● المدرسة الناصرية: بناها صلاح الدين في مصر (الفسطاط) سنة 566هـ/ 1170م مكان سجن المعونة، وكان في ذلك الوقت وزيراً، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي.
● المدرسة القمحية: بناها صلاح الدين في أثناء وزارته، وجعل الدراسة فيها على المذهب المالكي.
● المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين بعد أن انفرد بحكم مصر، بجوار قبر الشافعي بالقرافة، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي، وأول من درس بها الفقيه الزاهد نجم الدين الخبوشاني (ت:587هـ/ 1191م)، وجعل له في كل شهر أربعين ديناراً عن التدريس. وعشرة دنانير عن النظر في أوقاف المدرسة، ورتّب له من الخبز في كل يوم ووقف ستين رطلاً، ورواتين من ماء النيل. ووقف عليها حمّاما بجوارها. وحوانيت بظاهرها وجعل فيها معيدين.
● المدرسة السيفية: أسسها صلاح الدين بعد أن أصبح ملكاً لمصر، جعل التدريس فيها على المذهب الحنفي، وعيّن للتدريس فيها الشيخ مجد الدين محمد بن محمد الجيني. ورتّب له في كل شهر أحد عشر ديناراً. وباقي ريع وقفها. يصرفه على ما يراه لطلبة الحنفية المقررين عنده. على قدر طبقاتهم.
المدارس التي بناها في بلاد الشام أو أمر بتجديد عمارتها فهي:
● المدرسة الصلاحية: بناها صلاح الدين في دمشق، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي.
● المدرسة الكلاّسة: بُنيت في زمن نور الدين محمود زنكي. وأمر صلاح الدين بتحديد عمارتها سنة 575هـ/1179م.
● المدرسة الغزالية: أسست في عهد نور الدين محمود زنكي، وأهتم صلاح الدين بإصلاحها. وجعل قرية (حزم) من أعمال حوران وقفاً عليها. وعلى المشتغلين بها من العلوم الشرعية وجعل النظر والتدريس فيها لقطب الدين مسعود النيسابوري الشافعي (ت:578هـ/1182م).
● في سنة 576هـ/ 1180م أمر ببناء مدرسة في الإسكندرية خلال زيارته لها. كما أمر ببناء مدرسة كبيرة في الموصل.
● المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين في مدينة القدس سنة 588هـ/1192م. وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي، وجعلها وقفاً على أهل العلم، ولحد الآن يوجد كتاب وقفها منقوشاً على حجر كبير وُضع على باب المدرسة، ونصها كالآتي: "بسم الله الرحمن الرحيم، وما بكم من نعمة فمن الله، هذه المدرسة المباركة وقفها مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين، أبو المظفّر يوسف بن أيوب بن شاذي محيي دولة أمير المؤمنين، أعزّ الله أنصاره، وجمع له بين خير الدنيا والآخرة، على الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رضي الله عنه، سنة ثمان وثمانين وخمسمائة".
● هذه المدارس التي شيّد صرحها صلاح الدين، لا نجد شيئاً منها منسوباً إليه في الظاهر، وإنما تُنسب لجهات أخرى: كأن تنسب إلى الفقيه الذي درّس بها، أو إلى المكان الذي توجد فيه، أو غير ذلك، وهذا كما يقول ابن تغري بردي "صدقة السر على الحقيقة".
● مدرسة دار الغزل: جعلها صلاح الدين للمالكية، وأوقف عليها أوقافاً كثيرة.
وإلى جانب المدارس، شيّد صلاح الدين أيضاً الجوامع الكثيرة والخانقات الصوفية، ولا يخفى أن هذه الأمكنة كان يُعقد فيها حلقات دروس في الفقه ومختلف العلوم الشرعية.
من المدارس التي أُسست في عهده والتي بناها غيره من أفراد الشعب نذكر:
● المدرسة الإقبالية: أنشأها خادم صلاح الدين جمال الدين بن جمال الدولة وقسمها إلى قسمين أحدهما للشافعية والآخر للحنفية.
● مدرسة منازل العز: كانت في الأصل داراً تابعة للقصر الفاطمي في القاهرة، اشتراها الأمير تقي الدين بن عمر شاهنشاه بن أيوب، ابن أخي صلاح الدين، وجعلها مدرسة للشافعية سنة 574هـ/1178م. كما بنى هذا الأمير في دمشق المدرسة التقوية. وأنشأ مدرستين بالفيوم للشافعية والمالكية كما بنى مدرسة فخمة في حماة.
