عمي عامل نشيط .. بسيط الهندام .. طيب السريرة .. يسكن في قريه نائية بجوار قبر جدي الراحل .. عند بيت طفولته الذي اضطر لبيعه بعد موت والده نزولا عند رغبة اخوته ووالدته ، يستيقظ كل صباح عند أذان الفجر . يصلي صلاه الفجر . ويزور قبر والده ثم ينطلق الى عمله في محجر على اطراف الوادي القريب .. ، امضي حياته يعمل بجد ودون كلل , في الايام الحارة والباردة وفي المرض والصحة وفي الليل والنهار فقط ليحقق حلمه الصغير .. ألا وهو أن يشتري تلك السيارة الجميلة التي رأها في الاعلان التجاري خلال نشرة اخبار التاسعة قبل 30 سنه ... نعم هذا هو الحلم الذي استحوذ على أفكاره وأخذ من عمرة الشيء الكثير ، والذي جعله يؤجل موضوع الزواج الى أجل غير مسمى ، حتي يجمع ثمن السيارة التي لطالما حلم بها . ولطالما عانى من شكاوى جدتي العجوز التي لا تنتهي بسبب تأجيله للزواج ، وادخاره المفرط للمال ، نحول جسده، ..وشحوب لونه ، وقلة نومه ... لا تستغربوا هذا فإن فكرة امتلاكة لتلك السيارة قد استحوذت على افكاره حتى الجنون ..
أما اليوم فهو ليس ككل الايام لان عمي وبعد جهد جهيد .. استطاع اخيرا أن يجمع ثمن السيارة .. لم يستطع أن يخفي فرحته عندما قبض راتبه من رئيسه المتجهم ،بل وبالكاد استطاع النوم ليله البارحة من فرط فرحه ، وما ان ناد المنادي لصلاه الفجر حتى انتفض من مهجعه متحمسا ذاهبا الى المسجد المجاور ليصلي صلاة الفجر .. وضع المال في محفظته القديمة ثم زج بها في جيب سترته الصوفيه.. مشط شعره الجعد .. ارتدى حذاءه المرقع .. وانطلق بسرعة الى المسجد .
كان الجو بارداً .. والطريق الترابي خالٍ من الماره .. والجو يخيم عليه السكون الشديد .. سلم الامام عن يمينه وعن شماله ، وخرج المصلون في هدوء ووقار .. حتى أن السكون في الجو لم يتغير .. ولم يكسر ذلك الصمت الرهيب الا صوت انفاس عمي المتسارعة وهو يركض خارجا من المسجد ، -وعلى وجهه ابتسامة تكاد تشرق منها شمس لشدة فرحه - راكضا نحو التله ليسلم على والده .. توقف عندما لاحت له القبور متخشعا وقرأ سورة الفاتحة ثم انطلق مسرعا الى بيته . تناول رغيفا من الخبز الابيض وقطعة من الجبن . وهرع خارجا من المنزل فأمامه مشوار طويل من المشي حتى يصل الى المدينة ، فاليوم الجمعة ولا يوجد عمل لذا فلا يستطيع أن يخرج مع احد الجيران الى المدينة كعادته ، اخذ عمي بالمشي على الطريق الترابي جوار اشجار الزيتون المعمر مارا بالاطفال الهاربين من بيوتهم مع الفجر ليلعبوا الغميضة في الشوارع وقد بدات الشمس بالظهور من خلف الجبال البعيدة وهو يدندن الذكر وكأنه اغنيه مبيتسما لهذا النهار الجميل ...وتابع المشي حتى وصل الى الجسر القديم فلفت انتباهه عندما نظر الى انعكاس صورته على الماء ثقبا كبيرا في جيب سترته وما ان ادرك ذلك حتى هرع وبدا بالبحث عن المحفظة في جيوبه .. ثم هم بالبحث عنها في الشارع ، اختفت البهجة عن قسمات وجهه بل وغطت الدموع ما كان يراه من الطريق وبدأ بالبكاء كالاطفال حتى انه سُمِعَ لبكائه زفرات وأنين ، وما هي الا لحظات حتى تحلق حوله مجموعة من الاطفال ، وهمست طفلة صغيرة من بصوت مختنق : سيدي ! لماذا تبكي !!
رفع عمي رأسة متثاقلا وقال : لا شئ صغيرتي .. لا شئ .
فتنهدت الطفلة فرحا وقالت : سيدي هذه سقطت منك قبل قليل
فتلألأت عيناه بالبكاء مرة أخرى ولكن الان من شدة الفرح وبدى على محياه السرور وأمسك المحفظة وتأكد من المبلغ داخلها ، وشكر الاطفال وهم بالانطلاق
وصل الى المحل وتوجه رأساً الي البائع وأخبره عن نوع السياره التى يريدها ، تبسم صاحب المحل عندما رأى مظهر الرجل البسيط وقال .. : هل تملك المبلغ ؟
فأجاب عمي : نعم معي هذا المبلغ وأراه المال
ضحك صاحب المحل بصوت عال وقال : هذا المبلغ لا يكفي لشراء ريع سيارة ، هذا المبلغ كان يفي بالغرض قبل 20 سنه مضت أما الان ......... فلا
فتبسم عمي وأغلق عينية ثم نظر الى السقف وقال : كم أنا غبي انساني شوقي لإقتناء هذه السياره كل مسرات الحياه ،ولم أعد اريدها بعد الان ، احببتها ولكن لم تحبني .............
ثم غادر عمي المتجر متجها الى والدته واخبرها عن نيته في الزواج لينجب طفله جميلة تسعدة كما اسعدته تلك الطفل بجوار الجسر ...

وأنا أسفة لم ألاحظ كلمة الثري في نهاية الموضوع ااااااااااااااااااااااااااااسفة From Earth
القصة التالية :: المجرم الشاحب