السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركــاته ..
أغـــــرُ عليــــه لـــلنبــوة خـــاتــــم***من الله مشـــهود يلــــوحُ ويُـشْــهدُ
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه***إذا قال فــي الخمس المؤذنُ أشهدُ
وشـق لـــه من اســــــمه ليُجـلــه***فذو العـــرش محمــود وهذا مــحمدُ
نبي أتــانا بعـــد يـــــأسٍ وفــتــــرةٍ***من الرسْل والأوثانُ في الأرض تُعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهــاديًا***يـــلـــوح كما لاح الصــقـيل المهنـــدُ
وأنــذرنــــا نــــارًا وبــــشر جــنـــــة***وعلمــنا الإســــلام فاللـــه نــحمــدُ
(حسان بن ثابِت).
هو خير أهل الأرض نسبًا على الإطلاق فلنسبه من الشرف أعلى ذروة، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك، ولهذا شهد له به عدوه
إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم، فأشرف القوم قومه، وأشرف القبائل قبيلته، وأشرف الأفخاذ فخذُه.
فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن
فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
إلى ها هنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة، وما فوق عدنان مختلف فيه، ولا خلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام.
وأسماؤه كلها نعوت ليست أعلاماً محضة لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به توجب له المدح والكمال.
فمنها محمد وهو أشهرها وبه سمي في التوراة صريحاً، ومنها أحمد وهو الاسم الذي سماه به المسيح، ومنها المتوكل، ومنها الماحي، والحاشر،
والعاقب، والمقفي، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، والفاتح، والأمين.
ويلحق بهذه الأسماء: الشاهد، والمبشر، والبشير، والنذير، والقاسم، والضحوك، والقتَّال، وعبد الله، والسراج المنير، وسيد ولد آدم، وصاحب لواء الحمد،
وصاحب المقام المحمود، وغير ذلك من الأسماء؛ لأن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح فله من كل وصف اسم، لكن ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به
أو الغالب عليه، ويشتق له منه اسم، وبين الوصف المشترك فلا يكون له منه اسم يخصه.
قال جبير بن مطعم: سمى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه أسماء فقال: ((أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، والعاقب الذي ليس بعده نبي)).البخاري: (3532) ومسلم: (2354) واللفظ له.
وإن جعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين كالصادق والمصدوق والرؤوف والرحيم إلى أمثال ذلك.
طولهُ وعرضه:
كان رَسُولُ صلى الله عليه وسلم ربعة لا بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلا بِالْقَصِيرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ –أي: عريض أعلى الظهر-.
رأسه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَخْمَ الرَّأْسِ –أي: عظيم الرأس-، وقد قيل أن هذا دليل على كمال القوى الدماغية، وهو آية النجابة.
وجهه:
سئل جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ رضي الله عنه: أكان وَجْهُُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِثْلُ السَّيْفِ؟ قَالَ: لا بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا.
جبينه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاض الجبين -أي: واسع الجبين-.
لحيته:
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحية سوداء كثة، تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
عينه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ –طويل شق العين-، مُشرب العين بحمرة- هي عروق حمر رقاق،وهي من علاماته صلى الله عليه وسلم
التي في الكتب السالفة-، أسود الحدقة، أهدب (الأهدب: الطويل) الأشفار (حروف العين التي ينبت عليها الشعر).
فمه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَلِيعُ الْفَمِ (واسع الفم)، حسن الثغر.
يداه ورجلاه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ (أي: أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر)، ويحمد ذلك في الرجال؛ لأنه أشد لقبضهم،
ويذم في النساء، وكان صلى الله عليه وسلم مَنْهُوسَ الْعَقِبِ (معناه قَلِيلُ لَّحْمِ الْعَقِبِ).
شيبه:
كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو من عشرين شعرة بيضاء، وكان إذا ادهن واراهن الدهن.
لونه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ليس بالأبْيَضِ الأمْهَقِ (البياض الشديد كلون الجص)، وَلا بِالآدَم (الأسمر).
شعر رأسه:
كان شعره صلى الله عليه وسلم أسوداً رجُِلاً بكسر الجيم وضمها لم يكن بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، (الجعد: الشعر فيه التواء وانقباض، والقطط: شعر الزنج)،
وَلا بِالسَّبِطِ (السبط: الشعر المسترسل)، يَضْرِبُ إلى مَنْكِبَيْهِ.
كراديسه "عظامه":
كان صلى الله عليه وسلم عظيم الكراديس –وهي رءوس العظام، واحدها كردوس، وقيل: هي ملتقى كل عظمين ضخمين
كالركبتين والمرفقين والمنكبين؛ أراد أنه ضخم الأعضاء.
مَسْرُبَته:
كان صلى الله عليه وسلم طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ (والمسربة: هي الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة).
مشيه:
كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى يتكفأ (أي: يتمايل إلى قُدَّام كالسفينة في جريها)، كَأَنَّمَا انْحَطَّ مِنْ صَبَبٍ (والصبب المنحدر من الأرض).
صفة ظهره وخاتم نبوته:
كان ظهر النبي صلى الله عليه وسلم كأنه سبيكة فضة، وعليه خاتم مثل الغُدَّة (الغدة: قطعة من اللحم)، أحَمْر اللون إذا صغرت في وصفها فهي كبَيْضَةِ الْحَمَامَةِ -أي مدوراً-،
وإذا كبرت في وصفها قيل: كقبضة اليد مجتمعة، حولها شامات سود، وشعرات مجتمعات، وأما مكانه فكان بين كتفيه عند ناغض (الناغض: أعلى الكتف.
وقيل: هو العظم الرقيق الذي على طرفه) كتفه اليسرى (أي أقرب إلى الأيسر).
لين ملمسه:
يقول أنس بن مالك: ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم؟
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في سفر فما مسست شيئاً قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم.
ملاحته وحسنه:
عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ (مضيئة مقمرة)،
فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْقَمَرِ،وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنْ الْقَمَرِ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيضَ كأنما صِيغَ من فضة، رَجِلَ الشعر (منظف الشعر ومسرحه ومحسنه).
وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا بقى عَلَى وَجْهِ الأرْضِ أحدٌ رَآهُ غَيْرِي.
قُلْتُ: صِفْهُ لي، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا (أي: ليس بجسيم ولا نحيف، ولا طويل ولا قصير).
معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتاز عن أمته بحل التزوج بأكثر من أربع زوجات لأغراض كثيرة، فكان عدد من عقد عليهن ثلاثة عشرة امرأة،
منهن تسع مات عنهن، واثنتان توفيتا في حياته، إحداهما خديجة، والأخرى أم المساكين زينب بنت خزيمة، واثنتان لم يدخل بهما، وها هي أسماؤهن وشيء عنهن:
1-خديجة بنت خويلد، تزوجها وهو في خمس وعشرين من سنه، وهي في الأربعين، وهي أول من تزوجها من النساء، ولم يتزوج عليها غيرها، وكان له منها أبناء وبنات، أما الأبناء، فلم يعش منهم أحد، وأما البنات فهن: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. ماتت في السنة العاشرة من النبوة، وعمرها 65 سنة.
2- سودة بنت زمعة، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة عشر من النبوة، بعد وفاة خديجة بنحو شهر، توفيت بالمدينة في شوال سنة 54هـ .
3ـ عائشة بنت أبي بكر الصديق، تزوجها في شوال سنة إحدى عشرة من النبوة، بعد زواجه بسودة بسنة، وقبل الهجرة بسنتين وخمسة أشهر، تزوجها وهي بنت ست
سنين، وبني بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر في المدينة، وهي بنت تسع سنين، وكانت بكراً ولم يتزوج بكراً غيرها، وكانت أحب الخلق إليه، توفيت في 17 رمضان
سنة 57هـ أو 58 هـ ودفنت بالبقيع.
4- حفصة بنت عمر بن الخطاب، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة 3هـ، وتوفيت في شعبان سنة 45هـ بالمدينة، ولها ستون سنة، ودفنت بالبقيع.
5- زينب بنت خزيمة من بني هلال بن عامر بن صعصة، وكانت تسمى أم المساكين، لرحمتها إياهم ورقتها عليهم، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 4 هـ.
ماتت بعد الزواج بنحو ثلاثة أشهر في ربيع الآخر سنة 4هـ، فصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ودفنت بالبقيع.
6- أم سلمة هند بنت أبي أمية، كانت تحت أبي سلمة، وله منها أولاد، فمات عنها في جمادى الآخر سنة 4 هـ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال
من السنة نفسها، وكانت من أفقه النساء وأعقلهن. توفيت سنة 59هـ، وقيل : 62هـ ودفنت بالبقيع، ولها 84 سنة.
7- زينب بنت جحش بن رباب من بني أسد بن خزيمة، وهي بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة
خمس من الهجرة. وقيل: سنة 4هـ، وكانت أعبد النساء وأعظمهن صدقة، توفيت سنة 20هـ ولها 53 سنة. وكانت أول أمهات المؤمنين وفاة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
صلى عليها عمر بن الخطاب، ودفنت بالبقيع.
8- جويرية بنت الحارث سيد بنى المصطلق من خزاعة، كانت في سبي بني المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فقضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم كتابتها، وتزوجها في شعبان سنة 6 هـ . وقيل: سنة 5هـ، فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق، وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت
أعظم النساء بركة على قومها. توفيت في ربيع الأول سنة 56هـ، وقيل : 55 هـ . ولها 65 سنة.
9- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، كانت تحت عبيد الله بن جحش، فولدت له حبيبة فكنيت بها، وهاجرت معه إلى الحبشة، فارتد عبيد الله وتنصر، وتوفي هناك، وثبتت أم
حبيبة على دينها وهجرتها، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميه الضمري بكتابه إلى النجاشي في المحرم سنة 7 هـ . خطب عليه أم حبيبة فزوجها إياه
وأصدقها من عنده أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة. فابتنى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من خيبر. توفيت سنة 42 هـ، أو 44هـ، أو 50هـ.
10- صفية بنت حيي بن أخطب سيد بن النضير من بني إسرائيل، كانت من سبي خيبر، فاصطفاها رسول الله صلى الله وعليه وسلم لنفسه، وعرض عليها الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها بعد فتح خيبر سنة 7هـ، توفيت سنة 50 هـ وقيل: 52هـ، وقيل: 36 هـ ودفنت بالبقيع.
11- ميمونة بنت الحارث، أخت أم الفضل لبابة بنت الحارث، تزوجها في ذي القعدة سنة 7 هـ، في عمرة القضاء، بعد أن حل منها على الصحيح.
وابتنى بها بسرف على بعد 9 أميال من مكة، وقد توفيت بسرف سنة 61 هـ، وقيل : 63، وقيل : 38 هـ ودفنت هناك.
كان أول من ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة القاسم، وبه كان يُكنى، ثم وُلدت له زينب، ثم رقية، ثم فاطمة، ثم أم كلثوم، ثم وُلد له في الإسلام عبد الله
فسُمي الطيب والطاهر، وأمهم جميعاً خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَيِّ وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصمّ، وكان أول من مات من ولده القاسم، ثم مات عبد الله
بمكة، فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع ولده فهو أبتر فأنزل الله، تبارك وتعالى: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (الكوثر: 3)، وهذه نبذة يسيرة عن أولاده صلى الله عليه وسلم:
1.القاسم: وُلد بمكة قبل النبوة، ومات بها وهو ابن سنتين وأشهر، وقيل: عمرهُ سبعة أيام، وقيل: سبعة أشهر، وقيل: عاش حتى مشى،
وبه كان يُكنى، وأمه خديجة بنت خويلد.
2.زينب: هي أول من وُلد من البنات، تزوجها في حياة أمها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع، فولدت له أمامة التي تزوج بها علي بن أبي طالب بعد فاطمة، وولدت له علي بن أبي
العاص، الذي يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه وراءه يوم الفتح، وهاجرت قبل إسلام زوجها بست سنين، ولما أسلم ردها النبي عليه الصلاة والسلام إليه بالنكاح
الأول، وقيل: بل ردها إليه بنكاح جديد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها، ويثني عليها رضي الله عنها، عاشت نحو ثلاثين سنة، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة، وغسلتها
أم عطية.
3.رُقية: وهي البنت الثانية من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل الهجرة فلما أنزلت: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (المسد:1)، قال أبوه: رأسي من
رأسك حرام، إن لم تطلق بنته، ففارقها قبل الدخول، وأسلمت مع أمها، وأخواتها، ثم تزوجها عثمان، هاجرت معه إلى الحبشة الهجرتين جميعا، وولدت له ولداً اسمه عبد الله، وبه
كان يكنى، وبلغ ست سنين، فنقره ديك في وجهه، فطَمِر (ورِمَ) وجهُهُ، فمات، ولم تلد له شيئاً بعد ذلك، ثم هاجرت إلى المدينة بعد عثمان، ومرضت قبيل بدر، فخلف النبي
صلى الله عليه وسلم عليها عثمان؛ فتوفيت، والمسلمون ببدر.
4.فاطمة: سيدة نساء العالمين، وهي أحبُّ بناته إليه صلى الله عليه وسلم، وُلدت سنة إحدى وأربعين من مولده، وقيل: قبل النبوة بخمس سنين، وماتت بعده بستة أشهر،
وتزوَّجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فولدت له الحسن والحسين، وزينب ومحَسِّناً، وأم كلثوم التي تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وجهَّزها عليه الصلاة
والسلام بجلد وجرَّةٍ ورحى.
5.أم كلثوم: وهي البنت الرابعة من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها عتيبة بن أبي لهب، ثم فارقها، وأسلمت، وهاجرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما توفيت
أختها رقية، تزوج بها عثمان وهي بكر في ربيع الأول، سنة ثلاث، فلم تلد له، وتوفيت في شعبان، سنة تسع.
6.عبد الله الطيب: وُلد بعد النبوة، وقيل قبلها، وكان يلقب بالطيب والطاهر، وقيل: هما اثنان، وتوفي صغيراً.
7.إبراهيم: أمه مارية القبطية، أهداها له المُقوقس، وُلد بالمدينة في ذي الحجة سنة ثمانٍ، ومات بها سنة عشرٍ وهو ابن سبعة عشر شهراً، أو ثمانية عشر شهراً، وكُسفت
الشمسُ يومَ مات، فقال الناس: كُسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته))
البخاري: (1042) ومسلم: (914). وقال عليه الصلاة والسلام عند موته: ((تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون)) البخاري: (1303)
ومسلم: (2315) واللفظ له، ولما مات قال عليه الصلاة والسلام: ((إن له مرضعاً في الجنة)) البخاري: (1382).
1-أشهر خدمه صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك بن النضر رضي الله عنه، الأنصاري، النَّجَّاريُّ، كناه النبي عليه الصلاة والسلام بأبي حمزة، ولد بالمدينة، وأسلم
صغيراً،كان من أخص خدامه عليه الصلاة والسلام، خدمه عشر سنوات، مدة مُقامه بالمدينة، فما عاتبه علي شيء أبدا، ولا قال لشيء فعله لم فعلته، ولا لشيء لم يفعله إلا
فعلته، دعا له النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ((اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ)) رواه البخاري(5975)، فاستجاب الله دعائه عليه الصلاة والسلام، فكثر ماله رضي الله عنه،
حتى إن عنباً له كانت تحمل في السنة مرتين، وبورك له فيه، ورُزق من الأولاد عددا كبيرا، قيل: مائة وستة، وطال عمره، فقد مات بعد أن تجاوز المائة. شهد خيبر وعمرة القضاء
والفتح وحنينا والطائف وما بعد ذلك، وكان أحسن الناس صلاة في سفره وحضره، وكانت وفاته بالبصرة، وذلك في سنة ثلاث وتسعين، وأما عمره يوم مات فقد جاوز المائة سنة.
2- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أحد أئمة الصحابة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا وما بعدها، كان يلي حمل نعلي النبي صلى الله عليه وسلم، ويلي طهوره، ويرحل دابته إذا أراد الركوب، وكانت له اليد الطولى في تفسير كلام الله، وله العلم الجم، والفضل والحلم، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان يدخل على
النبي عليه الصلاة والسلام بدون استئذان، وهو رابع أربعة من الصحابة الذين أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأخذ القرآن عنهم، بل إنَّ النبي عليه الصلاة والسلام طلب منه أن
يقرأ عليه القرآن، فقال له: ((اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ)) فقال: "يا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟" قال: ((إني أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ من غَيْرِي))) فَقَرَأْ عليه (من سورة) النِّسَاء حتى إذا
بَلَغْ: فَكَيْفَ إذا جِئْنَا من كل أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلَاءِ شَهِيدًا فرَفَع رَأْسه، فَرَأَى دُمُوعَهُ تَسِيل عليه الصلاة والسلام! والقصة في البخاري(4306) ومسلم (800). وكان يشبه
النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته، يعني أنه يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وكلامه، ويتشبه بما استطاع من عبادته، ومناقبه رضي
الله عنه كثيرة، توفي رضي الله عنه في أيام عثمان سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين بالمدينة عن ثلاث وستين سنة، ودفن بالبقيع.
3-ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، أبو فراس، كان يقوم بحوائجه عليه الصلاة والسلام نهاره أجمع، حتى يصلي عليه الصلاة والسلام العشاء الآخرة، ثم يجلس ببابه إذا دخل بيته، لعلها تحدث له حاجة، حتى يقوم بقضائها، وهو صاحب وضوئه صلى الله عليه وسلم، فعن ربيعة قال: "كنت أَبِيتُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آتِيهِ بِوَضُوئِهِ
وَبِحَاجَتِهِ، فقال: ((سَلْنِي)) فقلت: مُرَافَقَتَكَ في الْجَنَّةِ، قال: ((أَوَ غير ذلك)) قلت: هو ذَاكَ، قال: ((فَأَعِنِّي على نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)). وكان من أصحاب الصفة، ولم يزل مع
النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض، فخرج من المدينة فنزل في بلاد أسلم على بريد من المدينة، وبقى إلى أيام الحرة، ومات بها سنة ثلاث وستين.
4-بلال بن رباح رضي الله عنه، ولد بمكة، وكان مولى لأمية بن خلف فاشتراه أبو بكر منه بمال جزيل؛ لأن أمية كان يعذبه عذابا شديدا ليرتد عن الإسلام، فيأبى إلا الإسلام رضي
الله عنه، فلما اشتراه أبو بكر أعتقه ابتغاء وجه الله، وهاجر حين هاجر الناس، وشهد بدرا وأحدا، وما بعدهما من المشاهد رضي الله عنه، وكان يعرف ببلال بن حمامة، وهي أمه،
وكان من أفصح الناس، وهو أحد المؤذنين الأربعة، وهو أول من أذن، وكان يلي أمر النفقة على العيال، ومعه حاصل ما يكون من المال، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان فيمن خرج إلى الشام للغزو، وهو ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة بالتحديد، فقد سمع صلى الله عليه وسلم دفة نعليه في الجنة. مات بدمشق سنة
عشرين، وله بضع وستون سنة، وقبره بدمشق.