● المدرسة العادلية: عمّرها أخو صلاح الدين العادل أبو بكر أيوب، في القاهرة، وكان بناؤها متقناً محكماً لا نظير له في بنيان المدارس.
● المدرسة الشامية: بنتها أخت صلاح الدين ست الشام في دمشق، وهي من مدارس الشافعية.
● مدرسة الصاحبة: بنتها ربيعة خاتون في دمشق للحنابلة.
● المدرسة الأزكشية: بناها الأمير سيف الدين أيازكوج الأسدي. أحد أمراء صلاح الدين، وجعلها وقفاً على الفقهاء من الحنفية.
● المدرسة العاشورية: كانت داراً لليهودي ابن جّميع الطبيب كاتب الأمير بهاء الدين قراقوش، فاشترتها منه الست عاشوراء بنت ساروح الأسدي زوجة الأمير ايازكوج الأسدي، ووقفتها على الحنفية، وكانت من الدور الحسنة.
● المدرسة الفاضلية: بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت: 596هـ/1200م) سنة 580هـ/1184م. ووقفها على الشافعية والمالكية، ووقف بها ما يقارب مائة ألف كتاب.
● المدرسة العصرونية: أنشأها قاضي القضاة الفقيه شرف الدين أبو سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون (ت: 585هـ/1189م).
● المدرسة القُطبية: بناها قطب الدين خسرو بن بلبل بن شجاع الهدباني في سنة 570هـ/1174. وجعلها وقفاً على الفقهاء الشافعية.
● المدرسة الارسوقية: بناها التاجر عفيف الدين عبد الله بن محمد الارسوقي (ت: 593هـ/1197م) في سنة 570هـ/1174م.
● الملاحظ في عهد صلاح الدين الأيوبي. أن الجامع الأزهر الذي بناه الفاطميون ليكون مركزاً لنشر عقائد الشيعة. لم يعد يحتل المرتبة الأولى بين مراكز العلم. بل أصبح في المرتبة الثانية من الأهمية، ويرجع ذلك إلى المدارس الكثيرة التي أحدثها صلاح الدين، ثم إلى نقله خطبة الجمعة من الأزهر إلى الجامع الحاكمي. وبقيت الخطبة معطلة بالجامع الأزهر إلى عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس (ت: 676هـ/1277م).
● لا شك في أن هذا العدد الهائل من الدارس، خلال المدة البسيطة التي حكم بها صلاح الدين والتي تقارب العشرين عاما، إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمامه الكبير بالعلم والعلماء، وليس غريباً عليه أن يصدر عنه هذا الاهتمام إذا عرفنا أنه كان فقيهاً في المذهب الشافعي "فكان يحفظ القرآن، وكتاب التنبيه في الفقه الشافعي"، وكان يكثر من مجالسة العلماء والاستماع إليهم، ومناقشتهم. كما سيتضح لنا فيما بعد.
● صلاح الدين بتشييده صروح العلم، أضاف إلى سجله الحافل بالانتصارات العسكرية على أعداء الإسلام، سجلاً أخر لا يقل أهمية عن السجل الأول، خلّد ذكراه وهو بعث المذهب السنّي من جديد في مصر والشام والحجاز. بل وفي العراق، بعد أن كان من المحتمل أن يتلاشى، لو قدر للدولة الفاطمية أن يُمد في عمرها.
● إن صلاح الدين في إنشائه المدارس، لم يفرق بين مذهب وآخر، ولا بين الفقهاء. بل أنشأ مدارس لجميع المذاهب السنّية. وبذلك عمل على استبعاد العصبيات المذهبية وأشاد سياسة تقوم على استقطاب جميع أهل السنة من أجل صُنع جبهة موحّدة، ليقوى بها من محاربة أعدائه.
● منذ اللحظة الأولى لتسلم صلاح الدين الوزارة في مصر، كان في نيته القضاء على الخلافة الفاطمية، وإحلال مذهب أهل السنة مكان المذهب الشيعي فكان أول عمل قام به هو "تحسين موقع الإسلام السنّي". وذلك بعزل جميع القضاة الشيعيين من مناصبهم واستبدلهم بقضاة سنّيين. من أتباع المذهب الشافعي.
● قام سنة 566هـ/ 1171م، بإسناد قضاء مصر إلى الفقيه الشافعي صدر الدين عبد الملك ابن درباس الكردي (ت: 605هـ/ 1209م). وعهد إليه باستنابة قضاة عنه في البلدان المصرية. يدل ذلك على أنه كان بمنزلة قاضي قضاة. ولا شك أن تنصيب قاضي قضاة سُني، مع وجود الخليفة الفاطمي "إجراء له دلالته السياسية الواضحة".
