الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
فهذا هو
الموضوع ( 1 )
من
الحملة التوعوية الإرشادية
والتي سيحمل عنوانا مهما
وهو
( القبر موعدنا )
أخي المسلم :
هل رأيت القبور ؟ هل رأيت ظلمتها ؟ هل رأيت وحشتها ؟ هل رأيت شدتها ؟ هل رأيت ضيقها ؟هل رأيت عمقها؟ هل رأيت هوامها وديدانها ؟
أما علمت أنها أعدت لك ولغيرك ؟ أما علمت أصحابك وأحبابك وأرحامك نقلوا من القصور إلى القبر... ومن ضياء المهود إلى ظلمة الحدود ... ومن ملاعبة الأهل و الولدان إلى مقاساة الهوام و الديدان ... ومن التنعم بالطعام و الشراب إلى التمرغ في الثرى والتراب ... و من أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ... ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل ؟ فأخذوا الموت على غرة ، وسكنوا القبور بعد حياة الترف و اللذة ، وتساووا جميعا بعد موتهم في تلك الحفرة ، نسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة .
أتيت القبور فساءلتــــــها...أين المعظم و المحتقر؟
وأين المذل بسلطـــــــانه... وأين القوي على ما قدر
تفانوا جميعا فما مخبــــــر... وماتوا جميعا ومات الخبر
فيا سائلي عن أناس مضوا...أما لك فيما مضى معتبر
تروح وتغدو بنـــات الثـــــــــــرى...فتمحو محاسن تلك الصور
هول القبور:
عن هانئ مولى عثمان قال : كان عثمان _ رضي الله عنه _ إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة و النار فلا تبكي و تبكي من هذا ؟ فقال : إن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم قال ( القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه )) ثم قال : قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ (( ما رأيت منظرا إلا و القبر أفظع منه )) { رواه أحمد و الترمذي وحسنه الألباني }
وفي حديث جابر بن عبدالله عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال ((لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد )) { رواه أحمد وحسنه الهيثمي }
أخي الكريم :
تجهز إلى الأجداث ويحك و الرمس جهازا من التقوى لطول ما حبس فإنـــك ما تدري إذا كنت مصبــحــا بأحسن ما ترجو لعلك لا تمسي
وعظ عمر بن عبد العزيز يوما أصحابه من كلامه أنه قال (( إذا مررت بهم فنادهم إن كنت مناديا ، و ادعهم إن كنت داعيا ، و مر بعسكرهم وانظر إلى تقارب منازلهم ... سل غنيهم ما بقي من غناه ، وسل فقيرا ما بقي من فقره ، و واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون ، وعن الأعين التي كانوا بها يبصرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، و الوجوه الحسنة ، والأجساد الناعمة ، ما صنع بعا الديدان تحت الأكفان ، أكلت الألسن ، وعفرت الوجوه ، ومحيت المحاسن ، وكسرت الفقار ، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء . فأين حجابهم و قبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ؟ وجمعهم و كنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات؟ أليس الليل و النهار عليهم سواء ؟أليسوا في مدلهٍِمُة ظلماء ؟ قد حيل بينهم و بين العمل ، وفارقوا الأحبة والمال و الأهل))
عظة القبور
قال عبد الحق الإشبيلي (( فينبغي لمن دخل القبر أن يتخيل أنه ميت ، و أنه قد لحق بهم ، ودخل معسكرهم ، وأنه محتاج إلى مالهم إليه محتاجون ، وراغب فيما يرغبون ، فليأت إليهم ما يحب أن يؤتى إليه ، وليتحفهم بما يحب أن يتحف به ، وليتفكر في تغير أموالهم ، وتقطع أبدانهم ، ويتفكر في أحوالهم ، وكيف صاروا بعد الأنس بهم و التسلي بحديثهم ، إلى النفار من رؤيتهم و الوحشة من مشاهدتهم ، وليتفكر أيضا في انشقاق الأرض وبعثرة القبور ، وخروج الموتى و قيامهم مرة واحدة حفاة عراة غرلا، مهطعين إلى الداعي ، مسرعين إلى المنادي ))
فتنة القبور
ماذا أعددت لأول ليلة تبيتها في قبرك ؟ أما علمت أنها ليلة شديدة ؟ بكى منها العلماء ، وشكا منها الحكماء ، وشمر لها الصالحون الأتقياء ؟
فارقت موضع مرقدي...يوما ففارقني السكون
القبـــر أولــــ ليــــلة...بـــالله قل لي مايكون؟
كان الربيع بن خثيم يتجهز لتلك الليلة ، ويروى أنه حفر في بيته حفرة ، فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيها ، و كان يمثل أنه قد مات و ندم وسأل الرجعة فيقول:
(( رب ارجعون . لعلي أعمل صالحا فيما تركت ))
ثم يجيب على نفسه فيقول : قد رجعت يا ربيع !!
فيرى فيه ذلك أياما يرى فيه العبادة و الاجتهاد و الخوف والوجل .
فيا أخوتاه : ألا تبكون من الموت و سكراته ؟؟
ويا أخوتاه: ألا تبكون من القبر وضمته ؟؟
ويا أخوتاه : ألا تبكون خوفا من النار يوم القيامه ؟؟
ويا أخوتاه : ألا تبكون خوفا من العطش يوم القيامة ؟؟
عذاب القبر ونعيمه
أخي الكريم :
ثبت في القرآن الكريم و السنة و الإجماع ، ولا ينكر ذلك إلا مكابر ومعاند، فقال تعالى (( سنعذبهم مرتين )) وقال (( وحاق بآل فرعون سوء العذاب ))
وعن أنس ين مالك _ رضي الله عنه _ قال : قال النبي _ صلى الله عليه وسلم _ (( إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع نعالهم . قال : يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟قال : فأما المؤمن قيقول : أشهد أنه عبدالله ورسوله . قال : قيقال له:انظر غلى مقعدك في النار ، قد أبدلك الله به مقعدا في الجنة .
