السلام عليكم
.
لاشيءَ أصعب في التركيب والتعقيد من نفسِ الإنسانِ واختلاف أحواله ومزاجه ، فإنَّهُ يحبُّ ويبكي ، ويكره فيبكي ، يودعُ فيبكي ويلقى فيبكي ، يأنسُ فيضحك ويسخرُ فيضحك ...
أمورٌ لو اجتمعت على غير ذي عقلٍ لاتحد المقصدُ فيها ولكن لما ميز الله الإنسانَ بعقله وإحساسه أصبحَ الشعورُ الواحدُ يظهرُ بكثيرٍ من الحالات والمواقف المتنافرة والمتباعدة ، وقد يرجع ذلك إلى طبيعة فسيولوجيةٍ معقدة !! من يدري ؟: )
..
.
من أكثرِ المشاعر التي يتجلى فيها هذا الأمر هو " الحب " ... نعم الحب.... بصوتٍ خافت " ال..حـ ..ب " ، هل قلتُ خطأً ؟!
لالا لم أقل خطأً نعم " الحب " هل فهمتم ... أنا أقصدُ الحب . بضم الحاءِ لا بفتحها حتى لا يلجهُ مَن طبعُه طبع البهائم التي لا تردُ الشيء إلا لمصلحة أو شهوةٍ فيضنَّهُ " حَبّاَ " فيلتهم علينا الصفحة ثم نقعدُ بلا موضوع!!..
..
إذاً نحنُ نريدُ الحب الفطري والشعور الصادق لا التصنع والاستحضار .
الحب : هو أعذب كلمةٍ وأصعبها ، وأيسرُ ولوجٍ وأصعب خروج ، يبدأ بنظرةٍ أو دونها فلا ينتهي إلا بسلب بصرِ من نظر ، شيءٌ كما قالَ جميلُ بثينة :
ولو أنَّ داعٍ منك يدعو جنازتي ... وكنتُ على أيدي الرجالِ حييتُ
إذاً فهو شيءٌ يصعبُ تفسيره ، ويبهم الإفصاح عنه .. نعم الكلُّ ذاق طعم الحب وعرفه ولكنه يصعبُ على ذي لسانٍ أن يشرحه ، ومن أجل ذلك كانت العيون واللحظات هي اللغة المشتركة بين المحبين ، عوضاً عن اللسان الذي هو مرتبطٌ بمركزِ العقل أكثرَ من ارتباطه بالقلب .وكما قال الشريفُ الرضي :
خذي حديثَك من نفسي عن النَفَسِ ... وجدُ الحبيبِ المعنى غيرُ ملتبسِ
ومعلومٌ عند علماء اللسانيات والقراءات أنَّ النَفَس هو الهواء الخارج دون أن يلامسَ الحبالَ الصوتية .. يعني ليسَ صوتاً !! فقط لغةٌ مبهمة لا يفهمها إلا المحبون ، وكما قال الهبل اليمني :
وغيداءُ لاتنفكُّ تملي عيونها ... على الناسِ من أسحار بابلَ ما تملي
وهل إملاءُ العلمِ أو السحر يكونُ بالعيون أم باللسان والطراريس ؟؟ ... إذاً فالثابتُ أنَّها قد اجتمعت كلمة المحبين على نبذ اللغات المنطوقة فيما بينهم ، واستبدالها بالأحاسيس والعيون .. والثابتُ كذلك أنَّ هذا القرار لم يصدر عن المجلسِ الأعلى للعشاق والمحبين ، لأنهم في الواقع لا يعرفون بعضهم بل يكبرُ بعضهم بعضاً بآلاف السنين !! ، ولذلكَ قال من المتنبي من قبلهم :
ماذا يقولُ الذي يغني ... يا خيرَ من تحتَ ذي السماء
شغلتُ قلبي بلحظِ عيني ... إليكِ عن حسنِ ذا الغناء .
..
.
لستُ أدري لماذا اجتمع الضعفُ والذل إلى الحب ، فلا تجدُ حبيباً يتكلمُ بلغة العزة والمنعة ، بل هو يختارُ أيسرَ الألفاظ وأعذبها حتى يكادُ قلبكَ أن ينفطرَ أساً عليه كأنما تشاهدُ يتيماً يعضُّ الثرى من الجوع ، وإن كانَ غنيَّاً أو أميرا ..إذاً فهذه سمةٌ ثانيةُ للمحبين " الذل والمسكنة " ..
يقولُ بشار بن برد :
هلا تحرجتِ يا عبَّادُ من رجلٍ ... قد زمَّهُ الحبُّ حتى ذلَّ فانقادا
ويقول ُالمثل الإنجليزي : " إذا كانَ الحبُّ ضعفاً ، فهو ضعفُ القلوب العظيمة "
..
.
ألم تروا أنَّ المحبَّ لا يأنسُ كثراً بالناسِ من حوله مادام المنظرُ لم يكتمل بمحبوبه ، وهو كذلكَ لا يأنسُ كثيراً إذا اجتمعَ إلى محبوبه لاستقطاع قلبه عليه ،فهو في حال الغيبة في حسرةٍ وشوق ، وفي حال الحضورِ في كبتٍ وكتم ، فهو معذبٌ أينما حلَّ وارتحل ..
يقولُ صاحبكم يخاطبُ صاحبَه ^^ :
فالنارُ تحرقُ إن هـجرتَ ولم تزل ... عندَ الوصالِ تزيدُ في إحراقي
ضدانِ ما اجتمعا على قلبِ امرءٍ ... إلا تمرَّغَ في ثرى العُـــشّاقِ
فما أكثرَ ما يجمعُ المحبُّون بين المتناقضات !!
..
.
لا بأسَ عليكم لن تراعوا ولعلَّ بعضكم يقولُ في نفسه : هل يعقلُ أنَّ الحُبَّ يفعلُ بأصحابه هكذا ؟ الحمدلله أني لم أجرب ..
فأقول رعاك الله مهلاً ومَن مِن البشر سيخرجُ عن السننِ ، إنها السنن لا تستثني أحداً ..
فماذا لو ماتَ قريبٌ أو صديق ؟ ألن تذرفَ من الدمعِ حتى تستيقن أن لا دمعَ بعده ؟!، لا تقل لي هذا أمرٌ طبيعي فهو من معارفي وأقاربي . ، فكم من المعارف والاقارب من لم تذرف عليه دمعةً واحدة .
لالا سأقولُ لك بل لأنك تحبه ، فما حالُ قلبكِ والأخبارُ تطرقُ أسماعنا كلَّ يومٍ" بأرقامٍ فلكية من قتلى المسلمين في كل مكان " !!
إذاً ليس الموتُ هو الداعي للبكاء ، وإنما هو الحبُّ والمؤانسة حينما ينقطعان إلى الأبد ،، فمن منا سيخرجُ عن هذه السنة الكونية ؟؟!! – حفظ الله لنا أنفسنا ومن نحب -
..
اللهم إنَّا نحبُّك فأحبّنا ، اللهم إنا نسألكَ حبَّك ، وحبَّ من يحبُّك ، وحبَّ كلِّ عملٍ يقربنا إلى حبِّكْ ..
تمَّ الكلامُ وبقي أن أقول :
أحبكم
..
إلى اللقاء
المفضلات