● قام ابن درباس بتنفيذ ما أسند إليه من مهام وأثبت جدارة في عمله. فقام بنقل خطبة الجمعة من الأزهر إلى المسجد الحاكمي كما قام بإسناد مناصب القضاة في المدن المصرية إلى فقهاء من الشافعية أسهموا بدورهم في نشر المذهب الشافعي، وبذلك استعاد المذهب السني قوته. وأدى ذلك إلى ضعف المذهب الشيعي، واخذ نجمه بالأفول عن سماء مصر حتى وقتنا الحاضر.
● عندما دخل صلاح الدين دمشق سنة 570هـ/ 1173م. بعد وفاة نور الدين زنكي، أبقى على قضائها كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت: 572هـ/ 1176م). رغم ما كان بينهما من عداوة. عندما كان صلاح الدين في دمشق، قبل قدومه إلى مصر. وبعد وفاة الشهرزوري. أسند صلاح الدين قضاء دمشق إلى الفقيه شرف الدين عبد الله بن أبي عصرون (ت: 585هـ/1189م).
● كان صلاح الدين كلما فتح بلداً فتح يولّي عليه قاضياً من أتباع المذهب الشافعي، وآخر من عيّن من القضاة قبل موته، هو القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم الشافعي. الذي عيّنه قاضياً على مدينة القدس وكان ذلك في سنة (588هـ/ 1192م).
● تجدر الإشارة إلى أن صلاح الدين، قد جعل قضاة مهمتهم، النظر في المنازعات والخصومات التي تقع بين أفراد الجيش. وأطلق عليهم قضاة الجند أو قضاة العسكر. ومن أشهر هؤلاء القضاة، القاضي بهاء الدين بن شدّاد، والقاضي شمس الدين محمد بن موسى، المعروف بابن الفرّاش.
● نظرا لاهتمامه بمذاهب أهل السنة. ولاسيما المذهب الشافعي، جعل القضاة والمدرسين في المدارس ممن يتبعونه، فلا غرابة إذن. أن يشيع المذهب الشافعي، وتصبح له الصدارة بين بقية مذاهب أهل السنة، وأدى ذلك إلى انحطاط منزلة المذهب الشيعي واندراسه. وانمحاء أثره، ولم يجرؤ أحد من أهل البلاد على إعلان تشيّعه.
● صلاح الدين بجعله القضاء على المذهب الشافعي بدل المذهب الشيعي يعتبر عمله هذا "كمن قام بانقلاب سريع لإجراء تغيير مذهبي، ولكنه لم يكن عنيفاً أو دموياً".
● القائد الناجح لا يقتصر نجاحه فقط على الوصول إلى كرسي الحكم، وإنما يتمثل نجاحه الحقيقي في قدرته على اختيار رجاله ومعاونيه. الذين يعتمد عليهم، في تسييره لأمور الدولة في مختلف المجالات من عسكرية. وسياسية. وإدارية. وغيرها. ومن هؤلاء الرجال الذي اعتمد عليهم صلاح الدين. الفقهاء الذين شغلوا أعلى المناصب في الدولة. فكان منهم الأمير في الجيش. وكاتب الديوان. والقاضي، والمحتسب، والمدرس، والخطيب.
● إذا كان صلاح الدين، قد حارب خصومه في الداخل والخارج بالسيف وغيره من أدوات القتال. فإن الفقهاء حاربوا الأعداء بأقلامهم وألسنتهم، عن طريق عملهم في القضاء. وتدريسهم في المدارس ووعظهم الناس في المساجد والخانقات فأدّوا دوراً هاماً في كشف زيف وبطلان مذهب الفاطميين. وفي إذكاء روح الجهاد في نفوس الجماهير. مما جعلهم يداً واحدة حول صلاح الدين. فمكّنه ذلك من تحقيق انتصاراته الخالدة على الصليبين.
● في بداية تسلم صلاح الدين للوزارة من قبل الخليفة الفاطمي العاضد (ت: 567هـ/1171م)، أدّى الفقهاء وعلى رأسهم الفقيه عيسى الهكّاري (ت: 589هـ/1193م) دوراً كبيراً في إقناع كبار الأمراء المعارضين لتولية صلاح الدين، أن يدخلوا في طاعته. وكان لهذا الدور الأثر الكبير في تثبيت قدم صلاح الدين في الحكم.
