أكتب مقالي هذا بعد ما لاحظته من ابتعاد الكثيرين في بلاد المغرب العربي – ولا أبرئ نفسي- عن اللغة العربية والثقافة العربية. هذا الابتعاد، وللأسف، ليس مقتصراً على المتعلمين وحاملي الشهادات فحسب. بل يتجاوزهم ليشمل كبار السن من الأميين والكثير من الشباب القروي ممن حالت دون مواصلة تعليمهم الكثير من المصاعب والمعيقات.
ولما كان التعليم هو ركن الإقتصاد المتين ودعامة الثقافة الأرسخ، فقد تساءل الدكتور أحمد العايد، الباحث في شؤون التعليم، عن الفائدة من الإزدواجية اللغوية إذا لم تكن وسيلة لكسب العيش خاصة وأن الكثيرين-كما أسلفت- من أطفال القرى لا يكملون تعليمهم الابتدائي-في عهد الدكتور- او الثانوي-في أيامنا هذه-
ففي محاضرة ألقاها عام 1970 بعنوان:" اللغة العربية ماهي، وكيف ننهض بها؟" يقول الدكتور:
"ما الفائدة من تلميذ لُقن لغتين نخشى إذا لفظته المدرسة بسبب السن أو المستوى أن ينحدر إلى أمية جهلاء؟ أفلا يحسن لو لُقن واحدة هي إلى لغته العامية وإلى قلبه أقرب، وإلى استعمالاته أولى؟ أفلا يحسن لو لُقن واحدة حتى يسلم من تمزق الشخصية، أو من التنكر للأصالة القومية؟ أفلا يحسن أن يدرس الفرنسية لغة أجنبية لا لغة أساسية خطرها على اللسان العربي أن يمحوه أو يجعله هزيلا متعثراً تعثر المريض المتخلف؟"
وهنا، ولتنوير من يجهل واقع التعليم في المغرب العربي، أشير إلى أن الفرنسية يُبدأ في تدريسها منذ السنوات الأولى من مرحلة التعليم الإبتدائي كلغة أساسية وبالتدرج إلى المرحلة الثانوية والجامعية فإن العربية تختفي تماماً بالنسبة للإختصاصات العلمية.
لقد اجتهد الاستخراب أثناء احتلاله لبلاد المغرب العربي على توطيد وجوده وترسيخ كيانه بصورة يصعب الرجوع عنها أو إعادة النظر فيها. ودس لدينا شعوراً-قبلناه عن وعي أو عن غير وعي- بأن العربية لم تتحد بعد مع الواقع الذي نعيشه بحيث تعبر عنه بوضوح ويسر.
ومن هنا بدأ الناس في اتهام اللغة العربية بالعجز عن مواكبة التطور ومسايرة ركب الحضارة فضلا عن الجمود في التراكيب والبعد عن المألوف. وحكموا بأنها لم تعد صالحة لتلقيح اللهجة العامية كما كانت تفعل منذ قرون خلت، حين كانت العلاقة بينهما علاقة تفاعل وإثراء.
المفضلات