5-عبد الله بن رواحة رضي الله عنه رضي الله عنه، الأمير السعيد الشهيد، الأنصاري الخزرجي البدري النقيب الشاعر المشهور، يكنى أبا محمد، من السابقين الأولين من
الأنصار، وكان أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدرا وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة، وهو أحد قادتها، أحد الذين تشرفوا بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل يوم عمرة
القضاء مكة، وهو يقود بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:
خلوا بني كفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكـم على تنزيلــه .. ضربا يزيل الهام عن مقيله
>>>>>>>>ويشغل الخليل عن خليله.
6-المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه، كان يحمل السلاح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديبية كان واقفا على رأس النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فجعل كلما أهوى عمه عروة بن مسعود الثقفي بيده إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما جرت به عادة العرب في مخاطباتها يقرع يده بقائمة السيف، ويقول: "أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل والله لا تصل إليك".. شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان داهية من دهاة العرب، قال الشعبي سمعته يقول: "ما غلبني أحد قط"، وقال الشعبي سمعت قبيصة بن جابر يقول: "صحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها. وقد اختلف في وفاته على أقوال أشهرها وأصحها، وهو الذي حكى عليه الخطيب البغدادي الإجماع: أنه توفي سنة خمسين.
7-المقداد بن الأسود الكندي رضي الله عنه، هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود البهراني، أبو معبد،صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأحد السابقين الأولين.
8-قيس بن عبادة الأنصاري الخزرجى رضي الله عنه، كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حوائجه، روى البخاري(6736) عن أنس رضي الله عنه قال:
"كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير"، وكان قيس رضي الله عنه من أطول الرجال، وكان كريما، ذا رأي ودهاء.
توفي بالمدينة في آخر أيام معاوية رضي الله عنه.
9-معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي رضي الله عنه، وكان أمينا على خاتم النبي عليه الصلاة والسلام، وقد استعمله أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الفيء،
وولي بيت المال لعمر، وقد عاش إلى خلافة عثمان رضي الله عنه.
10-عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، كان عالماً مقرئاً، فصيحاً فقيهاً، فرضياً شاعراً، كبير الشأن، وكان البريد إلى عمر بفتح دمشق.
وكان صاحب بغلته عليه الصلاة والسلام يقودها في الأسفار، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم خير سورتين، قرأ بهما الناس:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وقال له: ((اقرأ بهما كلما نمت، وكلما قمت)) ، ولي مصر لمعاوية رضي الله عنه، وتوفي بها سنة ثمان وخمسين.
11-الأَسْلع بن شَريك بن عوف الأعرجي رضي الله عنه، كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب راحلته صلى الله عليه وسلم.
12-أسماء بن حارثة بن سعد بن عبد الله الأسلمي رضي الله عنه، وكان من أهل الصفة، وهو أخو هند بن حارثة، وكانا يخدمان النبي صلى الله عليه وسلم،
قال الواقدي: "كانا يخدمانه لا يبرحان بابه". توفي أسماء بن حارثة في سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين سنة.
13-بكير بن الشداخ الليثي رضي الله عنه، كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم. يُروى أنه وجد رجلا مقتولا من اليهود، فقام عمر خطيبا، فقال: أنشد الله رجلا عنده
من ذلك علم، فقام بكير، فقال: "أنا قتلته يا أمير المؤمنين"، فقال عمر: بؤت بدمه، فأين المخرج، فقال: يا أمير المؤمنين إن رجلاً من الغزاة استخلفني على أهله،
فجئت فإذا هذا اليهودي عند امرأته، وهو يقول:
وأشعث غره الإسلام مني *** خلوت بعرسه ليل التمام
أبيت على ترائبها ويمسي *** على جرد الأعنة والحزام
كأن مجــــامع الربلات منها *** فئـام ينهضون إلى فئــام
قال: فصدق عمر قوله، وأبطل دم اليهودي.
14-أيمن بن عبيد رضي الله عنه، المعروف بابن أم حاضنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، كان على مطهَرَةِ رسول الله عليه الصلاة والسلام
وتعاطيه حاجته، وثبت معه يوم حنين.
15-ذو مخمر، ويقال: ذو محبر رضي الله عنه، وهو ابن أخِ النجاشي ملك الحبشة، بعثه النجاشي ليخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نيابة عنه،
فكان يخدمه صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بخطام ناقته صلى الله عليه وسلم في السفر.
16-أبو السمح رضي الله عنه، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال: إن اسمه أبو ذر، قال البغوي رحمه الله: "خادم النبي صلى الله عليه وسلم"
فقد خدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، يناوله أدواته، وكان يستره عند اغتساله صلى الله عليه وسلم.
17-مهاجر مولى أم سلمة رضي الله عنه، خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين، فلم يقل له لشيء صنعه لم صنعته؟ ولا لشيء تركه لم تركته.
18-سعد مولى أبي بكر رضي الله عنه، كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تعجبه خدمته..
19-حبة وسواء ابنا خالد رضي الله عنهما.. هؤلاء بعض الذين تشرفوا بخدمة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
غزواته كلها وبعوثه وسراياه كانت بعد الهجرة في مدة عشر سنين، فالغزوات سبع وعشرون، وقيل: خمس وعشرون، وقيل: تسع وعشرون، وقيل غير ذلك.
قاتل منها في تسع: بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف، وقيل: قاتل في بني النضير والغابة ووادي القرى من أعمال خيبر.
والغزوات الكبار الأمهات سبع: بدر وأحد والخندق وخيبر والفتح وحنين وتبوك، وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن، فسورة "الأنفال" سورة بدر، وفي أحد آخر سورة "آل عمران"
من قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (آل عمران: 121) إلى قُبيل آخرها بيسير، وفي قصة الخندق وقريظة وخيبر صدر سورة "الأحزاب"،
وسورة "الحشر" في بني النضير، وفي قصة الحديبية وخيبر سورة "الفتح" وأشير فيها إلى الفتح، وذكر الفتح صريحا في سورة "النصر".
وجرح منها صلى الله عليه وسلم في غزوة واحدة وهي أحد، وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين، ونزلت الملائكة يوم الخندق فزلزلت المشركين وهزمتهم، ورمى فيها
الحصباء في وجوه المشركين فهربوا، وقاتل بالمنجنيق منها في غزوة واحدة وهي الطائف، وتحصن في الخندق في واحدة وهي الأحزاب، أشار به عليه سلمان الفارسي رضي
الله عنه. وأسماؤهن على التفصيل كما يلي:
1. غزوة وَدَّان: هي أول غزواته عليه الصلاة والسلام وتسمى غزوة الأبواء، خرج غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة، يريد قريشاً وبني ضمرة بن بكر،
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يقع قتال.
2. غزوة بواط: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول يريد قريشاً فوصل إلى بواط، من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يقع قتال، فلبث بها بقية شهر
ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى.
3. غزوة العشيرة: خرج يريد قريشاً، حتى وصل إلى العشيرة من بطن ينبع، فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة 2هـ، ودعا فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني
ضمرة، ثم رجع إلى المدينة، ولم يقع قتال.
4. غزوة سفوان (بدر الأولى): ما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهري على ماشية
أهل المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ وادياً، يقال له: سفوان، من ناحية بدر وفاته كرز بن جابر، فلم يدركه وهي غزوة بدر الأولى، ثم رجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها بقية جمادى الآخرة ورجباً وشعبان.
5. غزوة بدر الكبرى: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان بن حرب مقبلاً من الشام في عــير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش، وتجارة من تجاراتهم، وفيها
ثلاثون رجلاً من قريش، أو أربعون، منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام.
فندب المسلمين إليهم وقال: ((هذه عيــر قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها)). فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يلقى حربا، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس. حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن
محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمر أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد
عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثمان ليالٍ خلون من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، وكان أمام رسول الله صلى الله
عليه وسلم رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب، يقال لها: العقاب، والأخرى مع بعض الأنصار.
وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا، وعددهم: ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وكان قوام جيش قريش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل في بداية سيره،
وكان معه مائة فرس وستمائة دِرْع، وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط.
انتهت بهزيمة المشركين، والنصر المبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته المؤمنين، وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلًا، ستة من
المهاجرين وثمانية من الأنصار.
أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون، وأسر سبعون، وعامتهم القادة والزعماء والصناديد.
وكانت أول معركة فاصلة بين الكفر والإيمان.
6. غزوة بني سُلَيم بالكُدْر: سمع النبي صلى الله عليه وسلم أن بني سليم وبني غَطَفَان تحشد قواتها لغزو المدينة، فباغتهم النبي صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب
في عقر دراهم، وبلغ إلى منازلهم في موضع يقال له: الكُدْر، ففر بنو سليم، وكانت هذه الغزوة في شوال سنة 2 هـ بعد الرجوع من بدر بسبعة أيام.
7. غزوة بني قينقاع: كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع، ثم قال: ((يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من
النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم)) قالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت
منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس. وهذا الجواب العنيف منهم رغم ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من عهد.
وذات يوم قدمت امرأة من العرب إلى سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما
قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، وشدت اليهود على المسلم، فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم
المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي
ابن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في مواليَّ -وكانوا حلفاء الخزرج-، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي، قال:
فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني (اتركني)، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ثم قال: ويحك أرسلني، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعُ مائة حاسر وثلاث مائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله
امرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة ابتداء من نصف شهر شوال في السنة الثانية من الهجرة، وأمرهم
أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها، فخرجوا إلى أذْرُعَات الشام، فقلَّ أن لبثوا فيها حتى هلك أكثرهم.
