قد يستنكر بعض النّاس وصف الاحتفال بعيد الأم بالبدعة،
فمهما كان في هذا الاحتفال من معان جميلة فإنّها لا تُخرجه عن كونه بدعة؛ ولأنّه :
أولًا وقبل كل شيء ليس من أمر الإسلام،فقد قال عليه الصلاة والسلام:
«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» [أخرجه أحمد ومسلم].
وثانيًا لأنّه من بدع النصارى واليهود، قال شيخ الإسلام:
"وما هم عليه من الهدى والعمل هو من سبيل غير المؤمنين، والذين لا يعلمون"
وثالثا : من يستنكرون وصفه بالبدعة لا يعرفون أسباب هذا الوصف،
وهنا نبين أسباب وصفه بالبدعة، وأدلة عدم جواز الاحتفال به:
1- ليس هناك دليل على تخصيص الأم باحتفال؛ لأنّها قامت بتربية أولادها
وتعبت في تنشئتهم، ولو كان هذا حقًا لما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم،
ولبيـّنه للنّاس، كيف وهو الذي عرفنا قدر الأم ومنزلتها وحقوقها.
2- ليس هناك دليل على تخصيص يوم محدد بعينــه لهذا الاحتفال،
فالإسلام وصى بتكريم الأم، ورفع من قدرها ومكانتها،
ونبه على حقوقها، ومع ذلك لم يأمر بتخصيص يوم معين لتكريمها والاحتفال بها،
عن هشام بن محمد بن سيرين قال: "أتى علي - رضي الله عنه - بمثل النيروز،
فقال: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز.
قال: فاصنعوا كل يوم نيروزًا. قال: أسامة كره - رضي الله عنه- أن يقول النيروز"،
قال البيهقي: "وفي هذا كراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصًا به".
3 - ليس هناك دليل على تخصيص 21 مارس أو غيره من الأيّام من كل عام
للاحتفال بهذا اليوم،
إنّما هو محض أهواء ـ كما سبق أن بينا ـ لا أساس لها في الشرع.
4 - أنّ في الاحتفال بهذا اليوم موافقة لاحتفال المجوس وغيرهم بعيد النيروز
وهو عيد وثني، يحتفلون به في 21 من شهر مارس الشمسي، وهو بدء فصل الربيع.
5 - أنّ تعظيم هذا اليوم تحول إلى عقيدة تربت عليها أجيال
حتى رأوها من واجبات البر بالأم، وهذا من النتائج التي يُـنهى عن البدع من أجلها.
والمتأمل في واقع كثير من مجتمعات المسلمين اليوم يجد هذا الأمر واضحًا،
فمن جهة الأبناء من لم يشارك في الاحتفال بتقديم هدية ونحو ذلك
نُظر إليه بعين التقصير وشعر بالذنب والإثم.
واعتقد كثير من الأمهات بوجوب تكريمهم في هذا اليوم،
حتى صار كثير منهن يحزنّ إذا لم يقدم لهن الأبناء الهدايا أو ما يعبـّر عن الاحتفال بهذا اليوم،
وقد يتسبب ذلك في حدوث بعض الإعراض والغضب من إحداهن على من لم يحتفل
من أبنائها بها في هذا اليوم،
وهذا من أخطر فتن الاحتفال بهذا اليوم ومخاطره،
حيث تحولت العادة إلى عبادة، وشعر النّاس بالإثم في تركها، والحرج في إهمالها،
قال شيخ الإسلام فيما أصله مباحًا لكن جعله بعض النّاس مستحبًا أو واجبًا:
"المباحات إنّما تكون مباحة إذا جعلت مباحات،
فأما إذا اتُخذت واجبات أو مستحبات كان ذلك دينًا لم يشرعه الله ...
ولا دين إلاّ ما شرعه الله، ولهذا عظم ذمّ الله في القرآن لمن شرع دينًا لم يأذن الله به...
فهذا أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به" ، (مجموع الفتاوى، 11/ 450)
فإذا كان هذا في المباح؛ فكيف بما أصله بدعة عن اليهود والنصارى؟!
6 - أنّ في الاحتفال به موافقة لليهود والنصارى في أعيادهم،
وهذا ما يخالف مقصود الشرع،
حيث شرعت لنا في الإسلام كثير من العبادات على وجه وكيفية
قُصد بها من ضمن ما قصد مخالفة الكفار،
والبعد عن التشبه بهم، وموافقتهم؛ سواء في الوقت، أو في المكان،
أو في المناسبة، أو في الكيفية، أو في الجهة،
وخذ مثلًا : تغيير القبلة لمخالفة الكفار، وورد النهي عن اتخاذ الناقوس كالنصارى
للإعلام بوقت الصلاة.. وغير ذلك كثير.
وفي موافقتهم واتباعهم فيما يبتدعون في الدين خطر كبير، قال تعالى:
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [سورة النساء: 115].
قال أبو الحسن الآمدي في كتاب (عمدة الحاضر وكفاية المسافر):
"فصل: لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود.
نص عليه أحمد، واحتج بقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [سورة الفرقان: من الآية 72]، قال : أعيادهم".
7 - أنّه عيد ليس له أصل في شرعنا ولا في شرعهم،
ولا نزل به أمر في كتاب من كتب الأنبياء عليهم السلام،
بل لم يؤثر عن أحد في كتاب لا في الصحيح ولا في الضعيف من الأحاديث والروايات،
قال شيخ الإسلام:
"فليس النهي عن خصوص أعيادهم،
بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام،
وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك"
. (مهذب اقتضاء الصراط المستقيم، ص 178)،
فإذا كان تقليـدهم فيما قد يكـون له أصـل في شرعهم منهي عنه بشدة،
فالنهي عما ليس له أصل بل هو من محض أهوائهم أشد وأعظم، قال عز وجل:
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}[سورة البقرة: 120]،
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى، بعد ما علموا من القرآن والسنّة،
عياذًا بالله من ذلك، فإنّ الخطاب للرسول والأمر لأمته".
(تفسير ابن كثير، 1/ 163).



رد مع اقتباس









المفضلات