بسم الله الرحمن الرحيم


*جودى ( judi ) الأسترالية



لم تكن الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة صباحاً , حين رأيت فتاة تقتحم باب المركز الإسلامى فى شارع الكومنولث بمدينة سيدنى .

لم تكن فتاة عادية ... قامة شامخة .. وشخصية آسرة متحدية , وبالرغم من صغر سنها فقد كان والدها يقف بجوارها كتلميذ يطلب من معلمه الرحمة ...

أو جندى ينتظر تعليمات قائده فى المعسكر أو الثكنة ..


قالت :

اسمى * جودى * طالبة بالسنة النهائية فى المدرسة العالية بضاحية سترانفيلد , أما والدها فاكتفى بتقديم نفسه كموظف سابق فى جيش الخلاص الوطنى .


بعد كلمات المجاملة قالت الآنسة :


إننى فتاة حائرة لم أجد حتى الآن ما يطمئن إليه قلبى فى أى دين أو عقيدة حتى الإسلام ...

صورته فى عقلى مشوشة . وما آراه أو أقرأه ينفرنى منه ومن المسلمين فى آية دولة .. غير

أن صديقة لوالدتى كانت قد شاركت فى إحدى ندواتك , فنقلت إلى والدتى صورة تختلف تماماً

عما ينشر ويقال عن الإسلام هنا فى إستراليا
لهذا جئت لأعرف منك الحقيقة ...

قلت : ستجدينى عند حسن ظنك , لكن ماذا عن والدك .. ؟ أليس من اللائق أن نعرف رأيه .. ؟

إن مكانة الوالدين فى الإسلام تأتى بعد الايمان بالله ورسوله ...

وهنا كانت المفأجاة .. ! لقد أعترف المستر " دونالد " بأنه ملحد



فجأة دق جرس التليفون .. كان المتحدث على الطرف الآخر من الخط القس البروتستانتى

"مارك" كان يسألنى عن حكم الإسلام فى الإنتحار , وبخاصة بعد هذه الضجة التى أثارها بعض

علماء النفس والاجتماع على صفحات جريدة "سيدنى مورننج هيرالد" بإباحة الإنتحار وتقرير

حرية الإنسان فى الحياة أو الموت..



قلت للأب "مارك" أعتقد أن نظرة الإسلام إلى هذه القضية لا تختلف كثيراً عن نظرة النصرانية ,

إن حياة الإنسان ليست ملكاً له .. حياته كلها : روحه , جسده عقله , فكره .. وكل قطرة دم

تجرى فى عروقه أو ينبض بها قلبه , كلها ملك لله خالقه .. ومن الطبيعى أنه لا يجوز لأى

إنسان أن يتصرف فى ملك غيره , إلا باذنه , ولأن الله لم يخلق هذه الحياة عبثاً .. ولم يتركنا

فيها سدى , وقد بعث الله الرسل وأنزل الكتب ليبين للناس ما يجب عمله , وما يجب تركه ,

وليحصن حياة هؤلاء الناس بالإيمان الذى يواجهوان به الشدلد , ويضمدون به جراح المصائب .


إن الإيمان هو الروح التى تضبط سير الحياة فى هذا الكون , كما تضبط حركة الحياة داخل

الإنسان الذى استخلفه الله فوق هذه الأرض , فإذا ذهب الإيمان اضطربت حركة الحياة فى هذا الكون ,

وسيطر الخوف والقلق على كل كائن حى ..
ومن هنا يفكر بعض الناس فى الإنتحار أو الموت .

ما كدت أعيد سماعة التليفون إلى مكانها حتى رأيت المستر "دونالد" قد انكفأ على نفسه وبدأ كشبح .. !

أما الأبنة الآنسة "جودى" فقد تسلمت منى الإجابة على أسئلتها التى أصرت أن تكون مكتوبة

حتى تعود مراجعتها فى البيت ... ثم انطلقت ومعها والدها فلم أعد أسمع عنها أى شىء ...


بعد خمسة عشر يوماً بالضبط كنت أغادر القطار فى المحطة الرئيسية بمدينة سيدنى متجهاً إلى

المسجد , وما كدت أضع قدمى على رصيف المحطة حتى فوجئت بالآنسة "جودى" ووالدها

ينزلان من قطار آخر فى الوقت نفسه . لكن المفأجاة الأكبر كانت فيما يحملان بين أيديهما من كتب ..

لقد كانت الآنسة "جودى" تحمل معها كتاب لماذا اخترنا الإسلام ؟ أما والدها فكان يحمل نسخة مختصرة لترجمة معانى القرآن


إن المكالمة التليفونية التى وقعت قدراً مع القس "مارك" عن العلاقة بين الإنتحار والإلحاد ,

قد زلزلت كيان الأب , والإجابة التى حملتها ابنته معها إلى البيت كانت قد أشعلت شرارة الإيمان

فى القلب , وها هو المستر "دونالد" يعود فى صورة أخرى تختلف عما كان عليه من قبل ..


لقد رجعت إليه الطمأنينة والسكينة , فعادت الحياة إليه فى أبهى وأجمل صورة , ثم جلس وابنته

يسألانى عن الصلاة , وكيف يؤديانها أفراداً أو فى جماعة ...


إن "جودى " لم تعد متمردة , وإن أباها لم يعد ملحداً ...










*من كتاب ( أجمل ما قرأت فى التاريخ .. الحياة .. الدين .. الأدب )

للدكتور عبد الودود شلبى رحمه الله



الكاتب : عمر السلفي المصري