أعزاءنا الأفاضل .. أهلاً بكم مجدداً ..

اليوم سنتكلم عن موضوع جديد ولكنه من أهم المواضيع ..
فشهر رمضان من أجلَّ الشهور وأعظمها .. لأنه .. فرصة للشباب



الحمد لله الذي جعل شهر رمضان موسماً للأجور والأرباح، والصلاة والسلام على نبي الهُدى والفلاح،
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم السرور والأفراح.. أما بعد:

حديثي إليك - أخي الشاب - حديث أخ لأخيه، ومحبٍّ لحبيبه، وصديق مشفق ناصح لصديقه،
يريد له الخير، ويرجوا له الفوز والفلاح. فأرعني سمعك، وافتح لكلماتي قلبك،
ولا تنظر إلى عيب الناصح، بل انظر فيما يدعوك إليه، فإن كان خيراً قبلتَه،
وإن كان غير ذلك فلستُ عليك بوكيل.

أخي الحبيب.. ماذا أعددت لنفسك في شهر رمضان؟ ذلك الشهر العظيم الذي تُفَتَّح فيه أبواب الجنة،
وتُغَلَّقُ أبواب النار، وتُسَلْسًلُ الشياطين، وفيه يعتِقُ الله عباده الصالحين من النار.

هل عزمت فيه على التوبة ؟ وهل قررت العودة والأوبة ؟ وهل نويت التخلص من جميع المعاصي والمنكرات،
وفتح صفحة جديدة مع ربِّ الأرض والسموات؟ وهل خططت لبرنامجك التعبدي اليومي في هذا الشهر؟
وبماذا ستستقبل أيامه ولياليه؟

أسئلة لا بد من الإجابة عليها بكل صدق وأمانة، ومصارحة للنفس في ذلك
حتى لا يدخل الشهر ويخرج بلا عبادة ولا طاعة، وتضيع أيامه وساعاته هباءً منثوراً.



~. ابدأ بالتوبة .~

أخي الشاب.. لست أتهمُك بنصيحتي إياك أن تبدأ بالتوبة، فالتوبة هي بداية الطريق ونهايته،
وهي المنزلة التي يفتقر إليها السائرون إلى الله في جميع مراحل سفرهم وهجرتهم إليه سبحانه.

فليست التوبة - إذن - من منازل العصاة والمخلِّطين فحسب كما يظن كثير من الناس
فقد قال النبي وهو سيد الطائعين وإمام العابدين:
« يا أيها الناس ! توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة » [رواه مسلم].

ولما أمر الله عباده بالتوبة ناداهم باسمالإيمان
فقال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور:31]،
ونحن جميعاً ذوو ذنوب وأخطاء ومخالفات، فمن منا لا يخطئ؟ ومن منا لا يُذنب؟ ومن منا لا يعصي؟

والله سبحانه غفَّار الذنوب، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل،
ويفرح بتوبة التائبين وندم العصاة والمذنبين،
ولذلك فقد « جعل سبحانه للتوبة باباً من قِبَلِ المغرب عرضُه أربعون سنة، لا يُغْلِقُه حتى تطلع الشمس من مغربها »
كما قال الصادق المصدوق [رواه أحمد والترمذي وقال:حسن صحيح].


والتوبة - أخي الشاب - أمر سهل ميسور، ليس فيه مشقة، ولا معاناة عمل، فهي امتناع وندم وعزم؛
امتناع عن الذنوب والمخالفات، وندم على اقترافها في الماضي، وعزم على عدم العودة إليها في المستقبل.


~. أهمية الوقت .~

أخي الشاب.. إذا ندمت على ما فات، وتركت المخالفات والذنوب في المستقبل،
توجَّب عليك بعد ذلك الاهتمام بعمرك، وإصلاح وقتك الحاضر الذي بين ما مضى وما يُستقبل،
فإنك إن أضعته أضَعْتَ سعادتك ونجاتك، وإن حفظته بما ذكرت نجوت وفُزْتَ بالراحة واللذة والنعيم.

قال الإمام ابن الجوزي: ( رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً؛
إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب سمر. وإن طال النهار فبالنوم،
وهم في أطراف النهار على نهر دجلة أو في الأسواق !!
فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم، وما عندهم خبر،
ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل..
فالله الله في مواسم العمل، والبدار البدار قبل الفوات ).

وقال أيضاً: ( ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة،
ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور
بما لا يعجز عنه البدن من العمل، وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات،
فنُقل عن عامر بن عبد قيس أن رجلاً قال له: كلِّمني، فقال له: أمسك الشمس !! ).
ودخلوا على بعض السلف عند موته وهو يصلي، فعاتبوه على ذلك فقال: الآن تطوى صحيفتي !!
فإذا علم الإنسان - وإن بالغ في الجد - أن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته.


~. صورٌ من اجتهاد السلف .~

هذه - أخي الشاب - نماذج مضيئة وصور مشرقة تشير إلى اجتهاد سلفنا الكرام في عبادة الله تعالى وطاعته،
لعلك إن نظرت فيها أورثك ذلك علوّ الهمة والإقبال على العبادة:

1 - صلى النبي حتى تفطَّرت قدماه، فراجعوه في ذلك فقال: « أفلا أكون عبداً شكوراً » [متفق عليه].

2 - وكان أبو بكر كثير البكاء وبخاصة في الصلاة وعند قراءة القرآن.

3 - وكان في خدِّ عمر خطَّان أسودان من كثرة البكاء.

4 - وكان عثمان يختم القرآن في ركعة.

5 - وكان علي يبكي في محرابه حتى تَخْضَل لحيته بالدموع،
وكان يقول: ( يا دنيا غرِّي غيري، قد طلَّقتُك ثلاثاً لا رجعة فيها ! ).

6 - وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث،
وفي العشر الأواخر في كل ليلة.

7 - وكان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف !

8 - كان سعيد بن المسيب ملازماً للمسجد، فلم تَفُتْه صلاة في جماعة أربعين سنة !!


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.