حتى لا تغرق السفينة بأهلها
الحمدلله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ومن بهداهم اقتفى أما بعد..
أيها الداعية:
لا أجد أحلى في اللسان، ولا أعذب على الجنان، من أن أسميك داعية، كيف لا وقد حمل اسمك الأصفياء، وقام بمهمتك الأنبياء، فاختر ماشئت من الأسماء، فلن أزيد على أنك داعية فليكن هذا شعارك ودثارك ولتردد في وجه كل معاند: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي اَدْعُو اِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ اَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا اَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف].
أيها الداعية:
إذا امتدح الملوك والأمراء من المتشاعرين والمداهنين، وإذا انصب الثناء على الملاك والأغنياء من المفترقين والمتزلفين، فيكفيك فخراً مباهاة رب الأرض والسماء بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة فصلت: 33]، وشتَّان بين مشرقِ ومغرب.
أيها الداعية:
هل سمعت كم قبر يطاف عليه ويُقصد؟؟، أم هل علمت كم غويٍ من دون الله ويُعبد؟؟، أم هل دريت كم بدعةً ذاع صيتها ولم تفنَّد؟؟، أم هل تأملت كم تائه لا يجد من إلى الحق يُرشد؟؟، وأنت مع هذا إما ساكت أو متجاهل أو متخاذل أو متردد، فبادر يارعاك الله قبل أن تغرق السفينة بأهلها فأنّى لك من منفد.
أيها الداعية:
الناس في حاجة إليك أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، فبادر إلى أولوياتك ولا تأخذ القشرة وتدع اللباب، ولله در ابن القيم حيث قال: (... وحاجتهم إلى الشريعة أعظم من حاجتهم إلى التنفس فضلا عن الطعام والشراب .. فليس الناس قط إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القيام به والدعوة إليه والصبر عليه ) [مفتاح دار السعادة].
أيها الداعية:
إذا اجتمع عليك هم الدنيا ودافعتك الوساوس، وإذا أصبت بشيء من الإحباط والتقاعس، وإن تخللك شيء من الأوهام والهواجس، فتذكر قول حبيبك صلى الله عليه وسلم: << ... فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم >> فإنه خير معين وخير آنس، فانظر كم من الأجور ستجمع، إذا دعوت ولم تترفع، وكم من عرى الإسلام ستعود، إذا أرشدت إلى الرب المعبود، لا أنا ولا أنت نعلم كم هذه الأجور فاتركها للذي لا يظلم الناس حبة ناهيك عما ستناله من رفعة ومحبة.
أيها الداعية:
بعد أن تأملت أهميتك وفضائلك وشهد عليها ربك وخالقك وسطرها نبيك وقدوتك فها قد آن الأوان لئن تشمر ساعد الجد، وتحمل اللواء ولابد، وتتهيأ لأعداء الله وتستعد، فسر فالله معك، وارفع رأسك ...... فأنت داعيــــــــــة.
همسة واعية في أذنك ... أيها الداعية !!
هذه همسات متتابعات في أذنك أيها الداعية، لتعرف فيها أهم الصفات التي يجب أن تجعلها نصب عينيك وأن تعلمها حق العلم، ثم تتبعها العمل فهيا بنا سوياً لنعرفها:
فتأمل قول عز من قائل سبحانه: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي اَدْعُو اِلَى اللَّه} أي لا أدعو إلا إليه فهو بغيتي ومقصدي وهو ملاذي ومرقدي، فكم من مفوه نمق كلاماً وأحسن بياناً، ونسي قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا} [سورة هود: 29]، وكم من خطيب وعظ ودمعه على خديه أجرى، ونسي قوله: {يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [سورة هود: 51]، أيها الداعية أحسن المسير والمقصد، وأعلم أن كل من زعم أنه يدعو إلى الهدى وهو يبحث عما يشفي عليله ويروي غليلة في حب الجاه والسمعة والرياء، والسياسة العوجاء، ومفاتن الدنيا البلهاء، فمصيره معلوم ودربه مشؤوم، ولن ينال ما يروم، بل يجب على الداعية تذكر قول حبيبه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي تركته وشركه» [رواه مسلم].
فهذه ثمة كلمات حول الإخلاص وأهميتة، فلتلتزم عتبته وليكن هذا السؤال شاغلاً ذهنك.
لمــــن العمــــل ؟؟!!!
- الحلم والأناة يا مبتغي النجاة !!!
اعلم أيها الداعية أنه ما قامت في الوجود، دعوة مفروشة بالورود، ولن تقوم في جميع الأعصار، دعوة مكللة بالأزهار، فتذكر حديث المختار << يرحم الله موسى قد أوذي أكثر من هذا فصبر >>، ولتجعل القدوات أنيساً لك في الملمات، فإن ضُيِّق عليك أو اعترتك حدة، فاعكسها بالحلم فستجد الفوز عنده، واعلم أن فتل العضلات، وتعالي الهامات، تجيده حتى الحيوانات، أما ضبط النفس بالحلم، فلا يجيده إلا علية القوم، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: << ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب >>، فقلي بربك مَن أعظم الناس بلاءً أوَ ليسوا الأنبياء؟؟، فنوح قد دعا ربه أني مظلوم فانتصر، وموسى حوصر فضرب بعصاه البحر فظفر، وإبراهيم ألقى في النار فما زاد على أن استرجع وذكر، فجعلت النار برداً من غير ضرر، وعيسى كاد أن يقتل فرفعه المولى في خير مستقر، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ابتلي فصبر وأعطى فشكر فكان أفضل البشر، { ذلِكَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } [سورة ص]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وجعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ اَئِمَّةً يَهْدُونَ بِاَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِايَاتِنَا يُوقِنُون} ) أ.هـ.
فما سلم كامل من ناقص، ومع هذا فلا تستدع الأذى عرضاً فادفعه ضرار، فإن أتاك الأذى عرضاً فادفعه بطريق الكتاب والسنة والآثار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا كره للمرء أن يتعرض للبلاء، بأن يوجب على نفسه ما لا يوجبه الشارع عليه".
المفضلات