أحوج ما نكون إلى التواصي بالالتزام بها في خضم أزمة الأخلاق التي يعاني منها الكثير لأسبابٍ يأتي في مقدمها : ضعف الإيمان ، وضعف التربية ، والتهافت على الدنيا فالصدق محمدةٌ في الدنيا والآخرة وعلامة التقوى وسببٌ لتكفير السيئات ورفعة الدرجات ، وكل ذلك مجموعٌ في قول الله عز وجل : * وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * الصدق فضل ونبل ودربٌ مضيء ونفس سامية ، وصاحبه موفق أبداً لكل خير ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن الصدق يهدِي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " إن الصدق هادٍ لكل بر قائد لكل خير .. آخذ بصاحبه في مسالك الهدى حتى يدخله الجنة ، كيف لا وهو صادق اللهجة صادق الحال متحر للحق في كل الأقوال والأفعال ؟ إنه يصدق ويتحرى الصدق ويلتزمه ويحتاط له ويزن كلماته ويتباعد عن الخطأ ويتحرج من الزلل .. فلا تنطوي نفسه على خبيئة أو خيانة حتى يُكتب عند الله صديقا .. وأي منزلةٍ يرجوها المسلم بعد هذا ؟ إنهم رفاق الأنبياء والشهداء ...فمن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألزم ، ومن اعتصم به في حق نفسه كان في حق الله أعصم ، ومن تحرى الصدق هُدي إليه وطابت نفسه وطهرت سريرته وأضاء قلبه فهو أساس في ديننا وقد كان عنوانًا لقدوتنا وأسوتنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذي كانت حياته أفضل مثالٍ للإنسان الكامل الذي اتخذ من الصدق في القول والأمانة في المعاملة خطاً ثابتاً لا يحيد عنه قيد أنملة ، وقد كان ذلك فيه بمثابة السجية والطبع فعُرِف به حتى قبل البعثة ولُقب بالصادق الأمين واستمر هذا المبدأ الراسخ معه منذ طفولته حتى توفي صلى الله عليه وسلم لم يكذب كذبةً واحدة ، بل كان الكذب أبغض خلقٍ إليه .. قالت عائشة رضي الله عنها : " ما كان من خلقٍ أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما يزالُ في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث فيها توبة "
بعد ذلك تكلم شيخنا عن الكذب و بأنه صفةٌ دنيئة وخلق لئيم ، وقد يكون للبخيل أو الجبان ما يعذره .. لكن ليس للكذاب عذر ، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : أيكون المؤمن جباناً ؟ قال : " نعم " ، قيل : أفيكون بخيلا ؟ قال : " نعم " ، قيل : أفيكون كذابا ؟ قال : "لا" فالكذب يُنقص الإيمان، فالخرس خير من الكذب وصدق اللسان أول السعادة ، وما من شيء إذا فكرت فيه بأذهب للمروءة والجمال وأبعد بالبهاء من الرجال من الكذب .. فالكذب جماع كل شر وأصل كل ذنب وصغيره يجر إلى كبيره إنه لا تهاون في مبدأ الكذب حتى ولو كان للتسلية أو المزاح .. قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل للذِي يحدث بالحديثِ ليُضحك بهِ القوم فيكْذب .. ويل له .. ويل له " فإذا كان هذا فيما يستسهل فما ظنك بأشنع الكذب .. وهو الكذب على الله أو على رسوله ! قال الله عز وجل :*وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ...*، وقال صلى الله عليه وسلم : " من كذب علي متعمدا فلْيتبوأ مقعدهُ من النَّار " وربما يأتي الكذب من مصدر يعتقد السامع صدقه فيبني عليه مواقفه فيحصل من البلاء والضرر ما لا يعلمه إلا الله ، وربما هدمت بيوت وشتت أسر أو أريقت دماء لأجل نقل كاذب أو وشاية غادرة ، وفي الحديث :" كبُرت خيانةً أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذِب " و إنه من السيء أن يعتاد الناس على من يكذب ويبقى حاضرا مؤثرا بقلمه أو لسانه أو وسيلته الإعلامية ..إنه قد يوجد في أي مكان من يكذب .. لكن لا يجوز أن يبقى الكذب أو يعتاد على وجوده الصدق ثقافة مجتمع ومسئولية كل فرد .. " وهل يكب الناسُ في النّارِ على وجوههِم إلا حصائد ألسنتهم ".

الصدق بركة والكذب محق فرحم الله امرأً أصلح من لسانه وأبصر من عنانه ، وألزم طريق الحقِّ مِقوَدَه ، ولم يُعود الخَطَل مِفصله
وصلى الله وسلمـ على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعينــ