السؤال :
ما معنى صلة الرحم ؟
الجواب:
الحمد لله
لقد دعا الإسلام إلى صلة الرحم لما لها من أثر كبير في تحقيق الترابط الاجتماعي ودوام التعاون والمحبة بين المسلمين . وصلة الرحم واجبة لقوله تعالى : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) سورة النساء آية1 . وقوله : ( وآتِ ذا القربى حقه والمسكين ) سورة الإسراء آيه 26 .
وقد حذر تعالى من قطيعة الرحم بقوله : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) سورة الرعد آيه 25 . وأي عقوبة أكثر من اللعن وسوء الدار تنتظر الذين يقطعون أرحامهم ، فيحرمون أنفسهم أجر الصلة في الآخرة ، فضلا عن حرمانهم من خير كبير في الدنيا وهو طول العمر وسعة الرزق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ". رواه البخاري (5986) ومسلم (2557) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة . قال : نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك. قالت : بلى . قال : فذاك لك " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أقرأوا إن شئتم ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) صحيح مسلم بشرح النووي 16/112
إذا عرفنا هذا فلنسأل من هو الواصل للرحم ؟ هذا ما وضّحه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " رواه البخاري (5645).
فإذا كانت العلاقة ردا للجميل ومكافأة وليس ابتداء ومبادرة فإنها حينئذ ليست بصلة وإنما هي مقابلة بالمثل ، وبعض الناس عندهم مبدأ : الهدية مقابل الهدية ، ومن لم يهدنا يحرم ، والزيارة مقابل الزيارة ، ومن لم يزرنا يقاطع ويهجر ، فليست هذه صلة رحم أبدا وليس هذا ما طلبه الشّارع الحكيم ، وإنما هي مقابلة بالمثل فقط وليست هي الدرجة العالية التي حثّت على بلوغها الشّريعة . قال رجل لرسول الله عليه وسلم : إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال : " إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك " . رواه مسلم بشرح النووي 16/ 115 . والملُّ هو الرماد الحار . ومن يطيق أن يلقم الرماد الحار أعاذنا الله من قطيعة الرحم .
...........
السؤال :
قال خالي لوالدتي إنه لا يرغب في رؤية عائلتنا بعد الآن أبدا. فما هو دورنا في هذه الحالة، وأرجو أن تضع في الحسبان أننا لم نفعل أي شيء يغضبه أو يغضب عائلته؟.
الجواب :
الحمد لله
لا بدّ من البحث عن السبب ، فليس من المتوقّع أن يحدث مثل هذا الموقف بدون أي سبب ، لكن يمكن أن يكون قد خفي عليكم ، وإذا لم تكونوا تعمدتم فعل شيء يغضبه فلا تتحملون مسئولية ما حدث من القطيعة ، لكن عليكم الصبر ، والإحسان إليه وان أساء إليكم فلعله أن يرجع حين يرى حسن خلقكم .
وكثيرا ما تكون مثل هذه المواقف الصّارمة والقاسية آنيّة ومؤقتة وتكون قد نشأت عن ظرف معيّن غضب الشّخص بسببه فإذا سكن غضبه ومرّت فترة من الهدوء عادت الأمور إلى ما كانت عليه أو قريبا من ذلك ، وقد تحصل أحداث شديدة ومواقف متشنجة توافق طبيعة نفسية سيئة وحقدا وقابلية للتشبّع بالضغائن فينتج عن ذلك قطيعة طويلة الأمد فلا بدّ في الحالة هذه من التنفيس التدريجي للأطراف بحيث تخفّ حدّة الكراهية مع تذكير القاطع لرحمه بحقّ القرابة وما ذكر الله ورسوله في هذا الأمر والوعيد الشديد لمن قطع رحمه ، وإذا وُجد حقّ مأخوذ ظلما من أحد الأطراف وجب السعي إلى إعادته إليه ولا بأس من محاولة ردّ الاعتبار إلى الطرف المظلوم عن طريق الاعتذار والقيام بجلسة مصالحة وما شابه ذلك مما يدخل في قوله تعالى : ( فأصلحوا ذات بينكم ) ويرجو القائم بالصّلح الأجر المذكور في قوله تعالى : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(114) سورة النساء
وقد يكون من الأفضل أحيانا تأخير التدخّل والبدء في حلّ المشكلة إلى حين تهدأ فيه الأمور وتكون النفوس قابلة لفتح الموضوع والسماع للمصلحين والاستجابة لمقترحاتهم .
نسأل الله أن يهدي الجميع .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
المفضلات