العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي (رحمه الله)خروجه من بلاده :-
1325هـ - 1393هـ
الإمام العلامة المفسر محمد الأمين بن محمد المختار بن عبدالقادر بن محمد بن أحمد
نوح بن محمد ابن سيدي أحمد بن المختار الشنقيطي واسمه الصحيح آب ، وهو من
قبيلة **** العربية .
ولقبه : آبا ، بمد الهمزة وتشديد الباء من الإباء
ولد رحمه الله ـ عام 1325هـ ونشأ يتيما فقد توفي والده وهو صغير وترك له ثروة من الحيوان والمال .
حفظ القران وهو دون العاشره من عمره ، درس خلال حفظه للقران بعض المختصرات
في فقه الامام مالك كرجز الشيخ ابن عاشر ودرس خلالها الأدب والنحو ، والسيره
على زوجة خاله قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : أخذت عنها مبادئ النحو ودروس واسعة
في أنساب العرب وأيامهم ونظم الغزوات لأحمد البدوي الشنقيطي وغيرها .
ثم درس بقية العلوم على جمع من العلماء منهم الشيخ محمد بن صالح المشهور
والشيخ محمد الأفرم والشيخ أحمد عمر والشيخ محمد زيدان والشيخ محمد النعمه
والشيخ أحمد بن مود وغيرهم فقد أخذ عنهم النحو الصرف والاصول والبلاغه والتفسير
والحديث أما المنطق وآداب البحث والمناظره فيقول أنه حصله بالمطالعه
قال الشيخ رحمه الله ـ : لما حفظت القرآن وأخذت الرسم العثماني وتفوقت فيه على
الأقران عنيت بي واالدتي وأخوالي أشد عناية وعزموا على توجيهي للدراسة في
بقية الفنون فجهزتني والدتي بجملين أحدهما عليه مركبي وكتبي والآخر عليه نفقتي
وزادي وصحبني خادم ومعه بقرات وقد هيئت لي مركبي كأحسن ما يكزن المركب
وملابس كأحسن ما تكون فرحا بي وترغيبا لي في طلب العلم .
قال الشيخ عطية حدثني الشيخ ـ رحمه الله ـ فقال : جئت للشيخ في قراءتي عليه
فشرح لي كما كان يشرح ولكنه لم يشف ما في نفسي على ما تعودت ولم يرولي
ظمئي [3] ، وقمت من عنده وأنا أجدني في حاجة إلى إزالة بعض اللبس وإيضاح
بعض المشاكل وكان الوقت ظهرا فأخذت الكتب والمراجع فطالعت حتى العصر فلم
أفرغ حتى المغرب فأوقد لي خادمي النار وكنت أشرب الشاهي الأخضر كلما كسلت
حتى انبثق الفجر وأنا في مجلسي لم أقم إلا لصلاة أو تناول طعام حتى فرغت من
درسي وزال اللبس عني .
وبرز في الشعر ومما قاله ـ رحمه الله ـ :
أنقذت من داء الهوى بعلاج *** شيب يزين مفارقي كالتاج
قد صدني حلم الأكابر عن لمى *** شفة الفتاة الطفلة المغناج
ماء الشبيبة زارع في صدرها *** رمانتي روض كحق العاج
وكأنها قد أدرجت في برقع *** يا ويلتاه بها شعاع سراج
وكأنما شمس الأصيل مذابة *** تنساب فوق جبينها الوهاج
يعلي لموقع جبينها في خدرها *** فوق الحشية ناعم الديباج
لم يبك عيني بين حي جيرة *** شدوا المطي بأنسع الأحداج
نادت بأنغام اللحون حداتهم *** فتزيلوا والليل أليل داج
لا تصطبيني عاتق في دلِّها *** رقت فراقت في رقاق زجاج
غضوبة منها بنان مديرها *** إذ لم تكن مقتولة بمزاج
طابت نفوس الشرب حيث أدارها *** َشأٌ رمى بلحاظ طرف ساج
أو ذات عود أنطقت أوتارها *** بلحزون قول للقلوب شواجي
فتخال رنات المثاني أحرفا *** قد رددت في الحلق من مهتاج
قال الشيخ عطية ـ رحمه الله ـ سألت الشيخ عن تركه الشعر مع قدرته عليه وإجادته فقال ـ رحمه الله ـ :
لم أره من صفات الأفاضل وخشيت أن أشتهر به ،... والشعر أكذبه أعذبه فلم أكثر من .
