الصلاة و السلام على سيدنا محمد أكرم الخلق و أشرف المرسلين
أمّا بعد
كثيراً ما نسمع حكايات و قصص تحوي عبراً عن أمم قد خلت من قبلنا, و للأسف فنادرا ما نتعظ منها و نعتبر
أحمل لكم اليوم قصة بسيطة قد يعرفها بعضكم لكن لبأس في التذكير بها علّنا نعتبر منها ــ بدون إطالة :
تحكي هذه القصة عن شيخ كبير كان حافظاً للقرآن الكريم و مواظباً على تلاوته آناء الليل و أطراف النهار, و كان لهذا الشيخ حفيد, كان طفلا صغيراً يحب تقليد جده في قراءة و حفظ القرآن, و لكن للأسف لم يكن الفتى يفقه شيئاً ممّا يقرأ فيعجز عن حفظ آيات القرآن الكريم, فقصد جدّه متسائلا, فردّ عليه جدّه: لا بأس في ذلك يا بنّي واظب على القراءة فقط.
عاد الفتى ليواظب على التلاوة و لكن دون فائدة لم يكن يهم عدد المرات التي يقرأ فيها فهو لم يكن يفهم شيئاً و لا يحفظ حرفاً فقصد جدّه من جديد شاكيّا: لم يتغيّر شيء يا جدّي لا زلت على حالتي تلك, كثرة القراءة لا تساعدني على الحفظ, ثمّ كيف لي أن احفظ كلاما لست افهمه؟ فابتسم الشيخ لحفيده وطلب منه إحضار سلة من القصب كان يملكها, فنفذ الولد طلب جدّه و كانت تلك السلة متسخة بالكامل فطلب الجد من حفيده ملأ السلة بالماء من ماء النهر فذهب الفتى لملئها ولكن كان ما إن يصل إلى جده إلاّ و يكون الماء قد تسرب من ثقوب السلة فلا يبقى منه قطرة فيطلب منه جدّه إعادة الكرّة, فظل يفعل ذلك حتى أنهكه التعب فقال: يا جدّاه ما الفائدة من ملأ سلة ملئى بالثقوب بالماء فهي لن تحويه أبدا, نحن لم نستفد شيئاً مهما كرّرنا المحاولة و لن يتغير شيء, هنالك قال جدّه: أليس مثل هذه السلة مع مياه النهر كمثلك مع القرآن مهما حاولت ملأها بالماء لا تحفظه منه قطرة و أنت مهما قرأت من آيات الذكر الحميد لا تحفظ منه حرفاً, فقال الفتى: إي و الله يا جدّي, فقال الشيخ : إذن أنظر لحال السلة فهل حقّاً لم يتغير شيء, فنظر الفتى للسلة فوجدها نظيفة فتعجّب الفتى, فقال له جدّه: إنّ السلة صارت نظيفة من كثرة تغطيسها في الماء فمياه النهر غسلت السلة من تلك الأوساخ, كذلك هو القرآن يا بنّي فهو فكثرة تلاوته تطهّر القلب و تغسل الروح, فقراءته تكفي
نكتفي بهذا القدر من رواية هاته القصة فأظن أنّ الفكرة قد وصلت للقارئ
قراءة القرآن لها من الفضل الكبير والذّي نتجاهله بالكامل وهو لم يعد يلعب دوراً في حياتنا اليومية ناهيكم عن تطبيق ما جاء فيه للأسف, بل صرنا حتى نتكاسل عن قراءته, فبئسا لأمّة تنسى ذكر كلام الله
من منّا لا يملك مصحفاً؟؟ ولكن هل كلنا نقرأه يوميّاً؟؟؟؟ قد يقول لي البعض أجل نحن نقرأ, ولكن أقول لهم هناك أناس حتى في شهر رمضان شهر القرآن والتلاوة لا تفتح مصحفها أبداً, وهنالك أناس حتى لا تستوعب قيمة هذا الكتاب الذي يحوي كلام الله و من أجل من الله؟
