عمر .. طالب نشيط .. مجد .. مجتهد .. يملك من الأمنيات التي يود تحقيقها الكثير .. لم يمنعه كرسيه المتحرك من أن يحلم .. ويتمنى .. ولم تثنيه عن عزيمته فقدان أمه وأبيه في حادث مؤسف .. ولم ينطوي على نفسه بسبب تواجده في الميتم .
شيء وحيد يؤرقه .. ويجعل أفكاره مضطربة .. يتأوه في نفسه .. وقدميه تعجزان على تسييره لهدفه .. الذي يود تحقيقه .
حال لسانه يقول : فشلت في تحقيق حلمي ، حلمي بأن أكون الخادم الأمين لوطني .. لم أستطع أن أخدم وطني الذي أحبه .. وطني الذي أفتخر فيه .. وطني الذي لطالما كان لي مكانا فيه ..
ولكن للأسف لم يكن لي دورا فعالا فيه !!!
آه - تنهيدة قوية ينفثها عمر .. تبعثر نسمات الهواء الرقيقة التي كانت تلفه وهو شارد في تأملاته - تتبعها صرخة مدوية : ليتني أستطيع يا وطني أن أوفيك حقك ..
حاولت .. ففشلت .. ولم أستطع .. ! فسامحني يا وطني .. لأنني فعلا لا استطيع خدمتك .
ويعاود مخاطبة نفسه .. بل أنا عالة عليك يا وطني أكلفك الكثير .. ولا أرد لك شيئاً من هذا الجميل العظيم الذي كللتني به منذ نعومة أظفاري .. للأسف لا قيمة لي فيك ..
سامحوني .. حقاً أعتذر لكل من حولي بأن طموحي وأمنياتي لم أستطع تحقيقها.. والعجز يلف بي من كل مكان ..
مسكين يا عمر : كل يوم تستيقظ فيه تشعر أنه إشراقه كفاح جديد .. دفء من الصقيع .. تتمنى أن تكون كالشمس عطاء بلا حدود .. تتمنى .. و تتألم .. و تعتذر .. دون أن يسمعك أحد ..
وكالمعتاد يتعب عمر من التفكير : و يسير بكرسيه المتحرك نحو سريره .. ليلقي بجسده عليه ويريح نفسه من تفكيره .. وسيلة هروب من هواجسه هذه التي تزيده عجزا فوق عجز لا أكثر ..
ولعل الغد يكون أفضل من حال اليوم ..
المسكين أصبح عنده الليل جميلا .. لأنه يهرب فيه من هذه الدنيا .. يحس فيه بالأمان .. النجوم الوحيدة التي تحتضنه .. صفاءها جذاب .. مزيج ألوانها بشارة شموخ بلا عمد ..
ولكن هل الليل فعلاً سيريح عمر من بنات أفكاره التي تدفعه تارة الى المضي قدماً .. وتارة أخرى الى العجز المدمر ..!
فتزداد حالته سوءاً .. ينظر الى سماء الليل الصافية .. ويقول في نفسه : لماذا لا أكون كالسماء ؟
لماذا لا أكون .. تواضع و قدوة ، قول وعمل ، عزة و كرامة .. لا يكفيني الحلم .. ولا تشفيني التأملات .. ولا تحقق أحلامي التأوهات .. و لكن لا استطيع .. يقولها عمر بكل انكسار وتخاذل هذه المرة التي هي ليست كسابقاتها .. لا أستطيع !!!
و تأخذ عمر غفوة عميقة و هو يتمتم .. لماذا لا أستطيع ؟ لماذا لا أستطيع ؟
و يسمع صوتاً حانياً .. كأنه هاتف من السماء :. بل تستطيع .. بل تستطيع يا عمـر !
الهاتف : عــمر ..
لماذا لا تكون كالأرض لا تعبأ بحملها .. الخير في بطنها .. بداية النهاية .. لماذا لا تكون كالأرض مشاعر وروح .. وبداية لكل خير ..
عمـر بانكسار شديد وتعب واضح : لا أستطيع .. كيف أستطيع و أنا عاجز يائس ؟ ..
الهاتف : بل تستطيع ..
عمر بقوة وكأن روحه ردت إليه : كيف ؟؟.. كيف ؟؟ لا أستطيع ..
الهاتف : العالم كله بدأ يغير مفاهيمه ولم يعد من الممكن استبعاد مثل حالك عن العمل والإنتاج .
