الشبهة الثامنة والتاسعة :
شبهة القول أن الصحابة شهدوا على أنفسهم بتغيير سنة النبي صلى الله عليه وسلم :
وإستدلوا بأثرٍ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بحثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف، قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل أن يصلي، فقلت له: غيرتم والله، فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة" رواه البخاري.
وقالوا: أن الأمويين وأغلبهم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بزعمهم، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان كان يحمل الناس ويجبرهم على سب علي بن أبي طالبولعنه من فوق المنابر، وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل علي بن أبي طالب مثل ذلك، وأمر معاوية عماله في كل الأمصار باتخاذ ذلك اللعن سنة يقولها الخطباء على المنابر . . . .
من ردود العلماء على هذه الشبهة:
أثر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، على ما زعموا من تغيير الصحابة للسنة من أعجب العجب، فليس فيه ما يدل على زعمهم، بل فيه دلالة على قيام الصحابة بأمر السنة وإنكارهم على من خالفها، وهذا يتمثل في إنكار الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه على مروان في تقديمه الخطبة على صلاة العيد.
ومروان بن الحكم ليس من الصحابة، ولم تثبت له صحبة، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير وكان في الطائف.
وعلى هذا فلا يُحَمّل الصحابة فعل مروان، فكيف وقد أنكره من حضره من الصحابة وهو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه .
تقديم مروان للخطبة على صلاة العيد، وإن كان خطأً إلا أن العلماء ذكروا أنه إنما فعله مجتهداً.
القول بأن الأمويين وأغلبهم من الصحابة...ألخ، فغير صحيح فلم يتولى منهم سوى معاوية، أما عثمان رضي الله عنه فإن خلافته كانت في عهد الخلفاء الراشدين.
وأما قولهم: إن معاوية كان يحمل الناس على سب علي ولعنه فوق المنابر، وهذه دعوى تحتاج إلى صحة النقل.
ومعاوية منزه عن مثل هذه التهم، بما ثبت من فضله في الدين، فقد كان كاتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن أبعد المحال على من كانت هذه سيرته، أن يحمل الناس على لعن عليا على المنابر وهو من هو في الفضل.
ما استُدل به على تلك الفرية بما عزوه إلى صحيح مسلم فليس فيه ما يدل على زعمهم، وهم بهذا إنما يشيرون إلى حديث عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: "أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم.." الحديث .
قال النووي رحمه الله : "قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب".
كأنه يقول: هل امتنعت تورعاً، أو خوفاً، أو غير ذلك، فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعد قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار، أو أنكر عليهم، فسأله هذا السؤال..
وقال القرطبي رحمه الله : "قوله لسعد بن أبي وقاص: (ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟) وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق لمستحقه" . فحاشا معاوية أن يصدر منه مثل ذلك .
![]()
معاوية كان معظماً لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، معترفاً له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه.
قال ابن كثير رحمه الله : "أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: (والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني) .." .
ونقل ابن كثير أنه لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: "ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم" .
فهل يسوغ في عقل ودين أن يسب معاوية علياً بل ويحمل الناس على سبه وهو يعتقد فيه هذا!!.
لا يعرف بنقل صحيح أن معاوية تعرض لعلي بسب أو شتم أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته.
ثم أن معاوية انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب ودانت له الأمصار بالملك، فأي نفع له في سب علي ؟؟
شبهة أن الصحابة رضي الله عنهم غيروا في الصلاة :
ومن الشبهات قولهم بأن الصحابة غيروا في الصلاة:
يقول أحدهم: (قال أنس بن مالك: "ما عرفت شيئاً مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، قيل: الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها" .
وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: "لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت".
وأن أول من غير سنة الرسول في الصلاة هو خليفة المسلمين عثمان بن عفان وكذلك أم المؤمنين عائشة، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدراً من خلافته ثم أن عثمان صلى بعد أربعاً).
كما أخرج مسلم في صحيحه قال الزهري: قلت لعروة: (ما بال عائشة تتم الصلاة في السفر؟ قال أنها تأولت كما تأول عثمان) ..... ).
ردود العلماء:
هناك خلط بين حديثين في هذه الشبهة، حيث جعلتا حديثاً واحداً، فالحديث الأول رواه مهدي عن غيلان عن أنس قال: "ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، قيل: الصلاة، قال: أليس صنعتم ما صنعتم فيها" رواه البخاري.
والحديث الثاني عن عثمان بن أبي روّاد أخي عبد العزيز قال: سمعت الزهري يقول: "دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: "لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت" رواه البخاري.
أما بالنسبة لحديث أنس بن مالك الأول فإنه قصد من قوله: "أليس صنعتم ما صنعتم فيها" أنهم يؤخرونها حتى يخرج وقتها، وقد كان هذا في زمن الحجاج وليس زمن الصحابة رضي الله عنهم.
أما حديث أنس الآخر الذي رواه الزهري فكان في إمارة الحجاج على العراق أيضاً، وقد قدم أنس دمشق لكي يشكوا الحجاج للخليفة وهو إذ ذاك الوليد بن عبد الملك، أما المراد بقول أنس: "لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت" أي بتأخيرها عن وقتها، فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها،، لما رواه عبد الرزاق عن أبي جريح عن عطاء قال: "أخَّر الوليد الجمعة حتى أمسى، فجئت وصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب".
وما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال: "صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسّى الحجاج بالصلاة فقام أبو جحيفة فصلى، ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخّر الصلاة ترك أن يشهدها معه".
إطلاق أنس لا يفهم منه أن هذا موجوداً في جميع بلاد الإسلام بل هو محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة، وإلا فإنه قدم المدينة فقال: "ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف" رواه البخاري، والسبب فيه أنه قدم المدينة وعمر بن عبد العزيز أميرها حينئذ.
أما قوله عن عثمان وعائشة في أنهما غيّرا في الصلاة ،، فأقول: الصلاة المقصودة هنا هي في باب السفر هل تقصر أم تتم؟؟ ، وهذا الأمر فيه خلاف بين أهل العلم لمن له أدنى إلمام بالفقه، وقد روي الخلاف بين الصحابة أيضاً في ذلك.
ومن هنا نعلم أن القصر في السفر هو رخصة من الله، والإنسان مخير بين الأخذ به أو تركه كسائر الرخص، فالصحابة لم يغيّروا في الصلاة، فجعلوا الصبح أربعاً! أو قصروا صلاة المغرب فجعلوها ركعة!!؟
لكن ما نقول اليوم ؛ عن صلاة الرافضة ؟؟ أهي صلاة المسلمين ؟! ، أم لدينٍ آخر ؟! ..
وسنُتْبِعُها بآُخْرى .....




رد مع اقتباس






المفضلات