الدليل السادس
عن عائشه رضي الله عنها قالت : أومت وفي لفظ : أومأت امرأه من وراء ستر ؛ بيدها كتاب الي رسول الله صلي الله عليه وسلم ؛ فقبض رسول الله صلي الله عليه وسلم يده فقال : (ما ادري ايد رجل ام يد امرأه؟)قالت : بل امرأه وفي لفظ : بل يد امرأه ؛ قال
لو كنت امرأه لغيرت أظفارك) يعني بالحناء)
الرد عليه
اولا:
في اسناده مطيع بن ميمون العنبري قال في (التقريب): لين الحديث.وقال في (التهذيب) : روي عن صفيه بنت عصمه قال ابن عدي : له حديثان غير محفوظين قلت : احدهما في اختضاب النساء بالحناء والاخر في الترجل والزينه .
وفيه ايضا : صفيه بنت عصمه قال الحافظ في ( التقريب): لا تعرف.
وقد ضعفه الشيخ الالباني في ( ضعيف الجامع الصغير) (49/5) رقم (4846)
===========================================
الدليل السابع
عن سبيعه بنت الحارث انها كات تحت سعد بن خوله فتوفي عنها في حجة الوداع وكان بدريا ؛ فوضعت حملها قبل ان ينقضي اربعة اشهر وعشر من وفاته فلقيها ابو السنابل بن بعكك حين تعلت من نفاسها وقد اكتحلت واختضبت وتهيأت فقال لها : اربعي علي نفسك او نحو هذا لعلك تريدين النكاح ؟ انها اربعة اشهر وعشر من وفاة زوجك قالت : فأتيت النبي صلي الله عليه وسلم ؛ فذكرت له ما قال ابو السنابل بن بعكك فقال ( قد حللت حين وضعت ) .
تعلت : أي خرجت من نفاسها وسلمت
اربعي : ارفقي
الرد عليه
اولا : ليس في الحديث دليل علي انها كانت سافرة الوجه حين راّها ابو السنابل بل غاية ما فيه انه رأي خضاب يديها وكحل عينيها ورؤية ذلك لا يستلزم رؤية الوجه
ثانيا : قال الحافظ ابن حجر في الفوائد المستنبطه من قصه سبيعة : وفيه جواز تجمل المرأه بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها لان في رواية الزهري التي في المغازي : ( فقال : ما لي اراك تجملت للخطاب ) وفي رواية ابن اسحاق : ( فتهيأت للنكاح ؛ واختضبت ) وفي رواية معمر عن الزهر عند احمد : ( فلقيها ابو السنابل وقد اكتحلت )
ويتضح من هذا ان اظهار زينتها انما كان للخطاب وعليه ينبغي حمل هذه الروايات في الترخيص في نظر الخاطب الي المخطوبه
فعلم ابو السنابل بخضابها واكتحالها وقال لها : (ما لي اراك تجملت للخطاب ) وكان قد نظر اليها مريدا خطبتها لكنها ابت ان تنكحه .
===============================
الدليل الثامن
احتج المبيحون لكشف الوجه بنصوص وردت في الامر بغض البصر علي ان هذا يلزم ان تكون وجوه النساء مكشوفة والا فعن ماذا يغض الرجال البصر اذا كانت النساء مستورات الوجوه؟
وذلك مثل قوله تعالي :
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ان الله خبير بما يصنعون) <سورة النور:30>
وقوله صلي الله عليه وسلم
يا علي لا تتبع النظره النظره ؛ فان لك الاولى ؛وليست لك الاّخرة)
وفي حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال :
(سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة؛فأمرني أن أصرف بصري)
فاستنبطوا من الاية الاّمرة بغض البصر أن في المرأة شيئا مكشوفا ثم أثبتوا باجتهادهم ان هذا الشئ المكشوف هو الوجه والكفان ثم استشهدوا لذلك بالاحاديث التي فيها ايضا امر بغض البصر .