● كان للفقيه زين الدين بن النجا (ت: 600هـ/ 1204م) أيضاً، دوراً مهماً في ترسيخ ملك صلاح الدين في مصر. حيث يعود الفضل إليه في كشف المؤامرة الكبيرة التي تزعّمها عمارة اليمني (ت:569هـ/ 117م)، والتي استهدفت قتل صلاح الدين وأنصاره. وإعادة الدولة الفاطمية بالتعاون مع الصليبيين الحشيشية الإسماعيلية في الشام.
● لا غرابة إذن، أن يولي صلاح الدين الفقهاء اهتماماً كبيراً، وأن يجعلهم موضع رعايته وعنايته. فحفظ لهم جميلهم، ووثق بهم، وقرّبهم إليه. ولكن ليس هذا هو السبب المباشر لذلك الاهتمام، وإنما يرجع السبب إلى أن صلاح الدين نفسه كان لديه إطلاع واسع على الفقه الشافعي، حيث كان يحفظ كتاب التنبيه. بالإضافة إلى أنه كان متديناً ورعاً، تقياً، زاهداً، محافظاً على تأدية صلاة الجماعة في وقتها، إلى غير ذلك من الصفات الحسنة التي رُبّي عليها، ويجب أن لا ننس، أنه أدرك الدور الخطير الذي يمكن أن يقوم به الفقهاء من حيث قدرتهم على كسب الرأي العام وتحريكه نحو الجهة التي يريدها.
● إدراكاً منه لدور الفقهاء الهام في المجتمع، اهتمّ بهم اهتماماً كبيراً، وأفاض عليهم من نعمه وإحسانه، وأغدق الهبات والأُعطيات، يدل على ذلك أن العلماء في دولته، كان لهم إقطاعات، وراتب يقارب الثلاثمائة ألف دينار. كما قام بتقريب الفقهاء إليه فأحضرهم مجالسه، وكان يحسن الاستماع إليهم ويناقشهم في كثير من المسائل. وليس هذا بالآمر المستغرب إذا عرفنا أنه كان ذا ثقافة دينية واسعة. حيث حفظ القرآن الكريم وكثيراً من الأحاديث النبوية. بالإضافة إلى معرفته الواسعة بالمذهب الشافعي.
● من مظاهر اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أيضاً، أنه كان كثير الاستشارة لكبارهم، فكان لا يقطع أمراً إلا بعد أخذ رأيهم فيه ويأتي في طليعة كبار العلماء الذين كان يستشيرهم: كاتب ديوانه القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت:596هـ/1200م). يقول فيه صلاح الدين: "لم أفتح البلاد بسيفي وإنما برأي القاضي الفاضل". ويقول أبو شامة في استشارة صلاح الدين الدائمة للقاضي الفاضل"... وكان لا يأتي أمرا إلا من بابه".
● بلغ من اعتماد صلاح الدين على رأي القاضي الفاضل أنه في سنة 588هـ/1192م، عندما نوى تأدية فريضة الحج، استشار القاضي الفاضل، فأشار عليه بعدم الخروج للحج خوفاً من رجوع الصليبيين إلى القدس. وكان صلاح الدين قد حررها من أيديهم. وبالفعل، فقد أخذ برأي القاضي الفاضل ولم يحج.
● من بين العلماء الذين أكثر صلاح الدين من استشارتهم: الفقيه زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا، الذي كان له الفضل ـ كما أشرنا ـ في كشف مؤامرة عمارة اليمني، فقد جعله صلاح الدين من كبار مستشاريه، وكان يُسميه: عمرو بن العاص. بسبب دهائه وحسن حيلته. وكان كثيراً ما يأخذ برأيه لسداده. ويقول فيه أبو شامة (ت: 565هـ/1166م): "كان للفقيه زين الدين بن نجا. منزلة عالية عند صلاح الدين. أحسن السلطان إليه بالأعطيات والإقطاعات، وكان السلطان يستشيره، ويروقه تدبيره، ويميل إليه لقديم معرفته، وكريم سجيّته".
● منهم أيضاً: الفقيه أبو محمد عيسى بن محمد الهكّاري، الذي كان له الفضل ـ كما أشرنا ـ في إقناع كبار الأمراء المعارضين لتولية صلاح الدين الوزارة. في الدخول في طاعته. وكان لهذا الدور الأثر الكبير في تثبيت مركز صلاح الدين. حيث جاء في الساعات الأولى لتولي صلاح الدين الوزارة. ويبدو أن صلاح الدين لم ينس له هذا الجميل، لذلك قرّبه إليه، وأكرمه إكراماً وكان كثير الاستشارة له.