8. غزوة السويق: في ذي الحجة من نفس السنة، تجهز أبو سفيان ليغزو محمداً صلى الله عليه وسلم، فخرج في مائتي راكب من قريش، حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال
له ثيب، من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل فأتى حيي بن أخطب، فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له، وخافه فانصرف عنه إلى
سلام بن مشكم، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه
فبعث رجالاً من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية يقال لها: العريض، فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا بها رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حرث لهما، فقتلوهما، ثم انصرفوا
راجعين ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم حتى بلغ قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعاً، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه وقد رأوا أزوادا من أزواد القوم قد
طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاء، وكان أكثر ما طرحوا من أزوادهم السويق، فسميت غزوة السويق.
9. غزوة الفرع من بحران (غزوة ذي أَمَر): لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها، ثم غزا نجداً في
المحرم من السنة الثالثة يريد غطفان، وهي غزوة ذي أمر، فأقام بنجد صفراً كله أو قريبا من ذلك ثم رجع إلى المدينة.
10.غزوة أحد: لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب، ورجعت فلولهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حرب بقافلته، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي
جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش، ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك القافلة من قريش تجارة فقالوا:
يا معشر قريش، إن محمداً قد وتركم، وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا، ففعلوا، ولما استكملت قريش عدتها، واجتمع إليها من
المشركين ثلاثة آلاف مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش، ورأى قادة قريش أن يستصحبوا معهم النساء حتى يكون ذلك أبلغ في استماتة الرجال دون أن تصاب حرماتهم
وأعراضهم، وكان عدد هذه النسوة خمس عشرة امرأة.
وكان سلاح النقليات في هذا الجيش ثلاثة آلاف بعير، ومن سلاح الفرسان مائتا فرس، جنبوها طول الطريق، معهم سبعمائة درع، وكانت القيادة العامة إلى أبي سفيان بن
حرب، وقيادة الفرسان إلى خالد بن الوليد يعاونه عكرمة بن أبي جهل، أما اللواء فكان إلى بني عبد الدار.
فلما تحركوا إلى المدينة بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضمنها جميع تفاصيل الجيش، واستشار النبي صلى الله عليه وسلم صحابته في
الخروج إلى ملاقاتهم أو البقاء في المدينة، وكان رأيه هو عدم الخروج، وكان كذلك عبد الله بن أبي بن سلول يرى البقاء في المدينة، فلما عقدوا الأمر بالخروج ووصلوا إلى ما بين
المدينة وأحد انسحب عبد الله بن أبي وثلث الجيش، والمسلمون ألف فبقي سبع مائة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نزل الشعب من أُحد، جعل ظهره وعسكره إلى
أحد، وقال: ((لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال)) وأمر على الرماة عبد الله بن جبير، وهم خمسون رجلاً، وجعلهم أعلى الجبل حماية لظهر المسلمين، فلما التقى
الجيشان وكان النصر حليفاً للمسلمين نزل الرماة من على الجبل فتحولت شوكة الميزان لتشير بالنصر إلى المشركين، وأصيب النبي صلى الله عليه وسلم وشُجَّ، وقتل من
المسلمين خمسة وستون رجلا وقيل: سبعون، فيهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصعب بن عمير، وأشيع مقتل رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وانهارت معنويات المسلمين، وقتل من المشركين اثنان وعشرون رجلاً، وانتهت المعركة بعنائها ووعثائها، وكان ذلك في شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة.
11.غزوة حمراء الأسد: على إثر غزوة أحد لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بجيش المشركين إلى موطن حمراء الأسد، فعسكروا هناك، وكان رجل من بني خزاعة له نصح
للنبي صلى الله عليه وسلم قد لقي أبا سفيان فخذَّله ونصحه بالرجوع إلى مكة، فرجع ولم يقع قتال.
12.غزوة بني النضير: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية قتيلين، فوافقوا على ذلك، ثم خلا بعضهم إلى بعض فتآمروا على قتل النبي
صلى الله عليه وسلم برمي صخرة من فوقه على رأسه فكشف الله أمرهم بوحيه، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمر بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم، ثم
سار بالناس حتى نزل بهم، وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال، فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه
أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخل وتحريقها؟
وقذف الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل، فاحتملوا من
أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وغنم المسلمون
شيئاً عظيماً.
13.غزوة نجد (ذات الرقاع): أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى، ثم غزا نجداً يريد بني محارب وبني ثعلبة من
غطفان، وسميت غزوة ذات الرقاع؛ لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع: شجرة بذلك الموضع يقال لها: ذات الرقاع، فلقي بها جمعاً عظيماً من غطفان، فتقارب الناس ولم
يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف، ثم انصرف بالناس.
14.غزوة بدر الآخرة: في شعبان سنة أربع خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر لميعاد أبي سفيان حتى نزله، فأقام عليه ثمان ليال ينتظر أبا سفيان وخرج أبو
سفيان في ألفين من أهل مكة حتى نزل مجنة، من ناحية الظهران ؛ وبعض الناس يقول قد بلغ عسفان، ثم بدا له في الرجوع فقال: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام
خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن وإن عامكم هذا عام جدب فرجعوا، وأما المسلمون فأقاموا ببدر ثمانية أيام ينتظرون العدو، وباعوا ما معهم من التجارة فربحوا بدرهم
درهمين، ثم رجعوا إلى المدينة وقد انتقل زمام المفاجأة إلى أيديهم، وتوطدت هيبتهم في النفوس، وسادوا على الموقف، وتعرف هذه الغزوة ببدر الموعد، وبدر الثانية، وبدر
الآخرة، وبدر الصغرى.
15.غزوة دُوَمة الجندل: في شهر ربيع الأول من السنة الخامسة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض القبائل تقطع الطريق، وتريد هجمة على المدينة، فخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ألف من المسلمين إلى دومة الجندل فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى يفاجئ أعداءهم وهم غارون، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، فهجم على
ماشيتهم ورعائهم، فأصاب من أصاب، وهرب من هرب، وأما أهل دومة الجندل ففروا في كل وجه، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحداً، وأقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم أياماً، وبث السرايا وفرق الجيوش، فلم يصب منهم أحداً، ثم رجع إلى المدينة.
16.غزوة الأحزاب (الخندق): كانت في شوال من السنة الخامسة، بعد أن خرج وفد من اليهود إلى القبائل قريش وغطفان وبني سليم وكنانة وغيرهم ليحرضوهم على
الوقيعة بالمسلمين ضربة رجل واحد، واتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة على ميعاد كانت قد تعاقدت عليه، فتجمع حول المدينة جيش عَرَمْرَم يبلغ عدده عشرة آلاف
مقاتل، ربما يزيد عدده على جميع من في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد سماعه بتجمعهم قام بحفر الخندق حول المدينة، وكان ذلك بمشورة من سلمان الفارسي رضي الله عنه، فلما وصل المشركون لم يجدوا
حيلة في تجاوز الخندق، فخرجت منهم جماعة فيها عمرو بن عبد وُدّ وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب وغيرهم، فتيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فاقتحموه، وتبارز علي بن
أبي طالب وعمرو بن عبد ود، فقتل الله عمراً بيد علي رضي الله عنه، ولم يستشهد من المسلمين يوم الخندق إلا ستة نفر.
والمسلمون حينها في جوع وخوف لا يحمدون عليهما، وكان للمنافقين دور في التخذيل والتشكيك في وعد الله ورسوله، وقد كان جانب اليهود مأموناً؛ لما بينهم من عقد على
النصرة والحماية فنقضوا عهدهم.
وروت كتب السير أن نعيم بن مسعود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم معلناً إسلامه فأمره بأن يخذِّل عن المسلمين فأتى بني قريظة وأتى قريشاً فحذر بعضهم من بعض،
حتى خاف كلٌّ منهم الخيانة من الآخر، وبحكمة منه استطاع أن يحمل الطرفين على تصديقه وعدم نصرة صاحبه، فما لبث جيش الأحزاب أن نادى بالرحيل وقفل راجعاً، بعد أن
بعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم.
17.غزوة بني قريظة: على إثر غزوة الأحزاب، ورداً على نقض بني قريظة عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج المسلمون إليهم وعددهم ثلاثة آلاف، والخيل
ثلاثون فرساً، فنازلوا حصون بني قريظة، وفرضوا عليهم الحصار، ولما اشتد عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال: إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد
صلى الله عليه وسلم في دينه، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم -وقد قال لهم: والله، لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم-، وإما أن
يقتلوا ذراريهم ونساءهم بأيديهم، ويخرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالسيوف مُصْلِِتِين، يناجزونه حتى يظفروا بهم، أو يقتلوا عن آخرهم، وإما أن يهجموا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويكبسوهم يوم السبت؛ لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه، فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث.
فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت،
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي ابن سلول، فوهبهم له فلما
كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذاك إلى سعد بن
معاذ، فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وصل قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء.
18.غزوة بني لحيان: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة (في السنة السادسة) إلى بني لحيان يطلب بأصحاب
الرجيع، وأظهر أنه يريد الشام، ليصيب من القوم غرة، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد قال:
((لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة)) فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرَّ وراح
رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا.