الرد عليه
ان هذا الامر بغض البصر امر من الله سبحانه وتعالي وامر من رسول الله صلي الله عليه وسلم يقضي بوجوب التزامه طاعة لله عز وجل ولرسوله صلي الله عليه وسلم اما كونه يقضي بأن هناك شيئا مكشوفا للاجانب من المرأة المسلمة هو الوجه والكفان فهذا قول غير صحيح يرده النقل والعقل ويأباه الواقع وبان ذلك من وجوه :
الوجه الاول :
أن المدينة المنورة في زمن التنزيل كان فيها نساء اليهود والسبايا والاماء ونحوهن وربما بقي النساء غير المسلمات في المجتمع الاسلامي سافرات كاشفات الوجوه فأمروا بغض البصر عنهن.
وغاية ما في الامر بغض البصر امكان وقوع النظر علي الاجنبيات وهذا لا يستلزم جواز كشف الوجوه والايدي امام الاجانب .
قال البخاري رحمه الله تعالي :
قال سعيد بن ابي الحسن للحسن: ان نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال : اصرف بصرك عنهن ؛ يقول الله عز وجل ( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ) قال قتادة : عما لا يحل لهم . (صحيح البخاري)
واذا كانت المرأة
غير مسلمة او مسلمة اجترأت علي هتك اوامر الله وتعمدت كشف زينتها وهذا ما عمت به البلوي في زماننا فالواجب هنا علي الاقل أن يؤمر الرجل بغض البصر مع العلم بأن هذا لا يقتضي أن ما فعلته هذه المرأه من كشف زينتها تجيزه الشريعة بغير عذر او مصلحة.
الوجه الثاني:
ان الله تبارك وتعالي امر بغض البصر لان المرأة وان تحفظت غاية التحفظ وبالغت في الاستتار عن الناس فلابد ان يبدو بعض اطرافها في بعض الاحيان كما هو معلوم بالمشاهدة من اللاتي يبالغن في التحجب والتستر فلهذا امر الرجال بغض البصر عما يبدو منهن في بعض الاحوال.
وهذا الامر بالغض لا يستلزم انها تكشف ذلك عمدا وقصدا فكم من امرأة تحرك الريح ثيابها او تقع فيسقط الخمار عن وجهها من غير قصد منها فيراها بعض الناس علي تلك الحال .
ومن هنا قال تعالي (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها ) ولم يقل (الا ما أظهرنه) لان (اظهر) فيه معني التعمد بخلاف (ظهر) اي من غير قصد منها فهذا معفو عنه
الوجه الثالث:
عن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه اذن لأزواج النبي صلي الله عليه وسلم في الحج في اخر حجة حجها وبعث معهن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
قال : فكان عثمان ينادي : ألا لا يدنوا اليهن احد ؛ ولا ينظر اليهن احد وهن في الهوادج علي الابل فاذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب وكان عثمان وعبد الرحمن بذنب الشعب فلم يصعد اليهن احد .(اخرجه ابن سعد في الطبقات الكبري)
ومن المقطوع ان امهات المؤمنين كن يحتجبن بالاجماع حجابا شاملا جميع البدن بغير استثناء ومع هذا قال عثمان رضي الله عنه ( ولا ينظر اليهن احد )
يعني الي شخوصهن لا الي وجوههن لانها بالاجماع
ومع ذلك نهي عن النظر الي شخوصهن تعظيما لحرمتهن .
ويستفاد من هذا ان من حفظ حرمة المؤمنه المحجبة غض البصر عنها حتي وان لبست النقاب .
الوجه الرابع:
انه قد تعرض للمرأة المحجبه ضرورات بل حاجات تدعوها الي كشف وجهها ويرخص لها في ذلك مثل نظر القاضي الي المرأة عند الشهادة والنظر الي المرأة المشتبه فيها عند تحقيق الجرائم ونظر الطبيب المعالج الي المرأة بشروطه والنظر الي المراد خطبتها وهذا كله يكون بقدر الحاجة فقط لا يجوز له ان يتعداها فان دعته نفسه الي الزياده عن قدر الحاجه فهو مأمور بغض البصر عنها والله اعلم
الوجه الخامس:
ان اعتبار امر الله تعالي المؤمنين بغض الابصار دليلا علي ان وجوه المسلمات كانت مكشوفة للاجانب مجرد وهم وظن بدليل ترتيب ايات الحجاب حسب نزولها وذلك لان الامر بالحجاب الكامل
انما نزلت في سورة الاحزاب في السنة الخامسة من الهجرة النبويه وشاع الحجاب بعدها في المجتمع المسلم بعد نزولها وقبل الامر بغض البصر الذي نزل في سورة النور التي نزلت في السنة السادسه من الهجره
ومما يدل علي ذلك ايضا قول ام المؤمنين عائشه رضي الله عنها في قصة الافك :
(بينما انا جالسه في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأي سواد انسان نائم فأتاني فعرفني حين راّني وكان يراني قبل الحجاب ؛ فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ؛ فخمرت وفي رواية :فسترت وجهي بجلبابي )
فهذا الحديث يؤكد ان الامر بغض البصر الوارد في سورة النور متأخر عن الامر بالحجاب الذي ورد في سورة الاحزاب التي نزلت في السنه الخامسة ثم جاء الامر بغض البصر في السنه السادسه من الهجره
الوجه السادس
ان الامر بغض البصر مطلق فيشمل كل ما ينبغي ان يغض البصر عنه قال تعالي
قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم) ولم يتبين الذي نغض منه البصر فدل علي ان هذا الامر مطلق فيشمل كل ما ينبغي غض البصر عنه سواء أكان عن المسلمة المحجبه او الاماء المسلمات السافرات او عن نساء اهل الكتاب او السبايا اللائي لا يتحجبن .
ومما ينبغي ان نلتفت اليه ان من مقاصد الامر بغض البصر :ان لا ينظر الرجل الي عورة الرجل وكذلك الا تنظر المرأة الي عورة المرأة
================================
الدليل التاسع
قول بعضهم
ان الدين يسر ) واباحة كشف الوجه والكفين مصلحة تقتضيها مشقة التزام الحجاب في عصرنا .
الرد عليه
اولا :ادلة القران والسنة في التيسير و رفع الحرج في الدين :
اولا ادلة القراّن
قال الله تعالي(وما جعل عليكم في الدين من حرج ) <الحج:78>
وقال سبحانه:
والله يريد ان يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما * يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا ) <النساء:27-28>
وقال عز وجل
: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) <البقرة:185>
وقال جل وعلا
لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) < البقرة :286>
ادلة السنه القوليه :
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (
ان هذا الدين يسر ؛ ولن يشاد الدين أحد الا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا ) <رواه البخاري (116/1)
وعن أبي موسي الاشعري رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم ومعاذا الي اليمن فقال : ( ادعوا الناس وبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا ) < رواه البخاري>
ادلة سنته الفعليه صلي الله عليه وسلم:
(ما خيّّّّّّر رسول الله صلي الله عليه وسلم بين امرين قط الا اخد ايسرهما ؛ ما لم يكن اثما فان كان اثما كان ابعد الناس منه)
والحاصل : ان الشارع لا يقصد ابدا اعنات المكلفين او تكليفهم ما لا تطيقه انفسهم فكل ما ثبت انه تكليف من الله للعباد فهو داخل في مقدورهم وطاقتهم.
ثانيا :
اما دعوي ان اباحة السفور مصلحة معتبره لمشقة التزام الحجاب خصوصا في البلاد التي شاع فيها التبرج والانحلال وحتي لا يرمي الاسلام بالتشدد والمسلمون بالتطرف :
فنبين فيما يلي ان شاء الله ضوابط المصلحة الشرعيه وعلاقة التكليف بالمشقه .
ضوابط المصلحة الشرعيه
اولا:
اندراجها في مقاصد الشرع وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال فكل ما يحفظ هذه الاصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الاصول او بعضها فهو مفسده
ثانيا : عدم معارضتها للقراّن الكريم وذلك لان معرفة مقاصد الشريعة والادلة كلها راجعة الي الكتاب فلو عارضت المصلحة كتاب الله فهي باطلة
قال جل وعلا (وأن أحكم بينهم بماّ أنزل الله ولا تتبع أهواّءهم)
ثالثا: عدم معارضتها للسنة والا اعتبرت رأيا مذموما .
رابعا: عدم معارضتها القياس الصحيح.
الخامس : عدم تفويتها مصلحة اهم منها او مساوية لها
واذا احسنا تطبيق هذه الضوابط في مسألتنا فلن نشك أن هذه المصلحة الموهومة غير معتبرة لمنافاتها هذه الضوابط.
ثالثا: فاذا كان لابد للمصلحة من ان تنضبط بكل ما ذكرنا فما معني قولهم اذن
المشقة تجلب التيسير)
( المشقة تجلب التيسير )
فمعناها ان المشقة التي يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح للتخفيف فيه بوجه ما .
لكن ينبغي ان لا تفهم هذه القاعدة علي وجه يتناقض مع الضوابط السابقه للمصلحة فلابد للتخفيف ان لا يكون مخالفا لكتاب الله ولا سنه ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
كالصلاة مثلا شرعت اركانها واحكامها الاساسية وشرع جانبها احكام ميسرة عند لحوق المشقة كالجمع والقصر والصلاة جلوس وكالصوم شرع الي جانب احكامه الاساسية رخصة الفطر بالسفر وهكذا.......
واوجب الله سبحانه وتعالي الحجاب علي المرأة ثم نهي عن النظر الي الاجنبية وارخص في كشف الوجه والنظر عند الخطبة والعلاج والتقاضي والاشهاد.
ومعلوم انه لا يجوز الاستزادة في التخفيف علي ما ورد به النص كأن يقال : ان مشقة الحرب بالنسبة للجنود تقتضي وضع الصلاة عنهم او تأخيرها الي القضاء فيما بعد
او ان مشقة الحجاب في بعض المجتمعات تقتضي ان يباح للمرأة التبرج مثلا بدعوي عموم البلوي به .
===========================
الدليل العاشر
قول بعضهم ان كشف الوجه من الرفق بالنساء بقوله صلي الله عليه وسلم ( استوصوا بالنساء خيرا)
< رواه البخاري (9 /160-161)>
وقوله صلي الله عليه وسلم (رفقا بالقوارير)
<رواه البخاري في كتاب الأدب >
الرد عليه
وجواب ذلك ان وصيته صلي الله عليه وسلم بالنساء خيرا حق لا ريب فيه ولكن السؤال : هل السفور من الخير الذي اوصي به النبي صلي الله عليه وسلم؟؟؟؟؟
ان النصوص الوارده في الوصية بالنساء خيرا في جملتها تأتي بحسن العشرة والزامهن بالخير لهن في امري الدين والدنيا بأسلوب الرفق وحسن الخلق وما الي ذلك .
فالحق الذي يصح به اتباع وصيته صلي الله عليه وسلم هو اتباع هديه القائم بنفسه وفي اهله وبناته ونساء المؤمنين من الاقوال والافعال ومن خالف ذلك فانه لم يعمل بوصيته صلي الله عليه وسلم .
اما قوله صلي الله عليه وسلم
رفقا بالقوارير) فهو يعني امهات المؤمنين ومن خالطهن من نساء الصحابة رضي الله عنهم وعنهن
ويؤخد من وصفه صلي الله عليه وسلم النساء بالقوارير ان ذلك كقوله صلي الله عليه وسلم
(فان استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج؛وان ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها ) <رواية مسلم عن ابي هريرة (شرح النووي (57/10).>
والمقصود ان من اراد تقويم الزجاجة كسرها ومن هذا الوجه جاءت وصيته صلي الله عليه وسلم خيرا وباستعمال الرفق بهن في كل امر يطلب منهن الاستقامة عليه وهذا من اهداف حسن العشرة.
ومعلوم ان غالب النساء ضعيفات بالخير قويات بالشر والفتنه فالرجل قائم علي المرأة مسؤول عنها بالمعني الكامل في جميع اوجه الخير والزامها بلوازم الاسلام وما يجب لها وعليها من ايصال النفع ودفع الشر.
=========================
المفضلات