:: وأخيرًا أخواننا واخواتنا في الله ::

لا بد أن نعلم أن محبة الله تعالى تنال باتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
كما قال تعالى:{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (آل عمران:31) .
قال الحسن البصري - رحمه الله -:
ادعى ناس محبة الله فابتلاهم بهذه الآية :
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (آل عمران:31) .
واتباع النبي هو سبيل النجاة في زمن الغربة والاختلاف .
فقد أخرج أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية ـ رضى الله عنه ـ قال:
وعظنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موعظة بليغة، وجلت منها القلوب وذرَفت منها العيون ، فقلنا :
يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : " أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبداً ، وإنه من يعش منكم فسيرىَ اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عُضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " .
ـ "وجلت منها القلوب" : خافت .
ـ " النواخذ " : الأنياب وقيل الأضراس .




فعلى المسلم أن يتبع ولا يبتدع، فمن شؤم البدعة والإحداث في الدين :

فقد أخرج البخاري مسلم عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد "
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما - عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " بعثت بالسيف بين يدي الساعة وجعل رزقي تحت ظل رمحى، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري " .
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" أنا فرطكم على الحوض وليختلجن رجل دوني فأقول : يا رب أصحابي
فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعد ذلك "
ـ " فرطكم ":يقال فرط ما لان قومه أي: تقدمهم إلى مورد الماء لإصلاح الحوض والدلاء .
ـ " ليختلجن ": يموجون في تدافع، عطاشى .




ولعل قائل يقول : إن ما نفعله في رجب هو خير، فإننا نصلى ونصوم، ونذبح، ونتصدق ... وغير ذلك من أفعال البر ... وكلها لله ...
فالجواب على هذا :
إن عمل الخير والاجتهاد فيه بلا دليل شرعي مردود على صاحبه، بل يعاقب عليه .
فقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنه - قال:
" جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألون عن عبادة النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أخبروا، كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " .
وفي هذا الحديث جملة من الفوائد منها :
(1) الذي شرع لنا الغاية (العبادة) لم ينسَ الوسيلة (الطريقة إليها) .
(2) الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يُعبد إلا بما شرع، لا بالأهواء والبدع والآراء .
(3) البدع تفتح باب الخلاف على مصرعيه وهو باب ضلالة .
(4) البدعة بريد الكفر؛ لأن المبتدع نصب نفسه مشرعاً ولله نداً، فاستدرك على أحكم الحاكمين، وظن أنه على ملة أهدى من ملة محمد
ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
(5) هؤلاء القـوم لم يقولوا كفراً، ولم يفعلوا نكراً، بل كانـوا يعبدون الله وهو أمر مشـروع بالنص ؛
إلا أنهم خالفوا الكيفية والصفة التي سنّهَا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فأنكر عليهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن ما جاءوا به ليس مخالفة صريحة ولا موافقة صحيحة .
(6) النية الحسنة لا تجعل الباطل حقاً، ولا تصلح العمل الفاسد ؛ لأن النية وحدها لا تكفي لتصحيح الفعل، فلا بد أن ينضم إليها التقيد بالشرع .
قال سفيان: لا يُقبل قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة .
فإلى كل من يجتهد في بدعة ويرى أن فعله حسن نقول له كما قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ :
" من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة ، فقد زعم أن محمداً
ـ صلى الله عليه وسلم ـ خان الرسالة ؛ لأن الله يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }( فما لم يكن يومئذ ديناً ، لا يكون اليوم ديناً )
وقال الزهري ـ رحمه الله ـ :
" الاعتصام بالسُنة نجاة ؛ لأن السنة كما قال الإمام مالك: كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك " .

فهيا ... هيا ، أعلنوها مدوية "
لا ابتداع في الدين، ونعم لسُنة سَيد المرسلين،
حتى تكون معه في جَّنةِ رَب العالمين .....
" اللهم آمين ... آمين "
وبعد ...
فهذا آخر ما تيسر لنا في هذه الرسالة نسأل الله أن يكتب لها القبول وأن يتقبلها منا بقبول حسن ،
كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها ..
إنه ولي ذلك والقادر عليه .

هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده ، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمنا ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء ، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب ، فإن كان صواباً فادع لنا بالقبول والتوفيق ، وإن كان ثمّ خطأ فاستغفروا لنا
وإن وجدت العيب فسد الخللا *** جل من لا عيب فيه وعلا ..
فاللهم اجعل عملنا كله صالحاً ولوجهك خالصاً ، ولا تجعل لأحد فيه نصيب
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،
هذا والله تعالى أعلى وأعلم ..
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك