الموضوعـ الخامس و الأربعــــــــون : فن الاستماع ..
يقول الشيخـ ::::مهارات جذب الناس وكسب قلوبهــــمـ ..
بعضها يكون بفعل الشــــيء ..
وبعضها يكون بتركه ..فالابتسامة تجذب ..
كما أن ترك العبوس يجذبــــهم ..
والأحاديث الجميلة والنكات واللطائف تجذب الناس ..
كما أن الاستماع إليـــــهم والتفاعل مع أحاديثهم ..
يجذبهم .. فما رأيك أن أتكلم معك هنا عن : الهدووووء الجــــــذاب !!
نعم .. بعض الناس لا يتكلم كثيراً .. ولا تكاد تسمع صوته في المجالس والمتجمعات ..
بل لو راقبته في جلسة أو نزهة .. لرأيته لا يتحرك منه إلا رأسه وعيناه ..
نعم قد يتحركـــــ فمه أحياناً بالتبســـــــم .. لا بالكـــــــلام !!
ومع ذلك يحبه النــــــاس .. ويأنسون بمجالستـــــــــــه ..
تـــــــــدري لمـــــــاذا ؟!
لأنه يمارس الهدووووء الجذااااب ..
فن الاستماع له مهـــارات متعــددة ..
بل حدثني أحد المهتمين أنه حضر أكثر من خمس عشرة ..
دورة تدريبية في مهارات الاستماع ..
قارن بين اثنين :
رجل إذا تكلمــــت بين يديه بقصة وقعت لكـــــ ..
قاطعكـــــ في أولــــها .. وقال : وأنا أيضاً وقــــع لي شيء مشابه ..
فتقول : له اصبـــر حتى أكمــــل ..
فيسكت قليلاً .. فإذا انسجمـــــت في قصتكــــ ..
قاطعك قائلاً : صحيح .. صحيح .. نفس القصة التي وقعت لي ..
وهو أنني ذات مرة ذهبت ..
فتقول له : أخي انتظر .. فيسكت ..
ثم ما يصبر فيقاطعك قائلاً : عجل .. عجل .. هذا الأول .. الثاني ..
كان وأنت تتحدث معه أو معهــــم .. يتلفت يميــــــناً ويســــاراً ..
وقد يخرج جهاز هاتفه من جيبه .. ويكتب رســــالة أو يقرأ شيئاً مـــــن الرســـائل ..
أو من يدري لعله يلعب بالألعـــــاب الالكتــــرونية الموجودة فيـــــه !!
أما الثالث .. فيملك مهارات الاستماع .. تجد أنك تتحدث وقد ركز عينيه برفق ينظر إليك ..
وتشعر بمتابعته .. فهو تارة يهز رأسه موافقاً .. وتارة يتبســــــم ..
وتارة يضمّ شفتيه متعجباً .. وربما ردد : عجيب .. سبحـــــــــان الله ..
أي هؤلاء ستكون راغباً دائماً في مجالسته .. وتفرح بزيارتــــــــه ..
وتنبلج أساريرك في الحديث معه ..؟ .. لا أشك أنه الأخيــــــــر ..
إذن جذب قلوب الناس .. لا يكون فقط بإسماعهم ما يحبون ..
بل وبالاستماع منهم لما يحبون ..
أذكر أن أحد الدعاة البارزين ممن أوتي منطقاً ولساناً ..
كان يتنقل متحدثاً دائماً ..
ما بين منبر جمعة .. وكرسي فتوى .. ومحاضرة في جامعة ..
فهو دائماً يتكلم .. ويتكلم .. ويتكلم ..
وكان الناس يرونه على المنابر والقنوات الفضائية ..
ويحبونه ويرغبون في استماع حديثه .. إلا زوجته .. فهو معها في البيت دائماً ..
ولا يكاد يستمع منها حديثاً أو قصة .. بل على عادته يتكلـــم .. ويتكلــم ..
كانت كثيرة التذمر منه دون أن ينتبه إلى سبــــب ذلكــ ..
كان كل الناس يكرمونه ويمدحــــونه إلا هي ..
فقرر أن يصطحبها معه يوماً إلى إحدى محاضراته لترى ما لم تر ..
قال لها يوماً : ترافقيني ؟
قالت : إلى أين ؟ قال : محاضرة لأحد الدعاة .. نستفيد منها ..
ركبت معه في سيارته .. مشيا .. وقفا عند المسجد ..
كانت الجماهير غفيرة .. كلهم جاؤوا يستمعون إلى هذا المحاضر الفذ ..