للأسف شباب أمتنا اليوم تراهم يضعون تلك السماعات بآذانهم طول الوقت فتسأله ماذا تسمع؟؟ فيقول لك الأغنية الفلانية للمغنّي الفلاني, و تراه يحفظها فضلا عن غيرها, فتسأله عن ذلك فيجيب : كلامات هاته الأغنية معبّرة فيها إحساس عندما أسمعها أتأثر, و يكمل قوله إنّ كاتب هذه الأغنية حقّا شخص عظيم, و ترى آخر يواظب على المطالعة روايات لكاتب معيّن, فتسأله عن ذلك: فيقول لك إنّ كلام هذا الكاتب مذهل إنّه محق في كل كلامه, و ترى أخرى تسمع كلام فنان أو فنانة أو أي واحد من هؤلاء المشاهير فتحفظه عن ظهر قلب و يصبح كالحكمة التي تبني عليها حياتها فتسألها عن ذلك فتجيب كغيرها. فتسأل هؤلاء أو لم تجدوا كلاماً أفضل و قائلا أصدق و أحق من هؤلاء فيهزون رأسهم بغباء بالنفي و يردفون قائلين: لا اعتقد
لا اعتقد أنّه عليّ أن اشرح هذه النقطة فهي غنيّة عن التعليق
أين هي التلاوة من حياتنا اليومية؟؟؟؟
فيا من تضع في مكتب كتبك و حاسوبك و مصحفك, تفتح كتبك و تتصفحهم يوميّاً لسبب الدراسة أو للمطالعة و لا يمر عليك يوم إلاّ و فتحت حاسوبك و جلست عنده مدة من الزمن, و تركت مصحفك مهجوراً ألا يحزّ في نفسك أن ترى كتلة الغبار تلك فوق مصحفك بسبب إهمالك؟؟ ألا ترى أن كلام خالق الكون ذو الجلال والعظمة و الإكرام أنّه أولى ممّا تقراه في كتبك أو تسمعه من أشخاص هم عباد هذا الخالق, فأسألك هل كلام المخلوق أصدق قيلا من كلام الخالق؟؟؟؟
فقم و توضأ و توجه لمصحفك الغالي و احمله و أستغفر الرحمان و تعوّذ من الشيطان الرجيم, و افتحه واقرأ ما تيسّر لك من الذكر, و اسجد سجدتينلله تعالى بعد الانتهاء و قل استغفرالله ربيّ إنّي ظلمت نفسي يا ربّي فاغفر لي, و مجّد الله و سبّحه و كبّره تكبيراً, واظب على ذلك و تذّكر أنّه كلام خالقك كلام منزّه عن الخطأ, هو الحق, هو مطهّر القلوب و مصفيّ النوايا, فإن كان حفظه صعباً عليك, و فهمه أصعب, و تفسيره أكثر صعوبة, فإنّ أضعف الإيمان هو تلاوته فقط, فلا تحرم نفسك من هكذا أجر, ولا تدع وقتك يضيع في أمور لا تسمن ولا تغني من جوع, و لا تشفع لك يوم القيامة, و تذكّر أنّ ما تقرأه سيكون حصانة لك يوم القيامة, يشفع لك عند ربّ العالمين...
عليك بالتلاوة ... عليك بالتلاوة
هنا أصل لنقطة النهاية هذه رسالتي لكم أيّها الأعضاء الكرام, لا أنتظر ردودا منكم فأنا أعفيكم من ضرورة الرّد, لكنّي انتظر ردّا فعليّاً فيا من تقرأ موضوعي و ترى نفسك حقّاً مقصّراً في قراءة القرآن, أسألك بالله أن لا تمّر على كلامي مرور الكرام و أرجو أن تعمل به.
تـحيـــــــــــــــاتـــــــــــــــي
والصلاة والسلام على سيّدنا محمد و آله
المفضلات