فصل في بيان أن من قرأ القرآن بالألحان كان مستهزءاً بالقرآن !! ..
وبعد هذا التفصيل يكون التحصيل .. ولتعلم أيها القارئ الكريم أن كل من قرأ القرآن بالألحان كان مستهزءاً بكتاب الله تعالى علم بذلك أو لم يعلم !! ..
- قال الإمام مالك: (ولا تعجبني القراءة بالألحان، ولا أحبها في رمضان ولا في غيره؛ لأنه يشبه الغناء، ويُضْحَكُ بالقرآن، فيقال: فلان أقرأ من فلان)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ83ـحة] ..
- وعن عبد الرحمن المتطبب، يقول: قلت لأبي عبد الله في قراءة الألحان؟ فقال: (يا أبا الفضل، اتخذوه أغاني، اتخذوه أغاني، لا تسمع من هؤلاء)[رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر][المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - ج:2، ص:80] ..
فكانوا يرون أن هذا من فحش الأفعال وأنه بدعة محرمة حتى قال محمد بن الهيثم: (لأن أسمع الغناء أحب إلي من أن أسمع قراءة الألحان)[رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] .. لشدة إنكاره على ما يفعلون في كتاب الله، وكان يعد ذلك استهزاءاً به ..
وقد شنع الإمام القرطبي على الذين يقرؤون بالألحان، ووصف أفواهمم بالمنتنة، وسماه محدثاً وقال: (ألقاه إليهم الشيطان فقبلوه عنه، ومن حرمته ألا يقرأه بألحان الغناء كلحون أهل الفسق)[تفسير القرطبي:1/29] ..
ومعلموم أن فعل المحرم أثناء العبادة استخفاف واستهانة بها، وقد أوصله بعض العلماء إلى حد الكفر، كما في مباحثهم فيمن يصلي عامداً بغير وضوء ..
الحديث الفصل في المسألة:
وبعد هذا البيان والتفصيل لا أملك إلا أن أضع بين أيديكم الدليل الفاصل في هذه المسألة وهو ما رواه الصحابي الجليل عابس الغفاري رضي الله عنه قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بادروا بالأعمال خصالا ستا: إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وقطيعة الرحم، وبيع الحكم، واستخفافا بالدم، ونشوا يتخذون القرآن مزاميرا، يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أعلمهم، مايقدمونه إلا ليغنيهم)[السلسلة الصحيحة:979]، وفي رواية: (بادروا بالأعمال ستا: إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدم، وقطيعة الرحم، ونشوا يتخذون القرآن مزامير، يقدمون أحدهم ليغنيهم، وإن كان أقلهم فقها)[صحيح الجامع:2812]، وفي رواية: (أخاف عليكم ستا: إمارة السفهاء، وسفك الدم، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، ونشوا يتخذون القرآن مزامير، وكثرة الشرط)[صحيح الجامع:216] ..
أقوال أهل العلم المعاصرين في مسألة قراءة القرآن بمقامات الغناء وحكم تعلمها:
- سئل الشيخ العلامَّة عبد العزيز بن باز رحمه الله: ماذا يقول سماحتكم في قارئ القرآن بواسطة مقامات هي أشبه بالمقامات الغنائية بل هي مأخـوذة منها أفيدونا بذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله: (لا يجوز للمؤمن أن يقرأ القرآن بألحان الغناء وطريقة المُغنيين بل يجب أن يقرأه كما قرأه سلفنا الصالح من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، فيقرأه مُرتلاً, مُتحزناً, مُتخشعاً حتى يؤثر في القلوب التي تسمعه وحتى يتأثر هو بذلك. أما أن يقرأه على صفة المغنيين وعلى طريقتهم فهذا لا يجوز)[مجموع فتاوى ومقالات – فتوى رقم:9330] ..
- وعرض سؤال على الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين رحمه الله في تاريخ 05/04/1425هـ: سؤالي هو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالتغني عند تلاوة القرآن الكريم، وأن نحسن أصواتنا به، فأنا أريد أن أتعلم أحد المقامات الصوتية؛ كي أحسن صوتي في تلاوة القرآن الكريم، ولكن هل يمكن أن يستخدم معلمي للمقام آلة العود أو الأورغن كي يعلمني الطبقات الصوتية عن طريق السمع والترديد مع النغمة الصوتية؟ هل يجوز لي ذلك أم لا؟ وهل هنالك وسائل أخرى لتعلم المقامات في حال كان حراما؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله بقوله: جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" رواه البخاري (7527) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأمر بتحسين الصوت بالقرآن، وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صوته حسن استمع إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود"، فقال أبو موسى رضي الله عنه: "لو علمت أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيراً" رواه البخاري (5048)، ومسلم (793)، ولعل ذلك أن الصوت الحسن يكون سبباً في التأثر بسماع القرآن، وقد علم أن الأصوات ليست اكتسابية ولكنها فطرية، فالله تعالى هو الذي يعطي من يشاء ويحرم من يشاء وله في ذلك الحكمة البالغة، وليس للإنسان أن يتكلف ما لا يقدر عليه، وإنما عليه أن يحرص على تحسين صوته بقدر الاستطاعة، وإذا لم يتمكن من تغيير صوته فإنه معذور، فيقرأ قدر ما أعطاه الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
- قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله في كتابة بدع القراء:
(التلحين في القراءة، تلحين الغناء والشَّعر. وهو مسقط للعدالة, ومن أسباب رد الشهادة, قَضَاءً. وكان أول حدوث هذه البدعة في القرن الرابع على أيدي الموالي، ومن أغلظ البدع في هذا, تلكم الدعوة الإِلحادية إلى قراءة القرآن, على إيقاعات الأغاني, مصحوبة بالآلات والمزامير. قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 40, 42])، ويقول أيضا في نفس الكتاب: (وهذا يدل على أنه محذور كبير وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة رحمهم الله على النهي عنه) ..
