ويقال: أَفْتَيْت فلاناً رؤيا رآها إِذا عبرتها له، وأَفْتَيته في مسأَلته إِذا أَجبته عنها،وفي الحديث: أَن قوماً تَفاتَوا إِليه؛ معناه تحاكموا إِليه وارتفعوا إِليه في الفُتْيا. يقال: أَفْتاه في المسأَلة يُفْتِيه إِذا أَجابه، والاسم الفتوى . قال الطرماح:
أَنِخْ بِفِناءِ أَشْدَقَ من عَدِيٍّ ....... ومن جَرْمٍ وهُمْ أَهلُ التَّفاتي
وقوله " وهم أهل التفاتي " أَي التَّحاكُم وأَهل الإِفتاء ، وأَفْتَى المفتي إِذا أَحدث حكماً.
وفي الحديث: الإِثْمُ ما حَكَّ في صدرك وإِن أَفْتاك الناسُ عنه وأَفْتَوكَ أَي وإِن جعلوا لك فيه رُخْصة وجَوازاً.
وقال أَبو إِسحاق في قوله تعالى: فاسْتَفْتِهِم أَهم أَشدُّ خَلقاً؛ أَي فاسْأَلهم سؤال تقرير أَهم أَشد خلقاً أَمْ مَن خلقنا من الأُمم السالفة.
وقوله عز وجل: يَسْتَفْتُونك قل اللهُ يُفْتِيكم أَي يسأَلونك سؤالَ تَعَلُّم.
والفُتْيا والفتوى ما أَفتى به الفقيه، - لسان العرب - .
واصطلاحاً :فقد عرفها العلماء بتعريفات عديدة فقيل : " تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأله عنه ".

الله وحده هو الذي يوجب الشيء ويحرمه وهو الذي يندب إليه ويحلله إما في كتاب الله أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حتى النبي صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه حين أكل الصحابة رضي الله عنهم من الثوم عام فتح خيبر وكانوا جياعاً فأكلوا من الثوم أكلاً شديدا ثم راحوا إلى المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً فلا يقربن في المسجد ) فقال الناس حرمت حرمت فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( يا أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها ) ولقد أنكر الله على من يحللون ويحرمون بأهوائهم فقال تعالى:﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[يونس: 59-60] وقال جل ذكره:﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُون * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل:116-117] وأنكر الله تعالى على قوم اتخذوا من دون الله شركاء في التشريع فقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[الشورى:21] إن من أكبر الجنايات أن يقول الشخص عن شئ إنه حلال وهو لا يدري عن حكم الله فيه أو يقول عن الشئ إنه حرام وهو لا يدري أن الله حرمه أو يقول عن الشيء إنه واجب وهو لا يدري أن الله أوجبه أو يقول عن الشيء إنه ليس بواجب وهو لا يدري عن حكم الله تعالى فيه إن هذا لجناية كبيرة وسوء أدب مع الله عز وجل كيف تعلم أن الأمر لله والحكم إليه ثم تقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم أنه من دينه وشريعته لقد قرن الله القول عليه بلا علم بالشرك به فقال تعالى ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:33].

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون".
وعن ابن عباس رضي الله عنه نحوه.
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو من كبار التابعين ومن أئمة الدين: "أدركتُ عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُسأل أحدهم المسألة فيردها إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول منهم، ما منهم من أحد إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا".
وقال حصن الأسدي: "إن أحدكم ليفتي في المسألة، لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر...
وقال مالك رحمه الله: "سمعت محمد بن عجلان يقول: إذا أخطأ العالم "لا أدري" أصيبت مقاتله".
وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهماوروي من غير وجه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: "أي سماء تظلني، وأي أرضٍ تقلني، إذا قلتُ في كتاب الله بغير علم".
وذكر الشعبي عن علي رضي الله أنه خرج عليهم وهو يقول: "ما أبردها على الكبد، ما أبردها على الكبد"، فقيل له: وما ذاك؟ قال: "أن تقول للشيء لا تعلمه: الله أعلم".
قال عبد الرحمن بن مهدي: "كنا عند مالك بن أنس، فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله! جئتك من مسيرة ستة أشهر، حملني أهل بلدي مسألة أسألك عنها، قال: فسل، فسأل الرجل عن مسألة، قال: لا أحسنها، قال: فبهت الرجل، كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء، قال: فقال: فأي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعتُ إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك: لا أحسن".
وقال ربيعة: "ولبعض من يفتي ههنا أحق بالحبس من السراق".

· إنَّ العالم الحق هو من أشد الناس تورعاً عن الفتيا وقد ذكر عن بعض العلماء أنه يكره أن يفتي في مسألة لم يسبق إليها .
· إنَّ من يعلم أن الحكم لله ، يسلم امره لله في كل صغيرة وكبيرة ولا يتتبع الرخص أو يفتي بلا علم أو يتساهل في شرع الله بما لم يأذن به الله .
· كثرت مصائب هذا الزمن ولعل من أظهرها كثرة الفضائيات التي تجمع كل من يقدر على النطق ليفتي ويضل الناس بغير علم وصدق صلى الله عليه وسلم " ... فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلو وأضلوا ".
· إنَّ للفتيا شروطاً وللمفتي شروطاً والحكم ثابتُ مدى الزمان والفتوى تختلف فحكم الخمر التحريم إلى يوم القيامة ، لكن من شارف على الهلاك في صحراءٍ وليس معه ماءٌ تختلف الفتوى في حقه عن غيره.
· إليكم مثالٌ من فتاوى أخر الزمان, لعجوزٍ من عجائزِ السينما العربية, يسألُها الصحفي بخيت ، ما رأيكِ بأولئك الفناناتِ التائبات اللاتي اعتزلنا الفن؟ فتجيبُ الفقيهةُ الكبيرة ، والعبقريةُ الفذة , أتقولُ تائباتٌ ؟ ثم تسأل باستنكار! وهل الفنُ جريمة ؟! ثم تقررُ باطمئنان! وتُفتي بكلِ ثقةٍ فتقول: إنَّ الفنَّ رسالةٌ خالدة, والفن أباحه ربُنا فما وجهُ الخطأ؟! هذا مثالٌ ومثلُهُ كثير،
نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة وأن يجعلنا وقَّافين عند حدوده غير متجاوزين لها ، وأن يسددنا في الدنيا والآخرة
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
المرفقات :
__________________________________________________ __
المفضلات