● بلغ من اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أنه كان شديد الحرص على حضور دروس الفقهاء الوعظية، وكان في كثير من الأحيان يصحب أبناءه معه لسماعها، ولاسيما دروس الفقيه الزاهد زين الدين بن نجا، ودروس الشيخ أبو الفتوح عبد السلام بن يوسف التنوخي، كما حرص صلاح الدين على حضور مجالس المحدّثين، يقول أبو شامة: "وكان يسمع الحديث بقراءة الإمام تاج الدين البندهي المسعودي"، وفي أثناء زيارته للإسكندرية سمع (الموطأ) على العالم أبي طاهر أحمد بن محمد السَّلفي (ت: 597هـ/1201م).
● مما يدل على اهتمام صلاح الدين بالفقهاء، أنه كان يقوم بزيارتهم في بيوتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها: أنه عندما قدم إلى دمشق سنة (571هـ/1175م). قام بزيارة القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت:573هـ/1177م) في منزله. وأزال ما كان بينهما من سوء تفاهم قديم يرجع إلى أثناء إقامة صلاح الدين في دمشق قبل رحيله إلى مصر، وقام بتثبيته قاضياً لدمشق ونواحيها، ومن جملة الحديث الذي دار بينهما خلال تلك الزيارة قول صلاح الدين للقاضي الشهرزوري: "... ما مشيت إلا لأزيل ما في خاطرك من الوهم، وأعرّفك أن ما في قلبي لك نكرة. فطب نفساً. وقرًّ عيناً. فالأمر أمرك. والبلد بلدك"
ولعمري هذه هي أخلاق العظماء من بني البشر. يحلمون عند المقدرة، بل ويتبعون الحلم الإحسان، وبذلك يجعلون من ألدّ الأعداء أصدقاء مخلصين. وهذه الحادثة إن دلت على شيء. فإنما تدل على أن صلاح الدين كان ذا نفسية صافية لا تعرف الحقد ولا البغض ولا الكراهية. وأن قلبه كان عامراً بالإيمان والتقوى وخشية الله سبحانه.
● في سنة 584هـ/1188ن. عندما ترك صلاح الدين (حلب)، سار إلى المعرّة، وهناك قام بزيارة للفقيه الزاهد أبي زكريا المغربي في بيته.
● لشدة ثقة صلاح الدين بالفقهاء، كان يتخير رسله ومبعوثيه إلى الخلفاء العباسيين والملوك والأمراء ومن الفقهاء، ممن اشتهر بسعة العلم، وحصافة الرأي، فقد قام صلاح الدين بإرسال وفد برئاسة الفقيه شمس الدين بن أبي المضاء إلى الخليفة العباسي المستضيء بنور الله (ت:575هـ/1180م)، وحمّله رسالة تتضمن إعلام الخليفة العبّاسي بعودة الخطبة باسمه في مصر، وفيها أيضاً يلتمس من الخليفة أن يُقلده البلاد التي يحكمها وكل ما يفتحه من بلاد، وقد نجح ابن أبي المضاء في مهمته. وترتب على هذه المهمة أن قام الخليفة بإرسال الخلع العباسية إلى صلاح الدين، وكتاب تقليد له بالبلاد التي يحكمها.
كما أرسل الفقيه عيسى الهكّاري إلى الملك العادل نور الدين محمود زنكي، وحمّله رسالة، يتعذر فيها لنور الدين من تركه لمحاصرة قلعة الكرك. وقد نجح الهكّاري في مهمته، حيث أن نور الدين زال ما في نفسه، من شكوك وظنون ساورته حول إخلاص صلاح الدين له.
● مما يدلنا أيضاً، على تقدير صلاح الدين للفقهاء وحبّه لهم، أنه كان عندما يدخل الفقيه إلى مجلسه يستقبله أجمل استقبال، ويجلسه إلى جانبه، كأنه أعزّ الناس إليه.
● صلاح الدين، في الهبات والأعطيات الكثيرة كان يمنحها الفقهاء، كان يرى أن ذلك حق لهم في بيت المال، وليس منة منه، يقول: "إن هؤلاء ـ الفقهاء ـ لهم في بيت المال حق، فإذا قنعوا منّا ببعض، فلهم المنّة علينا".
● أخيراً: الفقهاء أحبّوه كما أحبّهم، ووقفوا إلى جانبه، ونصروه لم يخذلوه، وبلغ من درجة حبهم له، أنه عندما مات، أرادوا أن يحملوه على أعناقهم.
● التقى صلاح السلطان مع صلاح العلماء، فكان صلاح المجتمع، وكانت الانتصارات الخالدة، التي تزهو بها أجيال المسلمين على مرّ العصور، فهل نعتبر؟








رد مع اقتباس


المفضلات