قال النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فيراهما جميعا .
وأما المنافق و الكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل : فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس . فيقال له : لادريت و لاتليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )) { متفق عليه }
زيارة القبور
أخي الحبيب :
حث النبي _ صلى الله عليه وسلم _ على زيارة الموتى في قبورهم ، و الاعتبار بأحوالهم ،
فقال : (( زوروا القبور فإنها تذكر الموت )) و قال (( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ))
{ رواهما مسلم }
فوائد زيارتها :
1- تذكر الموت و الآخرة 2- تقصر الأمل 3- تزهد في الدنيا 4- ترقق القلوب 5- تدمع الأعين
6- تدفع الغفلة 7- تورث الخشية 8- تورث الاجتهاد في العبادة .
قال محمد بن واسع لرجل : (( ما أعجب منزلك ؟ فقال : وما يعجبك من منزلي وهو عند القبور ؟ قال : وما عليك؟ ، يكفون الأذى ويذكرون الآخرة!! ))
الأسباب الموجبة لعذاب القبر
قال ابن القيم _ رحمه الله _ (( أن أهل القبور يعذبون على جهلهم بالله ، وإضاعتهم لأمره ، وارتكابهم لمعاصيه ، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده ، فعذاب القبر يكون بمعاصي القلب ، والعين ، والأذن ، و الفم ، واللسان ، والبطن ، والفرج ، واليد ، والرجل ، والبدن كله ، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ، ومات على ذلك ، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه ، فمستقل ومستكثر ، ومصدق وكذب ))
وقد ورد الوعيد بالعذاب في القبر كثير من المعاصي و الذنوب منها :
الغيبة و النميمة ، عدم الاستبراء من البول ، الصلاة بغير طهور ، الكذب ، الزنا ، شرب الخمر ، سب الصحابة ، الموت على غير السنة ، وغيرها ....
وقال رحمه الله بعد ذكر أنواعا كثيرة من المحرمات التي يعذب بها الموتى في قبورهم: (( ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أهل القبور معذبين ، و الفائز منهم قليل ، فظواهر القبور تراب ، وبواطنها حسرات وعذاب ، ظواهرها بالتراب و الحجارة المنقوشة مبينات ، وفي بواطنها الدواهي والبليات ، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها ، وقد حيل بينها و بين أمانيها ........))
الأسباب المنجية من عذاب القبر
قال ابن القيم _ رحمه الله _ (( أن الأسباب المنجية من عذاب القبر ، هي أن يتجنب الانسان تلك الأسباب التي تقتضي عذاب القبر ، وهي جميع المعاصي والذنوب ))
وذكر أن من أنفع تلك الأسباب (( أن يحاسب المرء نفسه كل يوم على ما خسره وربحه في يومه ، ثم يجدد التوبة النصوح بينه وبين الله ، فينام على تلك التوبة ،فإن مات من ليلته مات على توبة ، وإن استيقظ استيقظ مقبلا على العمل ، مسرورا بتأخير أجله، حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته ،
ولا ينام إلا على طهارة ، ذاكرا الله عزوجل ، مستعملا الأذكار و السنن التي وردت عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ عند النوم حتى يغلبه النوم ، فمن أراد الله به خيرا وفقه لذلك ))
فاعتبروا يا أولي الأبصار
إخواني:
كم من ظالم تعدى وجار ، فما راعى الأهل و الجار ، بينا هو عقد الإصرار ، حل به الموت فحل من حلته الأزرار
(( فاعتبروا يا أولي الأبصار ))
ما صحبه سوى الكفن ، إلى بيت البلى والعفن ، لو رأيته وقد حلت به المحن ، وشين ذلك الوجه الحسن ، فلا تسأل كيف صار (( يا أولي الأبصار ))
أين مجالسه العالية؟ أين عيشته الصافية ؟ أين لذاته الخاليه ؟ كم كم تسفى على قبره سافية ؟ ذهبت الأعين وأخفيت الآثار (( فاعتبروا يا أولي الأبصار ))
تقطعت به جميع الأسباب ، وهجره القرناء والأحباب ، وصار فراشه الجندل والتراب ، وربما فتح له في اللحد باب إلى النار (( فاعتبروا يا أولي الأبصار ))
نادم بلا شك ولا خفا ، باك على ما زل وهفا ، يود أن صافي اللذات ما صفا ، وعلم أنه يبني على شفا جرف هار
(( فاعتبروا يأولي الأبصار ))
فالواجب على كل مسلم أن يستعيذ بالله تعالى من عذاب القبر ، وأن يستعد له بالأعمال الصالحة قبل أن يدخل فيه ، فإنه قد سهل عليه الأمر ما دام في الدنيا ، فإذا دخل القبر تمنى أن يؤذن له بحسنة واحدة أو يؤذن له بأن يصلي ركعتين ، أو يقول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ولو مرة واحدة ، أو أن يؤذن له بتسبيحة واحدة ، فلا يؤذن له ، فيبقى في حسرة وندامة ، ويتعجب من الأحياء كيف يضيعون أيامهم في الغفلة و البطالة .
قد كان عمرك ميلا...فأصبح الميل شبرا
وأصبح الشير عقدا...فاحفر لنفسك قبرا
نسأل الله أن يوفقنا للاستعداد ليوم الحاجة ، ولا يجعلنا من النادمين ، و أن يجعل قبورنا بعد الفراق خير منازلنا ، إنه ولي ذلك و القادر عليه
إلى اللقاء في الحملة القادمة
المفضلات