بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له.
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.
-( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتنّ إلا و أنتم مسلمون )-
-( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحامَ إن الله كان عليكم رقيباً )-
-( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )-
أما بعد :
فيسرني أن أقدّم لكم من باب نشر الخير :-
-[ التأصيل الشرعي كيف و لماذا ؟ ]-
محاضرة قيّمة جداً للشيخ محمد بن صالح المنجّد حفظه الله
- لتحميل المحاضرة و الاستماع إليها إضغط على الصورة أو العنوان فوقها -
تاريخ الإلقاء : الأربعاء 13 / 3 / 1432هـ
.:. عناصر و فوائد من المحاضرة لا يُستغنى بها عن سماع المحاضرة .:.
-- تعريف التأصيل الشرعي .
التأصيل " بيان أصول الشيء التي يعتمد عليها " .
و المراد به هنا " بيان الأصل من كتاب الله أو سنّة رسوله صلى الله عليه و سلم لمسألة من المسائل ، أو واقعة من الوقائع ، أو نازلة من النوازل ، على ضوء فهم سَلَفِ الأمّة دون التأثّر بالأشياء الأجنبية عن الإسلام " .
-- فوائد التأصيل الشرعي :-
1)- إظهار الأحكام الشرعية و القيام بأمانة تبليغ الدين ، وفاءً بالميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ، قال تعالى [ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا و لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم و إياهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ] -- الآية 151 من سورة الأنعام -- ، و هكذا يحب على العلماء أن يُبيّنوا للناس ما حرّم الله عليهم و ما أباحه لهم ، قال تعالى [ و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ] -- الآية 187 من سورة آل عمران -- .
2)- إبراء الذمّة و القيام بفرض الكفاية بتعليم الناس أمور الدين ، قال تعالى [ و ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ] -- الآية 122 من سورة التوبة -- .
3)- المنافحة عن الشريعة [ مهم جداً ] .
4)- أن لله تعالى في كل مسألةٍٍ حُكْماً - عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ و جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ - و التأصيل الشرعي يُعين على التعرّف على حُكمِهِ .
5)- أنه يقي المسلم من العواقب الوخيمة للفتن و الخلافات و الشبهات ، فيكون رائده الدليل و يعتمد على منطلقات شرعية ثابتة .
6)- أنه يعصم من الانحراف و الزيغ و الضلال ، فـتُـعْـرَفُ به البِدَعُ فـتُـتْـرَك ، و يُعْرَفُ به الزّيغُ فيُجتنب ، فيضمن العبدُ أن يكون عملُهُ صواباً فالله لا يقبل مِنَ العمل إلا ما كان خالصاً صواباً .
7)- ثباتُ العلماء و طلبةُ العلم على الحق ، و عدمُ التلوّن و التأثّر بالشبهات .
8)- دفعُ الإفتراءات التي يروّجها المبطلون عن العلماء .
9)- التعبّد لله تعالى بدراسة مسائل العلم .
10)- أنه بوّابة للوصول إلى الصواب في المسائل التي تُبْحَثُ شرعاً .
-- مصادر التأصيل الشرعي و ما تمتاز به :
= الكتابُ و السنّة و الإجماعُ و القياس [ الصحيح ] ، [ و قد بيّن الشيخ مزاياها و منها :-
1)- أنها وحي من الله معصومة من الخطأ و الزلل .
2)- أنها محفوظة إلى قيام الساعة .
3)- أنها حق لا باطل فيه ، واجبة الإتّباع .
و ذكر الشيخ كلاماً مهماً للإمام ابن عبد البر رحمه الله .
و نبّه الشيخ على مصطلحات فاسدة مثل " الشعب مصد السلطات ، الشرعية الشعبية ، الريات المطلقة ، الحرية الكاملة ، الشعب مصدر الشرعية ، التحاكم إلى العقل .