19.غزوة الغابة أو ذي قَرَد: ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينةُ بن حصن الفزاري، في خيل من غطفان على لِقاحٍ
(الناقة الحلوب والقريبة العهد بالولادة) لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وفيها رجل من بني غفار وامرأة له فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح، فلحقهم سلمة بن
الأكوع، فطاردهم وكان يرميهم بالنبل، حتى رد ما أخذوه، ولحقه رسول الله صلى الله وسلم عليه مع المسلمين، وسميت بذي قرد باسم ماء نزلوا ليشربوا منه فأجلاهم عنه
سلمة رضي الله عنه فما ذاقوا قطرة.
20.غزوة بني المصطلق (المريسيع): في شعبان سنة ست بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية
بنت الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع، فتزاحف الناس
واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه.
وأصيب رجل من المسلمين، وفي هذه الغزوة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث، وكانت من السبي فأعتق المسلمون قومها بسببها، وقالوا: أصهار
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها وقعت حادثة الإفك.
21.غزوة خيبر: في السنة السابعة من الهجرة النبوية في شهر محرم خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وكانت خيبر هي وكرة الدس والتآمر ومركز الاستفزازات
العسكرية، ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، فصبحهم وهم خارجون إلى أرضهم فرأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا قائلين: محمدٌ والخميس، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين))، فلما كانت ليلة الدخول، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب
الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)) فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالب؟))
فقالوا: يا رسول الله، هو يشتكي عينيه، قال: ((فأرسلوا إليه))، فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرئ، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية،
فقال: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: ((انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن
يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم))، ووقع الهجوم الإسلامي على الحصون ففتحت حصناً حصناً، ثم طالب ابن أبي الحُقيق المفاوضة والمصالحة مع
النبي صلى الله عليه وسلم على حقن دماء مَن في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء -أي الذهب والفضة- والكُرَاع والْحَلْقَة إلا ثوبًا على ظهر إنسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وبرئتْ منكم ذمة
الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً))، فصالحوه على ذلك، وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر.
وفي هذا الفتح وقع بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بنت حيي بن أخطب، وأهديت للنبي صلى الله عليه وسلم الشاة المسمومة، وقدم المهاجرون من
الحبشة.
22.غزوة فتح مكة: هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدىً للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو
الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عِزِّه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجاً، وكانت في شهر رمضان
سنة ثمان للهجرة، وسببها أنه اعتدت قبيلة بنو بكر، -وهي في حلف قريش- على خزاعة –المحالفة للنبي صلى الله عليه وسلم-، وهذا ضمن بنود صلح الحديبية، ويعد هذا
غدراً محضاً ونقضاً صريحاً للميثاق، لم يكن له أي مبرر، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجهز، ثم مضى حتى نزل مرَّ الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، ثم أكمل
سيره حتى فتح مكة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن))، ودخل النبي
صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام فطاف، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بالقوس، ويقول: جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(الإسراء: 81)،
قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (سبأ: 49) والأصنام تتساقط على وجوهها.
23.غزوة حنين: لما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالك بن عوف النصري فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها، واجتمعت
إليهم عدة قبائل، فأجمعوا السير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحملوا معهم نساءهم وأولادهم وأموالهم ليكون دافعاً لهم لئلا يتراجعوا أو تضعف نفوسهم.
وأما المسلمون فقد تجهزوا وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعددهم اثنا عشر ألف رجل ، فسبق جيش هوازن إلى وادٍ في حنين، فلما وصل المسلمون وانحدروا
في أحد الوديان كمنت لهم هوازن في مضايقه وأحنائه، فشدوا عليهم شدة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات اليمين، ثم قال: ((أين أيها الناس؟ هلموا إلي، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله)) وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته،
وحينئذ ظهرت شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي لا نظير لها، فقد طفق يركض بغلته قبل الكفار وهو يقول:
أنا النبي لا كَذِبْ ** أنا ابن عبد المطلب
غير أن أبا سفيان بن الحارث كان آخذا بلجام بغلته، والعباس بركابه، يكفانها ألا تسرع، وتراجع المسلمون وتتالت كتائبهم، والتحم الفريقان، ونظر رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم إلى ساحة القتال، وقد استحر واحتدم، فقال: ((الآن حَمِي الوَطِيسُ))، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب الأرض، فرمى بها في وجوه القوم وقال:
((شاهت الوجوه))، فما خلق الله إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً من تلك القبضة، فلم يزل حدُّهم كليلاً وأمرهم مُدبرًا.
وما هي إلا ساعات قلائل -بعد رمي القبضة- حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وقتل من ثَقِيف وحدهم نحو السبعين، وحاز المسلمون ما كان مع العدو من مال وسلاح وظُعُن.
وتفرق جيش المشركين هاربين منهم إلى أوطاس، وآخرون إلى نخلة وإلى الطائف، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم من يتبعهم ويطاردهم، واتبع هو الهاربين إلى
الطائف. وكانت هذه الوقعة في السادس من شهر شوال سنة 8 هـ.
وفي الغزوة وقعت للمسلمين غنائم كثيرة، وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، ثم جاءت هوازن مسلمة.
24.غزوة الطائف: على إثر غزوة حنين في السنة الثامنة من الهجرة انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم محاصراً الطائف بمن فيها ممن هرب في حنين، فعسكر حولها،
فقُتل به ناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف، فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم، فقد أغلقوه دونهم، فلما أصيب أولئك
النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، وهي أول معركة رُمي فيها بالمنجنيق، وارتحل النبي صلى الله عليه وسلم
ومن معه ولم تفتح الطائف.
25.غزوة تبوك: في السنة التاسعة من الهجرة في شهر رجب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان من عسرة الناس وشدة من الحرِّ
وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له
ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم.
وسبب هذه المعركة أن ملك الروم بدأ بتهيئة جيشه وحلفائه لحرب النبي صلى الله عليه وسلم، فهيأ جيشاً عرمرما قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطى قيادته لعظيم من عظماء
الروم، وأجلب معهم قبائل لَخْمٍ وجُذَامٍ وغيرهما من متنصرة العرب، وقد بلغت مقدمتهم إلى البلقاء، وبذلك تمثل أمام المسلمين خطر كبير.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف كل ذلك جيداً، ولذلك قرر القيام -مع ما كان فيه من العسرة والشدة- بغزوة فاصلة يخوضها المسلمون ضد الرومان في حدودهم، ولا
يمهلونهم حتى يزحفوا إلى دار الإسلام، فدعا إلى التجهز، فبادر المسلمون ببذل ما يستطيعونه من لوازم الحرب من عدة وعتاد ومال..
وانطلق المسلمون إلى أن وصلوا تبوك، فلما سمع الرومان بزحف رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذهم الرعب، فلم يجترئوا على التقدم واللقاء، بل تفرقوا في البلاد في داخل
حدودهم، فكان لذلك أحسن أثر بالنسبة إلى سمعة المسلمين العسكرية، في داخل الجزيرة وأرجائها النائية، وحصل بذلك المسلمون على مكاسب سياسية كبيرة خطيرة،
لعلهم لم يكونوا يحصلون عليها لو وقع هناك اصطدام بين الجيشين.
1-أبوبكر الصديق رضي الله عنه، أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، ورفيق المصطفى في الهجرة، وفي الغار، وأول الخلفاء الراشدين، وأول من أسلم من
الرجال، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام،
وفتوحات العراق، وفي عهده جُمع القرآن، توفي في يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
2-عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الملقب بالفاروق، وكنيته أبو حفص، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، كان إسلامه فتحاً على المسلمين،
وفرجا لهم من الضيق، وهو من علماء الصحابة وزهادهم، فتحت في عهده بلاد الشام والعراق وفارس ومصر وبرقة وطرابلس الغرب وأذربيجان ونهاوند وجرجان، وبنيت في عهده
البصرة والكوفة، عاش رضي الله عنه يتمنى الشهادة في سبيل الله، فحقق له ما كان يتمناه، فقد طعنه أبو لؤلؤة المجوسي عليه من الله ما يستحقفي صلاة الفجر يوم الأربعاء
(26) من ذي الحجة سنة (23هـ)، دفن في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى جوار النبي وأبي بكر، وقد استمرت خلافته عشر سنين وستة أشهر رضي الله عنه
وأرضاه.
3-عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذي جعل عمر الأمر شورى بينهم، توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو عنه راضٍ، صلَّى إلى القبلتيـن، وهاجر الهجرتيـن. لقب بذي النورين لتزوجه بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم (رقية وأم كلثوم).. وفي خلافته فتحت الإسكندرية،
ثم سابور، ثم إفريقية، ثم قبرص، وغيرها. وهو من كتبة الوحي المشهورين، وفي عهده جمع القرآن الكريم، حتى أنه بات يعرف المصحف باسم الرسم العثماني. حوصر شهراً،
وقتل سنة 35 في بيته بالمدينة المنورة، وقتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
4-علي بن أبي طالب رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، أول الناس إسلاماً بعد خديجة، ولد
بمكة، وتربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه، وكان حامل اللواء في كثير من المشاهد. وكان أحد كتاب القرآن أو كتاب الوحي الذين يدونون القرآن في حياة
النبي صلى الله عليه وسلم. ولي الخلافة بعد مقتل عثمان سنة 35هـ، وكان من أكابر الخطباء الفصحاء والعلماء القضاة، استشهد غيلة في 17 رمضان، سنة 40هـ، على يد عبد
الرحمن بن ملجم عليه من الله ما يستحق.