وكان الشيخ ـ رحمه الله ـ يتورع عن الفتوى إلا في شيء فيه نص من كتاب أو سنة ،
قال ابنه الشيخ عبدالله : جاءه وفد من الكويت في أواخر حياته فسألوه في مسائل
فقال أجيبكم بكتاب الله ، ثم جلس مستوفزا وقال : الله أعلم ، "ولا تقف ما ليس لك
به علم " لا أعلم فيها عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا ، وكلام
الناس لا أضعه في ذمتي فلما ألحوا عليه قال : فلان قال كذا وفلان قال كذا ، وأنا لا
أقول شيئا .
قال الشيخ عطية وسألته عن تركه للفتوى فقال : يجب التحفظ فيما ليس فيه نص
قاطع من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويتمثل بقول الشاعر :
إذا ما قتلت الشيء علمافقل به *** ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
فمن كان يهوى أن يرى متصدرا *** ويكره لا أدري أصيبت مقاتله
من بين أعماله التي تولاها في بلاده التدريس والفتيا ولكنه اشتهر بالقضاء وبالفراسة
فيه ورغم وجود الحاكم الفرنسي إلا أن المواطنين كانوا عظيمي الثقة فيه فيأتونه
للقضاء بينهم من أماكن بعيده . وكان يقضي في كل شيء إلا الدماء والحدود وكان لها
قاض خاص .
خرج من بلاده لأداء فريضة الحج برا بنية العودة فقد كان في بلاده يسمع عن الوهابية
وكان من فضل الله ومنته علينا وعليه أن قدم الحج ونزل بدون علمه بجوار خيمة
الأمير خالد السديري دون أن يعرف أحدهما الآخر وكان الأمير خالد يبحث مع جلسائه
بيتا في الأدب ـ وهو ذواقة أديب ـ إلى أن سألوا الشيخ فوجدوا بحرا لا ساحل له ،
فكانت تلك الجلسة بداية منطلق لفكرة جديدة فأوصاه الأمير إن قدم المدينة أن
يلتقي بالشيخ عبدالله بن زاحم وعبدالعزيز بن صالح ، وفي المدينة التقى بهما وتباحث
معهما ما سمع عن الوهابية وكان صريحا فيما عرض عليهما مما سمع عن
البلاد فدارت بينهم جلسات ، وكان أكثرهما مباحثة معه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن
صالح ، حتى اقتنع الشيخ بأن منهج المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب منهج ذو سلف
وأنه منهج سليم العقيدة يعتمد الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة ثم رغب في البقاء
في المسجد النبوي لتدريس التفسير . ودرس عليه الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصرف .
اختير للتدريس في المعهد العلمي بالرياض عند افتتاحه فكان يدرس في الرياض
ويقضي إجازته في التدريس بالمسجد النبوي ، ثم كان له دور في تأسيس الجامعة
الإسلامية في المدينة ، ثم عين كأحد أعضاء هيئة كبار العلماء عند بداية تشكيلها وكان
عضوا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي .
لا يحصيهم إلا الله جل وعلا حيث طال تدريسه في المعهد العلمي ومن ثم في كلية
الشريعة ثم في المسجد النبوي ولكن نذكر أكابر من درس عنده فمنهم :
1. سماحة الإمام عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ: درس على الشيخ ، شرح سلم
الأخضري في المنطق ، وكان يحضر حلقة الشيخ في الحرم النبوي .
2. الشيخ حماد الأنصاري ـ رحمه الله ـ: سأله في مسائل في التفسير والمنطق ،
ولازم دروسه في التفسير في الحرم النبوي .
3. معالي الشيخ صالح اللحيدان : درس عليه في كلية الشريعة .
4. الشيخ حمود العقلا الشعيبي ـ رحمه الله ـ : درس عليه في الكلية وفي البيت ، كما سيأتي .
5. الشيخ عبدالله الغديان : درس عليه في كلية الشريعة .
6. الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين ـ رحمه الله ـ : درس عليه في كلية الشريعة .
7. معالي الشيخ عبدالمحسن العباد : درس عليه في كلية الشريعة .
8. معالي الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد : لازمه عشر سنين ، وأخذ عنه المنطق والأنساب والتفسير .
9. معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان : حدثني بذلك ـ وفقه الله لكل خير ـ درس عليه في كلية الشريعة .
10. الشيخ العلامة عبدالعزيز القارئ : لازمه حوالي ثمان سنين ، و درس عليه في الجامعة الإسلامية .
