السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ... و بعد ...
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: اتفق السالكون إلى الله أن النفس قاطعة بين القلوب وبين الوصول إلى الرب طريقًا،
ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها، فالناس على قسمين
:
- قسم ظفرت به نفسه، فأهلكته.
- قسم ظفروا بنفوسهم، فصارت منقادة لأوامرهم.

وقد وصف سبحانه النفس في القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، والأمارة بالسوء، واللوامة.

1- النفس المطمئنة:

هي التي سكنت إلى الله، واطمأنت بذكره، واشتاقت إلى لقائه، وهي التي يقال لها عند الوفاة: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ

الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً
}[الفجر: 27، 28].

فإذا اطمأن من الشك إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الرياء إلى الإخلاص،

وصل إلى اليقظة التي كشفت عنه سنة الغفلة، فرأى سرعة انقضاء الدنيا، فاستقبل بقية عمره مستدركًا ما

فات، ويرى في تلك اليقظة عيوب نفسه، وعزة وقته، وهي أول منازل النفس المطمئنة التي ينشأ منها سفرها

إلى الله والدار الآخرة
.

2- النفس الأمارة بالسوء، (المفتونة بالشهوات والهوى):

هي التي تأمر صاحبها بما تهواه، وقد أخبر سبحانه أنها أمارة بالسوء في قوله تعالى: { إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ

إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي
} [يوسف: 53]، ولم يقل: (آمرةً) لكثرة ذلك منها، وأنه عادتها؛ لأنها خلقت في الأصل جاهلة

ظالمة
، وهي المذمومة، فإنها التي تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها إلا إن وفقها الله وثبتها وأعانها، فما

تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله، قال تعالى
: { وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا }

[
النور: 21].

يقول ابن القيم
: سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس، فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصب ثم تنبعث

منها إلى الأعضاء، وأول ما تنال القلب، يقول
في خطبه الحاجة: «ونعوذ بالله من شرور أنفسنا» ،


3- النفس اللوامة: (المجاهدة الصابرة):

قال تعالى: { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2].

قيل: هي كثيرة التقلب، فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتسخط.

وقد قيل: هي نفس المؤمن. قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا.

وقيل: اللوم يوم القيامة، فإن كل أحد يلوم نفسه، فإن كان مسيئًا على إساءته، وإن كان محسنًا على تقصيره.

يقول الإمام ابن القيم: وهذا كله حق.

أسأل الله أن نكون من أصحاب النفس المطمئنة فإن لم نكن منها فنكن من أصحاب النفس اللوامة
و أعوذ بالله أن نكون من أصحاب النفس الامارة بالسوء

أثابني الله و إياكم و تقبل مني و منكم و أصلح نفسي و نفسكم