5-أبي بن كعب رضي الله عنه، سيد القراء، شهد العقبة الثانية وبدراً وما بعدها، وجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض على النبي عليه السلام، وحفظ
عنه علماً مباركاً، وكان رأساً في العلم والعمل، وهو أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأول من كتب في آخر الكتاب: "وكتب فلان بن فلان"، ومات رضي الله عنه بالمدينة
في خلافة عثمان رضي الله عنه، سنة ثلاثين.
6-أبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، يكنى بأبي الوليد، أسلم بعد الحديبية على الصحيح، وكان تاجراً موسراً سافر إلى الشام، وهو الذي أجار ابن عمه عثمان بن
عفان يوم الحديبية حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وذلك أن أخويه خالداً وعمراً لما قدما من هجرة الحبشة إلى المدينة بعثا إليه
يدعوانه إلى الله تعالى، فبادر وقدم المدينة مسلماً، وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع على البحرين، ثم استشهد هو وأخوه خالد يوم أجنادين سنة
(13هـ).
7-أرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، من السابقين الأولين، شهد بدرا، وقد استخفى النبي صلى الله عليه وسلم في داره، وهي عند الصفا، وكان من عقلاء قريش، آخى
النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن أُنيس، وكان يكتب بين الناس المداينات والعهود والمعاملات. وتوفي: بالمدينة سنة ثلاث وخمسون، وعمره خمس وثمانون
سنة، وصلَّى عليه سعد بن أبي وقاص بوصيته.
8-ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، أبو عبد الرحمن، كان من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يشهد بدرا، شهد أحدا، وبيعة الرضوان. خطيب الأنصار،
ويقال له: خطيب النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم عبد الله بن عبس اليماني ومسلمة بن هاران الحمداني على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من قومهما بعد
فتح مكة، فاسلموا، وبايعوا على قومهم، وكتب لهم كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم، كتبه ثابت بن قيس بن شماس، وشهد فيه: سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة
رضي الله عنهم. وهو ممن ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، كما في صحيح مسلم، وقد قتل رضي الله عنه شهيدا يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة في أيام
أبي بكر الصديق رضي الله عنه..
9-حنظلة بن الربيع رضي الله عنه، كتب للنبي صلى الله عليه وسلم كتاباً، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطوائف في الصلح، وشهد مع خالد حروبه
بالعراق وغيرها، وقد أدرك أيام علي، وتخلف عن القتال معه في الجمل وغيره، ثم انتقل عن الكوفة لما شتم بها عثمان، ومات بعد أيام علي رضي الله عنهم جميعا.
10-خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، أسلم قديما، يقال: بعد الصديق بثلاثة أو أربعة، وأكثر ما قيل خمسة. قتل خالد بأجنادين، وهو أول من كتب: بسم الله الرحمن
الرحيم، أقام بالمدينة بعد قدومه من أرض الحبشة، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كتب كتاب: "أهل الطائف لوفد ثقيف" وسعى في الصلح بينهم، وبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
11-خالد بن الوليد رضي الله عنه، أبو سليمان، أمير الجيوش الإسلامية المنصورة، والعساكر المحمدية، شهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية، وحمل على العدو، فكان النصر. وسماه النبي صلى
الله عليه وسلم، سيف الله، فقال: ((نِعْمَ عبد اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ خَالِدُ بن الْوَلِيدِ، وَسَيْفٌ من سُيُوفِ اللَّهِ، سَلَّهُ الله عز وجل على الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ))، وشهد الفتح وحنينا،
وتأمر في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، شهد حروب الشام، أمره الصديق على سائر أمراء الأجناد، وحاصر دمشق فافتتحها هو وأبو
عبيدة، وهو أحد كتاب النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كتب كتابا إلى أهل صيدوح بأمره عليه الصلاة والسلام، كما في حديث عمرو بن حزم، عاش ستين سنة، وقتل جماعة
من الأبطال، ومات على فراشه، فلا قرت أعين الجبناء، وتوفي رضي الله عنه بحمص سنة إحدى وعشرين.
12-الزبير بن العوام رضي الله عنه، أحد العشرة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض، وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمته
صفية بنت عبد المطلب، وزوج أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه. وهو الذي كتب الكتاب لبني معاوية بن جرول أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه لهم. أسلم
الزبير قديما رضي الله عنه وهو ابن ست عشرة سنة، وهاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها، وهو أول من سل سيفا في سبيل الله، وقد شهد اليرموك، وكان أفضل من
شهدها، وله فضائل ومناقب كثيرة، كانت وفاته يوم الجمل غدرا، وهو نائم، وذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى 2 الأولى سنة ست وثلاثين، وله من العمر يومئذ سبع
وستون سنة.
13-زيد بن ثابت رضي الله عنه، الإمام الكبير، شيخ المقرئين والفرضيين، مفتي المدينة، أبو سعيد، وأبو خارجة الخزرجي، النجاري، الأنصاري، وهو أحد فقهاء الصحابة، وأحد
الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ((وأفرضهم زيد بن ثابت))، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم
الوحي، ويكتب له أيضاً المراسلات، أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم كتاب اليهود، ليقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتبوا إليه، فتعلمه في خمسة عشر
يوماً، وكان يكتب لأبي بكر وعمر في خلافتهما. ومن جلالة زيد رضي الله عنه أن الصديق رضي الله عنه اعتمد عليه في كتابة القرآن العظيم في صحف، وجمعه من أفواه الرجال،
ومن الأكتاف، والرقاع. ومات زيد رضي الله عنه سنة خمس وأربعين، عن ست وخمسين سنة، وصلَّى عليه مروان بن الحكم، ولما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة رضي الله عنه:
"اليوم مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس خلفا منه".
14-عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، الأمير السعيد الشهيد، الأنصاري الخزرجي البدري النقيب الشاعر المشهور، يكنى أبا محمد، من السابقين الأولين من الأنصار، وكان
أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدرا وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة، وهو أحد قادتها. كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي جاء ببشارة وقعة بدر إلى المدينة،
وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين راكبا إلى أسير بن رفرام اليهودي بخيبر فقتله، وبعث بعد فتح خيبر فخرص عليهم.
15-عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم التي عند الصفا مستخفيا،
فكان عامر يعذب مع جملة المستضعفين بمكة ليرجع عن دينه فيأبى، فاشتراه أبو بكر الصديق فأعتقه، فكان يرعى له غنما بظاهر مكة، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومعه أبو بكر كان معهما رديفا لأبي بكر.. رُوي أنه هو الذي كتب كتاب موادعة وأمان لسراقة، وقيل كتبه أبو بكر الصديق، ولعل أبا بكر كتب بعضه، وأوكل كتابة الباقي إلى
مولاه عامر بين فهيرة. شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة، وذلك سنة أربع من الهجرة، وكان عمره إذ ذاك أربعين سنة.
16-عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي رضي الله عنه، أسلم عام الفتح، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر، وكان على بيت المال أيام عمر
وعثمان بعده، أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم بخيبر خمسين وسقاً، ولما استكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن إليه، ووثق به، فكان إذا كتب له إلى بعض يأمره أن
يختمه ولا يقرؤه لأمانته عنده، وكان عمر رضي الله عنه يقول: "ما رأيت أخشى لله تعالى من عبد الله بن الأرقم"، عمي قبل موته، وتوفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله
عنه.
17-عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه ، صاحب الأذان، أسلم قديما، فشهد عقبة السبعين، وحضر بدرا وما بعدها، ومن أكبر مناقبه: رؤيته
الأذان والإقامة في النوم، وعرضه ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقريره عليه، وقوله له:((إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به،
فإنه أندى صوتا منك)). وكتب كتابا لمن أسلم من جرش فيه الأمر لهم، بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإعطاء خمس المغنم. وقد توفي رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين، عن أربع
وستين سنة، وصلَّى عليه عثمان ابن عفان رضي الله عنه.
18-عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري رضي الله عنه أخو عثمان لأمه من الرضاعة، أرضعته أم عثمان، وكتب الوحي، ثم ارتد عن الإسلام، ولحق
بالمشركين بمكة، فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء، فجاء إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فاستأمن له، فأمنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم.. ثم حسن إسلامه جدا، لما كانت خلافة عثمان ولاه مصراً سنة خمس وعشرين، وأمره بغزو بلاد أفريقية، فغزاها ففتحها، وحصل للجيش منها مال عظيم.
ولما قتل عثمان أقام بعسقلان، وقيل بالرملة، ودعا الله أن يقبضه في الصلاة، فصلى يوما الفجر، وقرأ في الأولى منها بفاتحة الكتاب والعاديات وفي الثانية بفاتحة الكتاب وسورة،
ولما فرغ من التشهد سلم التسليمة الأولى، ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما رضي الله عنه، وذلك في سنة ست وثلاثين.
19-العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه، واسم الحضرمي عباد، وهو من حلفاء بني أمية، بعثه النبي صلى الله عيه وسلم إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، ثم ولاه عليها
أميرا حين افتتحها، وأقره عليها الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ولم يزل بها حتى عزله عنها عمر بن الخطاب، وولاه البصرة، فلما كان في أثناء الطريق توفي، وذلك في سنة إحدى
وعشرين. وكان يقال: إنه مجاب الدعوة، وخاض البحر بكلمات قالها، وذلك مشهور في كتب الفتوح.