ولكنك لا تحتاج إلا إلى التوجيه السليم .. واستغلال قوي وكامل لطاقتك الكامنة فيك .. لخدمة نفسك أولاً .. فتصبح قوياً واثقاً بنفسك قادراً على حل مشكلاتك فبالتالي تكون على مقدرة من خدمة مجتمعك ووطنك ..
تقبل نفسك بدون الشعور بالإثم والتقليل من قيمتها .. ساعد نفسك على إعداد سليم لمستقبلك وذلك بتفوقك في دراستك و تميزك بها .. أين توكلك على الله الخالق الجبار القادر على كل شيء ؟؟
أين إرادتك في تحطيم المعوقات التي تصادفك؟
كثيرون مثلك يا عمر .. حرمهم الشلل من نعمة الأقدام السليمة .. ولكنهم نجحوا في الحياة كما لم ينجح عداءون و أصحاب أقدام رشيقة و سريعـة .. ثق بنفسك أنك تستطيع .. عليك بإدارة ذاتك فهي وسيلتك لإدارة يومك وقيادة حياتك نحو النجاح ..
فبالعلم و الإيمان .. يتحقق لك كل ذلك ..
لا تجعل هذه الهواجس الشريرة تعتمر فيك بل اطردها و اصمد في وجهها .. و ضع نصب عينيك .. أنك تستطيع خدمة وطنك .. وأن العاجز هو الذي يردد دائما لا أستطيع .. دون المثابرة والجهد القوي .. و العمل الدءوب .. والطموح الذي بلا حدود ..
فلا بُدَّ لليلِ أن ينجلي .. ولا بد للقيد أن ينكسر .. القيد الذي قيدت به نفسك بنفسك .. وتشرق شمس يوما ً جديد لتـُحي في نفوسنا أملا .. كاد بالأمس يموت .. عليك كلما أشرقت الشمـس أن تبتسم .. وتفـرح لأن الحيـاة مستمرة.. ليكن كل همك هو استمرارية الحياة حتى ولو كانت حياتك صعبة تحيط الظروف القاسية بها من كل جانب ..لشروق الشمس معـاني كثـيرة تختـلف باختلاف تفـكير الإنسان.
تختـلف باختلاف نمــط حيـاة الإنسان.. تختـلف باختلاف عمر الإنسان
ذكـرت مــنــهـا القـــلـيــل
لكن يجـب أن يعنـي لك شروق الشمـس شـيء ما
وإن أقنعت نفسك بأنك لا تستطيع .. فأنت فاشل فاشل فاشل !!
يستيقظ عمر من حلمه فزعا صارخا بأعلى صوته : بل أستطيع .. نعم أستطيع ..
قرر عمر أن يطفو فوق الآم الإعاقة .. و يصمد في وجه التيار .. و يجتهد أكثر وأكثر .. وينجح ..
شحن طاقة العقل عنده وهي الطاقة التي حينما تنجلي يكون بمقدور المرء الانتصار على العراقيل مثلما يحلو لصاحبها .. أن ينتقل من حلم إلى آخر .. و في أمل تحقق الى آخر جديد يصبو إليه ..
اختار أن يكون العزم والإصرار هما رفيقيه .. كأن قدميه ردت غليه وأصبح يقف على أرض طيبة
ويغرس فيها بذور النجاح.. فتسقيه بماء عذب .. يسهر الآن لا ليتأمل ولكن ليعمل ..
وتمضي الأيام .. والشهور .. ثم السنوات .. ويثبت عمر لنفسه أنه يستطيع ..
نجح في الثانوية بجدارة..ثم تخرج من الجامعة بامتياز..وخاض غمار الحياة معتزا بنفسه واثقاً بنفسه
بانيا وخادماً لوطنه .. يعطي دون كلل .. ويثمر دون كسل ..
ولعل أهم النجاحات في حياته نجاحه في بناء أسره.. لبنة خير في مجتمعه.. فأصبح أب لأربعة أولاد علمهم منذ نعومة أظفارهم أن لا شيء يستطيع أن بثنيهم عن خدمة وطنهم وتحقيق مرادهم ..
غرس فيهم الوفاء والانتماء لدينهم .. وهويتهم ووطنهم..
حال لسانه يردد دوماً :
بل أستطيع ..
""" قصة شاركت فيها لمسابقة القصة القصيرة في الامارات ... فاعطوني رايكم بالقصة .. . ""
و شكرااااااااااااااا
المفضلات