و كذلك نبّه على البيت المشهور :-
إذا الشعب يوماً أراد الحياة .:. فلا بد أن يستجيب القدر
و بيّن خطورته ، و أن الصواب " الشعب يريد تطبيق الكتاب و السنة " .
و ردَّ الشيخ على الدعوة لأصول فقه جديدة ] .
-- المسائل التي تحتاج للتأصيل الشرعي :-
= مسائل معلومة من الدين بالضرورة [ بيّن الشيخ سبب تأصيل هذا النوع من المسائل و من ذلك : زيادة اليقين و زيادة الإيمان و الرد على الهجمات التي تشن على الثوابت و المُسلَّمَات ، كمن يهجم على حكم الربا ، و تكفير الكافر ، و وجوب حجاب المرأة المسلمة ، و إباحة تعدّد الزوجات ، و الحدود الشرعية و أنصبة المواريث المعنية ] .
= مسائل مختلف فيها ، و التأصيلُ فيها لمعرفة الراجح .
= نوازل و مستجدات [ التأصيل الشرعي فيها من فروض الكفايات و هو يثبت أن الشريعة صالحة لكل زمان و مكان ، و يقطع الطريق على المخرّبين و الذين يُفتون بغير أهليّة ، و يقطع الطريق على الآخذين بالقوانين الوضعية .
و التأصيل الشرعي فيها يحتاج لقدرات علمية و علم غزير و دقيق و عميق ، و من أمثلة النوازل " طفل الأنابيب ، الهندسة الوراثية ، التسويق الشبكي ، التورّق المصرفي ، تحديد جنس الجنين ، الموت الدماغي " .
و قد ذكر الشيخ المجامع الفقهية . ] .
-- منهجة التأصيل الشرعي ، و تتلخّص في مراحل ، و ذكر الشيخ الأدلة على كل مرحلة و أمثلة لكل مرحلة :-
1)- تصوّر المسألة في أرض الواقع [ من أمثلة ذلك :-
أخذ الإنترنت من شبكة الجار ، فلابد أن يتصوّر العالِم ما هي الشبكة ؟ و ما هو الإشتراك فيها ؟ و ماذا سينتج عن أخذ خط شبكة الجار ؟ هل سيؤثّر على التحميل عنده ؟ هل سيكلّفه مبلغاً إضافياً ؟ ، و ما هي أنواع الإشتراك ؟
و تصوّر المسألة يتطلّب أموراً منها :-
أ - إستقراء نظري و عملي .
ب - جمع كافة المعلومات .
ج - قد يتطلّب إجراء استبانة أو جولة ميدانية أو مقابلات شخصية .
د - قد يحتاج إلى معاينة و معاشرة [ مصاحبة ] .
هـ - قد يحتاج إلى أهل الإختصاص في هذا الموضوع .
و قد يحصل خلط في المصطلح نفسه ، مثل " حكم الذهب الأبيض " .
و الهجوم على المسائل دون تصوّر مخالف لقوله تعالى [ و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ] -- الآية 36 من سورة الإسراء -- ، و من ذلك الفتوى في لبس الباروكة بالجواز ] .
2)- تحرير محل النزاع ، و صور حالات المسألة [ و ذلك باستبعاد القضايا المتفق عليها و تعيين محل النزاع لمناقشته ، مثال ذلك : مسألة استلحاق الزاني لابنه من الزنا ، و قد فصّل الشيخ حالاتها و الحالة المختلف فيها و هي محل النزاع .
و من تحرير محل النزاع : إخراج الصور التي قد تلتبس بالمسألة و ليست داخلة فيها ، و ذكر الشيخ هنا مثالين مهمّين و هما :
صور سب الدهر و حكم كل صورة أو حالة :-
-- سب الدهر ورد النهي عنه في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر و أنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلب الليل والنهار ] ، فما المقصود منه ؟
فهنا حالات :-
1)- أن يكون الكلام خبراً محضاً ، مثل " هذا يوم حار ، هذا يوم بارد ، و منه قوله تعالى " وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطًۭا سِىٓءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًۭا وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌۭ " -- الآية 77 من سورة هود -- " .