دخلت هي إلى قسم النساء .. ودخل هو وسط جمهرة الناس ..
واعتلى الكرسي وبدأ محاضرته ..كان الناس ينصتون معجبين ..
حتى زوجته يبدو أنها كانت معجبة ..! انتهت المحاضرة ..
خرج إلى سيارته وسط نشوة النجاح .. وأقبلت زوجته وركبت السيارة بجانبه ..
.لم يدع لها فرصة .. بدأ يتكلم فوراً عن زحمة الناس .. وجمال المسجد ..
و .. ثم سألها : ما رأيك في المحاضــــرة ؟
فقالت : كانت جميلة ومؤثرة ..ولكن من المحاضــــر ؟
قال : عجباً لم تعرفي صوته .. قالت : مع زحمة الناس ..
وضعف سماعات الصوت لم أنتبه كثيراً ..فقال .. منتشياً .. : أنا .. أنا المحاضــــر ..
فقالت : آآآ .. وأنا أقول في نفسي طوال جلوسي : ما أكثر كلامــــه ..
إذن .. الاستمــــاع إلى الناس فن ومهـــــارة ..
بعض الناس ينسى أن الله جعـــل لك فماً واحداً وأذنين .. ليستمع أكثر مما تكلم ..
وأظنه لو استطاع لقلب المعادلة .. من شدة محبتــــــه للحديث ..
فعود نفسك على الإنصات .. حتى لو كان لك على الكلام ملاحظـــة ..
في أوائل بعثة النبي صلى الله عليه وسلمـ .. كان عدد المسلمين قليلاً ..
وكان الكفار يكذبونه ونفرون الناس عنه ..
ويشيعون أنه صلى الله عليه وسلمـ كاهن وكذاب ..
وربما أشاعوا أنه مجنون أو ساحر ..
في يوم من الأيام قدم إلى مكة رجل اسمه ضماد ..
وهو حكيم له علم بالطب والعلاج .. يعالج المجنون والمسحور ..
فلما خالط الناس سمع سفهاء الكفار ..
يقولون عن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ : جاء المجنون ورأينا المجنون ..
فقال ضماد : أين هذا الرجل ؟ لعل الله أن يشفيه على يدي ؟
فدله الناس على رسول الله .. صلى الله عليه وسلمـ فلما لقيه ..
قال ضماد : يا محمد .. إني أرقى من هذه الرياح ..
وإن الله يشفي على يدي من شاء ..
فهلم أعالجك .. وجعل يتكلم عن علاجه وقدراته ..
والنبيـ صلى الله عليه وسلمـ ينصت إليه .. وذاك يتكلم ..
والنبيـ صلى الله عليه وسلمـ ينصت ..
أتدري ينصت إلى ماذا ؟ ينصت إلى كلام رجل كافر ..
جاء ليعالجه من مرض الجنون !!
آآآه ما أحكمه صلى الله عليه وسلمـ ..
حتى إذا انتهى ضماد من كلامــه ..
قال صلى الله عليه وسلمـ بكل هدوووء : إن الحمد لله ..
نحمده ونستعينه .. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..
فانتفض ضماد وقـــــال : أعد علي كلماتكـ هؤلاء ..
فأعادها صلى الله عليه وسلمـ عليــــه ..
فقال ضماد : والله لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ،
فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات .. فلقد بلغن ناعوس البحر ..
فهلم يدك أبايعك على الإسلام ..
فبسط النبي صلى الله عليه وسلمـ يده ..
وأخذ ضماد يخلع ثوب الكفـــــر ..
ويردد : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
فعلم صلى الله عليه وسلمـ أن له عند قومه شرفاً ..
فقال له : وعلى قومكــ ؟ أي تدعوهم إلى الإسلام ؟
فقال ضماد : وعلى قومي .. ثم ذهب إلى قومه هادياً داعيــــاً ..
إذن لتكون مستمعاً ماهراً ..أنصت .. هز رأسك متابعــــاً ..
تفاعل بتعابير وجهك كتقطيب الجبين حيناً .. ورفع الحاجبين حيناً آخـــــر ..
والتبســــم .. وتحريك الشفتين بتعجـــــب ..
وانظر إلى أثر ذلك فيمن يتكلم معك .. سواء كان صغيـــــراً أو كبيــــراً ..
ستجد أنه يركز نظره عليكــ .. ويقبل بقلبــــه إليكــ ..

:: نتيجة ::
براعتنا في الاستماع إلى الآخرين .. تجعلهم بارعين في محبتنا والاستئناس بنا ..