11. الدكتور عبدالله قادري : درس عليه في كلية الشريعة .
12. ابنه الأستاذ الدكتور عبدالله .
13. ابنه الأستاذ الدكتور المختار .
14. عدد كبير من الشناقطة منهم الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي والدكتور محمد ولد سيدي الحبيب
والدكتور محمد الخضر بن الناجي بن ضيف الله .
وغيرهم كثير .
نسب بني عدنان نظم يقول في مطلعه :
سميته بخالص الجمان *** في ذكر أنساب بني عدنان
1. كأن ألفه في شبابه ثم دفنه لأنه يقول : إنما ألفته للتفوق به على الأقران فدفنته
لأن تلك كانت نيتي ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصححت النية ولم أدفنه.
2. رجز في البيوع على مذهب الإمام مالك ومطلعها :
الحمد لله الذي قد ندبا *** لأن تميز البيع عن لبس الربا
ومن بالمؤلفين كتباً *** تترك أطواد الجهالة هبا
تكشف عن عين الجواد الحجبا *** إذا حجاب دون علم ضربا
3. ألفيته في المنطق ومطلعها :
حمدا لمن أظهر للعقول *** حقائق المنقول والمعقول
وكشف الرين عن الأذهان *** بواضح الدليل والبرهان
4. نظم في الفرائض ، مطلعها :
تركة الميت بعد الخامس *** من خمسة محصورة عن سادس
وحصرها في الخمسة استقراء *** وانبذ لحصر العقل بالعراء
5. منع جواز المجاز على المنزل للتعبد والإعجاز .
6. دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب .
7. مذكرة في الأصول على روضة الناظر .
8. أدب البحث والمناظرة .
9. أضواء البيان .
10. الرحلة إلى أفريقيا ـ بعناية الدكتور خالد السبت ـ وفقه الله لكل خير
1. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير ـ تحقيق الدكتور خالد السبت .
2. آيات الصفات .
3. حكمة التشريع .
4. المثل العليا .
5. المصالح المرسلة .
6. حول شبهة الرقيق .
7. اليوم أكملت لكم دينكم .
قال لي شيخنا الشيخ حمود ـ رحمه الله ـ : درست على الشيخ في الكليّة وفي البيت
وأما في البيت فكانت لي دراسة يومية معه في الأصول والمنطق وكانت في
المنطق سلّم الأخضري وشرحه وفي الأصول روضة الناظر ، وأتممتها على الشيخ ـ
رحمه الله ـ وكانت دراستي لها دراسة جيدة ، وكانت الدراسة لوحدي بعد المغرب ،
وأذكر أنني لما تخرجت من الكلية عينت قاضيا في وادي الدواسر فذهب الشيخ
الشنقيطي للشيخ محمد بن إبراهيم وقال له : هذا لا يمكن أن يعين في القضاء بل
في التدريس لما يظهر منه من أهلية لهذا وبروز في التدريس ، والشيخ محمد بن
إبراهيم إذا عين أحد في القضاء لا يمكن أن يتراجع أبدا مهما حصل ، ولكنه كان يجل
الشيخ الشنقيطي ويحترمه جدا . وكان علْم الشيخ الشنقيطي غزيرا جدا خاصة في
الأصول والمنطق والتفسير والتأريخ واللغة والأدب وكان منقطع النظير في هذه
ويجمع لها غيرها .
توفي في ضحي يوم الخميس 17/12/1393هـ . وصلى عليه سماحة الإمام
عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ في الحرم المكي .
الله أكبر مـــــات العلـــــــم والورع ..... يا ليت مـا قد مضى من ذاك يرتجع
يبكـــي الكتـــاب كتــاب الله غيبته ..... كــذا المـــدارس والآداب والجمـــع
مفســــرُ الذكـــــر الحكيــــم ومــا ..... مــن الحديث إلى المختـــــار يرتفع
أخلاقه الشهـــد ممزوجـا بماء صفا ..... ومــــا يغيـــــــر طبعـــــا زانه طبع
فهـو الإمــــام الـذي من غيـره تبع ..... لــه وهـــل يستوي المتبوع والتبع
رحم الله شيخنا رحمة الأبرار, وأسكنه فسيح جناته, ومَنَّ عليه بمغفرته ورضوانه,
وجزاه عما قدّم للإسلام والمسلمين خيرًا.












رد مع اقتباس


المفضلات