2)- أن يقصد المتكلّم أن الدهر هو الفاعل ، فهذا شرك أكبر .
3)- أن يقصد المتكلّم سب الدهر باعتباره محلاً لوقوع الأحداث دون أن يعتقد أن الدهر هو الخالق للأحداث و الفاعل لها ، فهذا ليسَ كفراً مخرجاً عن الملّة لكنه حرام ؛ لأنه سبٌّ للزمان الذي لا ذنب له ، و السب في الحقيقة يعود على خالق الزمان و هو الله عز و جل .
و للإستزادة راجع صفحة 214 أو الفتوى 89 من الباب الأول من هذا الكتاب " الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام " .
و كذلك شرح الحديث من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله .
-- لو التي جاء النهي عنها في قوله صلى الله عليه و سلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف . وفي كل خير . احرص على ما ينفعك واستعن بالله . ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا . ولكن قل : قدر الله . وما شاء فعل . فإن لو تفتح عمل الشيطان " -- أخرجه مسلم برقم 2664 -- ، فعند البحث عن المقصود بها نجد أن لـ " لو " حالات و هي :-
1)- أن يقولها قاصداً مجرّد الخبر فلا حرج في هذه ، و من ذلك قوله صلى الله عليه و سلم " لو رجمتُ أحداً بغير بيّنة رجمت هذه " -- أخرجه البخاري في صحيحه برقم 5310 ، و في أربع مواضع أخرى منها ما جاء في كتاب التمنّي ، باب ما يجوز من اللّو برقم 7238 ، و أخرجه مسلم برقم 1497 -- .
2)- أن يقصد بها تمنّي الخير فلا حرج في هذه أيضاً ، و من ذلك ما جاء في " حديث أبي كبشة الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه و سلم - يقول : ثلاث أقسم عليهن ، و أحدثكم حديثا فاحفظوه :
فأما الذي أقسم عليهن ؛ فإنه ما نقص مال عبد من صدقة ، و لا ظلم عبد مظلمة صبر عليها ؛ إلا زاده الله بها عزا ، و لا فتح عبد باب مسألة ؛ إلا فتح الله عليه باب فقر .
و أما الذي أحدثكم فاحفظوه ؛ فقال :
إنما الدنيا لأربعة نفر :
عبد رزقه الله مالا و علما ؛ فهو يتقي فيه ربه ، و يصل فيه رحمه ، و يعمل لله فيه بحقه ؛ فهذا بأفضل المنازل .
و عبد رزقه الله علما و لم يرزقه مالا ؛ فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان ؛ فهو و نيته ، فأجرهما سواء .
و عبد رزقه الله مالا و لم يرزقه علما ؛ فهو يتخبط في ماله بغير علم ؛ لا يتقي فيه ربه ، و لا يصل فيه رحمه ، و لا يعمل فيه بحق ؛ فهذا بأخبث المنازل .
و عبد لم يرزقه الله مالا و لا علما ؛ فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ؛ فهو بنيته ، فوزرهما سواء " صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في تخريج مشكاة المصابيح .
و قال تعالى " قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِىٓ إِلَىٰ رُكْنٍۢ شَدِيدٍۢ " -- الآية 80 من سورة هود -- .
3)- أن يقولها متحسّراً على طاعة فاتته فهذا جائز أيضاً ، و من ذلك قوله صلى الله عليه و سلم " لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما سقتُ الهدي ، و لحللتُ مع الناس حين حلّوا " -- أخرجه البخاري برقم 7229 ، و مسلم 1211 -- .
4)- أن يقولها على وجه التحسّر و الجزع على ما مضى ، فهذه " لو " المنهي عنها في الحديث ، و من ذلك قول المنافقين " لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا۟ " -- من الآية 168 من سورة آل عمران -- .