- ووجه سؤال إلى مركز الفتوى بموقع إسلام ويب بإشراف الشيخ عبد الله الفقيه: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، هل يجوز تعلم أحد المقامات الصوتية لتحسين الصوت لقراءة القرآن الكريم على وجه حسن جميل ؟ وجزاكم الله خيرا.
فأجاب المركز: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيستحب ترتيل القرآن وتحسين الصوت به لقوله عليه الصلاة والسلام في ما يرويه عنه البراء بن عازب رضي الله عنه: زينوا القرآن بأصواتكم. رواه أبو داود والنسائي، قال القرطبي في تفسيره: وإلى هذا المعنى يرجع قوله عليه السلام: ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن. رواه مسلم أي: ليس منا من لم يحسن صوته.
ولمّا استمع النبي عليه السلام إلى قراءة أبي موسى الأشعري وأعجبته قال له: لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود، متفق عليه. وأخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه وزاد فيه: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا؛ والتحبير: التزيين والتحسين، وعلم المقامات علم مستحدث لا يمت إلى علم القراءات بصلة، بل نشأ في حاضنات المغنين والمغنيات، مضبوطاً بطابع موسيقي يمتاز به صوت معين ومرتبط بآلات اللهو والطرب، كالمقامات الأندلسية والبغدادية وغيرها، فلا يجوز تعلمها أو تعليمها، وتزيين القرآن يكون بالتزام أحكام التلاوة والتجويد، وتحسين الصوت به يكون بضبط مخارج الحروف أداء. ولا يجوز أن يطلق على ذلك مسمى مقام لبدعيته وسوء نشأته.
أما تقليد صوت مقرئ مشهور بحسنه، نطقاً وأداء، فلا مانع منه كما في الفتوى رقم: (35782) والله أعلم.
- وقد استفتي فضيلة شيخنا عثمان بن محمد الخميس على موقعه المنهج: ماهي انواع قراءة القرآن المنهي عن القراءة بها؟
فأجاب حفظه الله بقوله: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التغني بالقرآن مشروع، وفي ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: ما رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". ومنها ما رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أذن الله ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن" ومنها: ما رواه أحمد و أبو داود و النسائي و ابن ماجه و الدارمي عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "زينوا القرآن بأصواتكم" ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن ويتغنى به ويحبره، قال: "لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود" رواه البخاري و مسلم.
ولكن لا يتجاوز بالتغني بالقرآن حتى يصير كألحان الأغاني، وقد كره ذلك السلف.
قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط ونحوه، فإن خرج حتى زاد حرفاً أو أخفاه حَرُم. قال: وأما القراءة بالألحان فقد كرهها بعضهم؛ لما رأى فيها من خروج عن الخشوع والتدبر المطلوب في القرآن، والذي يتحصل من الأدلة الواردة في مسألة التغني بالقرآن، أنه على وجهين:
أحدهما: ما جاء على مقتضى الفطرة دون تكلف أو تصنع، فهذا جائز شرعًا ومرغَّب فيه، لأن الصوت الحسن أوقع في النفس من غيره، وأدعى للقبول والاستماع إليه.
الثاني: ما كان متكلَّفاً فيه، ولا يحصل إلا بالتعلم، كما يُتعلم الغناء، فهذا هو المنهي عنه شرعًا.
والناظر في أحوال السلف رضي الله عنهم يعلم قطعاً أنهم براء من القراءة بالألحان المتكلفة، ويعلم قطعاً كذلك
أما بعض أنواع القراءة الغريبة اليوم مثل ما يسمى بالترقيص ، وهو أن يروم السكت على الساكن ثم ينفر مع الحركة في عدو وهرولة.
وآخر سموه الترعيد، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد وألم، وقد يخلط بشيء من ألحان الغناء.
وآخر يسمى التطريب، وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به، فيمد في غير مواضع المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب، فيأتي بما لا تجيزه العربية، وآخر يسمى التحزين، وهو أن يترك عادته في التلاوة، ويأتي بالتلاوة على وجه آخر، كأنه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع، فهذه يجب تركها وعدم التكلف في تعلمها ويقرأ كما كان يقرأ الصحابة والسلف من غير مزيد تكلف لأنها أقرب للقلب وفيه مزيد أدب مع كتاب الله سبحانه وكلامه. والله اعلم. [الفتاوى الشرعية - الآداب والأخلاق - قراءة القران بالألحان - تاريخ الفتوى:08-09-6] ..
المفضلات