و فائدة تحرير محل النزاع : تقليل الخلاف و اختصار الوقت و الجهد و إبعاد ما ليس له علاقة بالموضوع و تحديد صحّة الاستدلال بالمسألة ، و ضمان لحصر الكلام و منع التشويش عليه ] .
3)- تكييفها الفقهي و تخريجها [ بمعنى : تصنيفها تحت ما يناسبها من النظر الفقهي :
مثال التخريج الخاطئ : القول في " الحسابات البنكية " أنها من باب الوديعة ، و هذا تخريج فقهي خاطئ ؛ لأن البنك يتصرّف فيها و الوديعة لا يحق للمودع التصرّف فيها ، و لأن الوديعة إذا تلفت من المؤتمن عليها لا يضمن بخلاف القرض .
فالتخريج السليم لمسألة " الحسابات البنكية " أن تكون من باب القرض لا الوديعة .
ذكر الشيخ مثالا آخر و هو " عقود الصيانة " .
و التكييف الفقهي للمسألة يكون بإدراجها تحت أحد النصوص الشرعية من الكتاب و السنة ، إما بدِلالة العموم أو المفهوم أو الإيماء أو الإشارة - و هذه من أبواب أصول الفقه - ، مثال ذلك :
دخول الشعر الصناعي الباروكة تحت قوله صلى الله عليه و سلم " لعن الله الواصلة و الموصولة " -- أخرجه البخاري برقم 5941 و مسلم برقم 2122 -- .
و يكون التأصيل الشرعي أحياناً بإلحاق المسألة بما يُشابهها من المسائل المنصوص عليها عند الفقهاء لتقاس عليها و تأخذ حكمها ، و هذ ما يُسمّى بالتخريج ، و مثال ذلك :
-- " الحمّمات العامة " و تخريج " البوفيه المفتوح " عليها .
-- تخريج استخدام مكبّرات الصوت للأذآن على التبليغ بالإلتفات عند الأذآن [ هنا كلام مهم : عدم الإلتفات في الأذآن مع وجود المكبّر ] .
و قد يكون التأصيل الشرعي بإدراج مسألة تحت قاعدة فقهية ، كإدراج مسألة الطواف في الدور الثاني تحت قاعدة " الهواء له حكم القرار " . ] .
4)- جمع النصوص و الآثار الواردة و تمحيصها لاختيار الحكم المناسب منها لهذه المسألة .
5)- الرجوع لكلام العلماء ممن تكلّم فيها من قِبَل الإستنارة بأقوالهم رحمهم الله .
6)- رد الشبهات و الاعتراضات .
-- صفاتُ المؤصّل :-
= معرفة الأدلة الكلية في الشريعة ( القرآن و السنة و الإجماع و القياس ، بالإضافة للستحسان و المصالح المرسلة .. إلى آخره ) .
= القدرة على إنزال الأحكام المجرَّدة في النصوص الشرعية على الوقائع الحياتية .
= ضرورة معرفة اللغة العربية و دلالات الألفاظ .
= أن يعرف طرق الإستنباط .
= أن يعرف مقاصد الشريعة .
= أن يكون ذا مَلَـكة علميّة واسعة راسخة .
-- و حتى يكون صاحب التأصيل موفّقاً بإذن الله فلا بد من :-
= التقوى ، و سلامة القلب ، و البعد عن الذنوب و المعاصي ، و الخوف من الله عز و جل .
-- مزالق في قضية التأصيل و الاستدلال :-
= الإقتصار على القرآن دون السُّــنَّــة .
= الإستدلال بالضعيف من السنن و الآثار .
= اتّباع المتشابه و ترك المحَكم .
= الإستدلال بالمنسوخات .
= أخذ بعض النص دون بعض .
= إهمال السبب الذي لأجله ورد النص .
-- فوائد الموضوع بشكل مُجْمَل ( مهم جداً )
هذا و نسأل الله تعالى أن ينفع بالمحاضرة أكثر عدد من الناس .
المفضلات