20-محمد بن مسلمة رضي الله عنه، أسلم على يدي مصعب بن عمير، وآخي رسول الله حين قدم المدينة بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشهد بدرا والمشاهد بعدها،
واستخلفه رسول الله على المدينة عام تبوك. وهو الذي كتب لوفد مرة كتابا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من فضلاء الصحابة، وممن ذهب إلى قتل كعب بن
الأشرف، وإلى بن أبي الحقيق، وكان ممن اعتزل الفتنة، فلم يشهد الجمل ولا صفين. ومات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين على المشهور عند الجمهور، وصلَّى عليه مروان بن
الحكم.
21-معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، أبو عبد الرحمن، خال المؤمنين، وكاتب وحى رسول رب العالمين، وملك الإسلام. أسلم عام الفتح، وشهد حنينا، وأعطاه النبي
صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل، وأربعين أوقية من ذهب وزنها بلال، وشهد اليمامة. وأبوه من سادات قريش، تفرد بالسؤدد بعد يوم بدر، ثم لما أسلم حسن بعد ذلك
إسلامه، وكان له مواقف شريفة، وآثار محمودة في يوم اليرموك وما قبله وما بعده، وصحب معاوية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب الوحى بين يديه صلى الله عليه وسلم
مع الكتَّاب، وهذا قدر متفق عليه بين الناس قاطبة. وكان داهية من دهاة العرب. مات معاوية رضي الله عنه في رجب، سنة ستين، وعاش سبعا وسبعين سنة..
22-المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاه مع أبي سفيان الإمرة حين ذهبا فخربا طاغوت أهل الطائف،
وهي المدعوة بالربة، وهي اللات، وكان داهية من دهاة العرب. وهو الذي كتب إقطاع حصين بن نضلة الأسدي الذي أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره.. وقد اختلف
في وفاته على أقوال أشهرها وأصحها، وهو الذي حكى عليه الخطيب البغدادي الإجماع: أنه توفي سنة خمسين..
23-جهيم بن الصلت، أسلم بعد الفتح، وتعلم الخط في الجاهلية، فجاء الإسلام وهو يكتب، وقد كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب أموال الصدقات.
هذه جملة أسماء من الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وغيره من المراسلات والمعاهدات، وما أشبه ذلك..
بلال بن رباح رضي الله عنه: هو بلال بن رباح القرشي التيمي مولاهم أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبد الكريم، ويقال: أبو عمرو المؤذن، مولى أبي بكر
الصديق رضي الله عنهما، وأمه اسمها حمامة كانت مولاة لبعض بني جمح، من السابقين الأولين الذين أسلموا فعذب في سبيل الله، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم على التعيين بالجنة، وأخبر بأنه سمع صوت نعاله في الجنة، وهو أول مؤذن لنبي صلى الله عليه وسلم، مات
بالشام زمن عمر.
ابن أم مكتوم رضي الله عنه: هو عمرو بن زائدة، وقيل: عمرو بن قيس بن زائدة، العامري المعروف بابن أم مكتوم الأعمى مؤذن النبي صلى الله عليه و سلم وهو الأعمى
المذكور في القرآن في قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى، وقيل: اسمه عبد الله، والأول أكثر وأشهر، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها،
واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم، هاجر إلى المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه و سلم وبعد مصعب بن عمير رضي الله عنه،
واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاث عشرة مرة، لم يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن صلاة الجماعة، بل سأله: تسمع حي على
الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم، فقال له: فأجب، وشهد القادسية، وقتل بها شهيداً وكان معه اللواء يومئذ، وقيل: رجع من القادسية إلى المدينة فمات.
سعد القرظ رضي الله عنه: هو: سعد بن عائذ، ويقال: ابن عبد الرحمن المؤذن مولى الأنصار، وقيل: مولى عمار بن ياسر، له صحبة، وإنما قيل له: سعد القرظ؛ لأنه كان كلما
تاجر في شيء خسر فيه، فتاجر في القرظ فربح فلزم التجارة فيه، جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً بقباء، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك بلال
الأذان، نقل أبو بكر رضي الله عنه سعد القرظ هذا إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يؤذن فيه إلى أن مات، وتوارث عنه بنوه الأذان فيه إلى زمان مالك وبعده
أيضاً، وقيل إن الذي نقله من قباء إلى المدينة للأذان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل إنه كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم واستخلفه بلال على الأذان في خلافة عمر
رضي الله عنه حين خرج بلال إلى الشام.
أبو محذورة القرشي الجمحي رضي الله عنه: اسمه أوس بن معير بن لوذان ابن ربيعة بن سعد بن جمح، وقيل: اسمه سمير بن عمير بن لوذان بن وهب ابن سعد بن
جمح، وأمه خزاعية. مؤذن المسجد الحرام، وصاحب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كان أحسن الناس أذانا وأنداهم صوتا، قال له عمر رضي الله عنه يوما وسمعه يؤذن:
كدت أن تنشق مريطاؤك (والمريطاء: ما بين السرة إلى العانة)، توفي أبو محذورة بمكة سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة تسع وسبعين ولم يهاجر منها، ولم يزل مقيما بها حتى
مات رضي الله عنه.
- أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب التيمي القرشي ممن رافقوا النبي صلى الله عليه وسلم منذ بدء الإسلام، ويعتبر الصديق المقرب له، أول الخلفاء
الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أمه سلمى بنت صخر بن عامر التيمي، ناصر النبي صلى الله عليه وسلم وكان أول من أسلم به من الرجال، وحرس النبي صلى الله
عليه وسلم في العريش يوم بدر، وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بويع له بالخلافة، يوم الثلاثاء الثاني من ربيع الأول سنة 11هـ، واستمرت خلافته قرابة سنتين وأربعة
أشهر، توفي في يوم الاثنين في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
- سعد بن أبي وقاص واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري المدني، شهد بدراً والمشاهد، وهو أحد العشرة، وآخرهم موتاً، وأول من رمى في سبيل الله،
وفارس الإسلام، وأحد ستة الشورى، ومقدم جيوش الإسلام في فتح العراق، وجمع له النبي صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: ((ارم فداك أبي وأمي)) البخاري (2905)، كان من
حراس النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: ((ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة))،
قالت: وسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) قال: سعد بن أبي وقاص يا رسول الله جئت أحرسك، قالت: عائشة فنام رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى سمعت غطيطه"مسلم (2410)
- الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، أبو عبد الله، أسلم وعمره خمس عشرة سنة، كان ممن هاجر إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة، تزوج أسماء بنت أبي بكر، كان من
السبعة الأوائل في الإسلام، أمه صفية بنت عبد المطلب بن عبد مناف، عمة النبي صلى الله عليه وسلم، شهد بدراً وجميع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، حرس النبي
صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وكان ممن بعثهم عمر بن الخطاب بمدد إلى عمرو بن العاص في فتح مصر، ولما مات عمر بن الخطاب كان الزبير من الستة أصحاب الشورى
الذين عهد عمر إلى أحدهم بشؤون الخلافة من بعده، قتله رجل يدعى عمرو بن جرموز، غدراً، في معركة الجمل ودفن الزبير في أطراف البصرة.
- سعد بن معاذ بن النعمان بن امرؤ القيس الأنصاري الأوسي الأشهلي أمه كبشة بنت رافع، صحابي من أهل المدينة، سيد الأوس، يكنى بأبي عمر، أسلم على يد مصعب
بن عمير الذي أوفده الرسول صلى الله عليه وسلم للدعوة في المدينة قبل الهجرة، شهد بدراً وحرس النبي صلى الله عليه وسلم في العريش، وحمل سعد لواء الأوس وأبلى
بلاءً حسناً، وشهد الخندق وأصيب، توفي وهو ابن سبع وثلاثين سنة.
- أبو عبد الله محمد بن مسلمة الأنصاري، حارثي من حلفاء بني عبد الأشهل، ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة، وكان له من الولد عشرة ذكور وست بنات، أسلم على يد
مصعب بن عمير حينما كان في المدينة، وآخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، شهد بدراً وما بعدها من الغزوات، وحرس النبي
صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، وأمَّره على نحو إحدى وخمسين سرية، وتوفي سنة 43 هـ، وعمره
77 سنة.
- المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، كان من دهاة العرب وذوي آرائها، ولد في ثقيف بالطائف، وبها نشأ، أسلم عام الخندق بعدما قتل ثلاثة عشر رجلاً من
بني مالك وفدوا معه على المقوقس في مصر، وأخذ أموالهم، فغرم دياتهم عمه عروة بن مسعود، وأقام المغيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم وخرج معه في الحديبية، فبعثت
قريش عروة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفاوضه في الصلح وجعل يمس لحيته، والمغيرة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنع في الحديد،
فقال لعروة: كُفَّ يدك قبل ألا ترجع إليك، فقال: من ذا يا محمد؟ ما أفظه وأغلظه، قال: ابن أخيك المغيرة، فقال: يا غُدر والله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس ، شهد المغيرة
بيعة الرضوان والمشاهد بعدها، ثم شهد اليمامة وفتوح الشام وفقئت عينه باليرموك، تولى على البحرين في عهد عمر ثم البصرة، ثم ولاه بعدها على الكوفة، وظل والياً على
الكوفة حتى قتل عمر، توفي في الكوفة سنة خمسين رضي الله عنه.
- بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله، صحابي جليل كان عبداً من عبيد قريش أعلن إسلامه فعذبه سيده أمية بن خلف، فاشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه، اشتهر بصبره على
التعذيب وقولته: أحد أحد، كان صوته جميلاً فكلفه الرسول صلى الله عليه وسلم بمهمة الأذان، حرس النبي صلى الله عليه وسلم بوادي القرى، وشهد المشاهد مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم كلها، توفي في الشام مرابطاً في سبيل الله، ودفن تحت ثرى دمشق سنة عشرين للهجرة، وحينما أتاه الموت، قالت زوجته: واحزناه، فكشف الغطاء عن
وجهه وهو في سكرات الموت وقال: لا تقولي واحزناه، وقولي وافرحاه، ثم قال: غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه.
- عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل، أحد البدريين كان من سادة الأوس، وهو الذي أضاءت له عصاته ليلة انقلب إلى منزله من عند رسول الله، أسلم
على يد مصعب بن عمير، وكان أحد من قتل كعب بن الأشرف اليهودي، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات مزينة وبني سليم وجعله على حرسه في غزوة
تبوك، وكان كبير القدر رضي الله عنه، أبلى يوم اليمامة بلاء حسناً عاش خمساً وأربعين سنة، رضي الله عنه وأرضاه.
- أبو أيوب الأنصاري، واسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي، خرج مع وفد المدينة لمبايعة النبي
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في مكة في بيعة العقبة الثانية، نزل عنده رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم عند قدومه من مكة، آخى الرسول بينه وبين
مصعب بن عمير، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بصفية، بخيبر، فبات بها الرسول صلى الله عليه وسلم في قبة
له، وبات أبو أيوب الأنصاري متوشحاً سيفه يحرس رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم ويطيف بالقبة حتى أصبح رسـول اللـه، فلما رأى مكانه قال: (مالك يا أبا أيوب؟) قال: (يا رسول اللـه، خفت عليك من هذه المـرأة، وكانت امرأة قد قتلـت أباها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك) فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني))، توفي رضي الله عنه توفي عام 52 هـ.
- عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، وكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عبد الرحمـن، مات أبوه في الجاهلية، وأسلمت أمه وصحبت النبي صلى الله عليه وسلم لذلك
كان ينسب إلى أمه أحياناً فيقال: (ابن أم عبد)، كان من السابقين إلى الإسلام، فهو سادس ستة دخلوا في الإسلام، وقد هاجر هجرة الحبشة وهجرة المدينة، وشهد بدراً
والمشاهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أجهز على أبي جهل، ونَفَّلَه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفَ أبي جهل حين أتاه برأسه، حرس النبي صلى الله
عليه وسلم يوم الحديبية، وفي خلافة عمر ولاه بيت مال المسلمين بالكوفة، توفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة في أواخر خلافة عثمان.
- أبو قتادة الأنصاري، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، في اسمه أقوال أشهرها الحارث بن ربعي بن دومة بن خناس، كان من حرس النبي صلى الله عليه وسلم، روي
له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وسبعون حديثا اتفق الشيخان منها على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثمانية.
- أنس بن أبي مرثد الغنوي يكنى بأبي يزيد، واسم أبيه كناز بن الحصين، وكان لأنس وأبيه صحبة وكان بينهما في السن عشرون سنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم
حنين: ((من يحرسنا الليلة))، فقال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله.
قال ابن سيرين: كان شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك. وكان حسان وكعب يعارضان المشركين بمثل قولهم بالوقائع، والأيام، والمآثر، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر، وينسبهم إليه.
- حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار.
سيد الشعراء المؤمنين، المؤيد بروح القدس، أبو الوليد، ويقال: أبو الحسام الأنصاري، الخزرجي، النجاري، المدني، ابن الفريعة، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه.
عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام.
كان في حلقة فيهم أبو هريرة، فقال: أنشدك الله يا أبا هريرة، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أجب عني، أيدك الله بروح القدس)؟، فقال: اللهم نعم.
ولما كان يوم الأحزاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يحمي أعراض المسلمين؟)، فقال كعب بن مالك: أنا، وقال ابن رواحة: أنا، وقال حسان: أنا، فقال: (نعم، اهجهم أنت، وسيعينك عليهم روح القدس).
قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين عزم على هجاء قريش: لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين، ولي مَقُول يفري ما لا تفريه الحربة.
قالت عائشة رضي الله عنها: والله إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بكلمات قالهن لأبي سفيان بن الحارث:
هجوت محمدا فأجبت عنه ** وعند الله في ذاك الجزاءُ
فإن أبي ووالــده وعرضـــي ** لعرض محمد منكم وقاءُ
أتهجوه ولست له بــكـــفء ** فشرُّكما لخيرِكما الفداءُ
توفي سنة أربع وخمسين، وقيل: سنة أربعين.
- كعب بن مالك بن أبي كعب عمرو الأنصاري بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري، الخزرجي، العقبي (نسبة إلى العقبة)، الأُحدي (نسبة إلى
أُحد)، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، فتاب الله عليهم، ونزل فيه قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ
عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (التوبة: 118). شهد العقبة، وكان يقول: (ولقد
شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدرٌ أَذْكَرَ فِي الناس منها).
كان يذكر الحرب، يقول: فعلنا ونفعل، ويتهدد المشركين.
قال: يا رسول الله، قد أنزل الله في الشعراء ما أنزل.
قال: (إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل). رواه أحمد برقم: (26633) وصححه الألباني في السلسلة.
أسلمت دوس فرَقًا من بيت قاله كعب:
نخيرها ولو نطقت لقالت ** قواطعهن دوسًا أو ثقيفًا
توفي سنة أربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين.
-عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الأمير، السعيد، الشهيد، أبو عمرو الأنصاري، الخزرجي، البدري، النقيب، الشاعر، يكنى: أبا محمد، وأبا رواحة، وليس له
عقب، شهد بدرا، والعقبة، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة بدر الموعد.
وهو خال النعمان بن بشير. وكان من كتاب الأنصار. كان إذا لقي الرجل من أصحابه يقول: تعال نؤمن ساعة، فقاله يوما لرجل، فغضب، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله، ألا ترى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة، فقال: (يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة). رواه أحمد برقم: (13385) وضعفه محققو المسند، وكذا الألباني في الترغيب والترهيب.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء، وهو بين يديه يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله *** اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقـــيله ***ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر: يا ابن رواحة، في حرم الله، وبين يدي رسول الله تقول الشعر؟.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خل يا عمر، فهو أسرع فيهم من نضح النبل). رواه الترمذي برقم: (2847) وصححه الألباني.
وقال ابن رواحة: مررت بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فقال: (كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول؟). قلت: أنظر في ذاك، ثم أقول.
قال: (فعليك بالمشركين). قال: ولم أكن هيأت شيئا، ثم قلت:
فخبروني أثمان العباء متى ** كنتم بطارق أو دانت لكم مضر؟
فرأيته قد كره هذا أن جعلت قومه أثمان العباء، فقلت:
يا هاشم الخير، إن الله فضلكم ** على البرية فضلاً ما له غير
إني تفرست فيك الخير أعرفه ** فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت إن استنصرت بعضهم ** في حل أمرك ما آووا ولا نصروا
فثبت الله ما آتاك من حسن ** تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فأقبل صلى الله عليه وسلم بوجهه مستبشرا، وقال: (وإياك فثبت الله). رواه الطبراني في المعجم الكبير (18/480- برقم: 204).
كان في من جهزهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مؤتة أمراء، فقال:(الأمير زيد، فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب فابن رواحة)، فلما قتلا، كره ابن رواحة الإقدام، فقال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه ** طائعة أو لتكرهنه
فطالما قد كنت مطمئنه ** ما لي أراك تكرهين الجنة
فقاتل حتى قتل.
أصله في البخاري برقم: (4261) وليس فيه كره ابن رواحة... إلخ، والشعر، رواه البيهقي في السنن الكبرى: (9/154) (18940).
بعد ما بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء بنى بيتاً واحداً لسودة أم المؤمنين، ثم لم يحتج إلى بيت آخر حتى تزوج عائشة في شوال سنة اثنتين للهجرة، ثم بنى
بقية بيوته في أوقات مختلفة، وكان عدد بيوته تسعة بيوت، بعضها من جريد –الجَرِيدُ: سعف النخل- مطين بالطين، وسقفها جريد، وبعضها من حجارة مرضومة -بعضها على بعض-
مسقفة بالجريد أيضًا.
وكانت الأسقف في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم غير مرتفعة، وقد كان باب النبي صلى الله عليه وسلم يقرع بالأظافير، أي لا حلق له.
أما عفش النبي صلى الله عليه وسلم داخل بيته فقد كان لا يُوجد بداخل بيته إلا القليل من الفراش والمتاع، فكان يصلي على الحصير في النهار،
وإذا أتى الليل أخذه ونام عليه؛ لأنه لم يكن له غيره.
بعض متاع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته:
أما فراشه فقد كانت له وسادة يتكئ عليها من الجلد المدبوغ حشوها ليف، والليف هو قشر النخل، وكان ينام على الحصير حتى أنه كان يؤثر على جنبه، وكان له لحاف،
وسرير (كرسي)، وكانت عنده قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، حج وهي معه، ووُضع بينه وبين لحده لما مات صلى الله عليه وسلم قطيفة بيضاء،
وكان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة، وكان له قدح –وهو الإناء-.
أما عيشه في بيته فإنه صلى الله عليه وسلم لم يَشْبَع من خُبْزٍ ولحْمٍ إلا في النادر، وما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى
قُبض، وقد يتلوى بأبي هو وأمي من شدة الجوع لا يجد حتى القليل من الدقل –رديء التمر- يملأ به بطنه، وقد يمر الشهر والشهران والثلاثة ولم يوقد في بيت النبي صلى الله
عليه وسلم النار؛ لأنه لا يوجد ما يُطبخ، وكان طعامه الأسودان (التمر والماء)، وكان يحب الدُّبَّاء –القرع-، ويأمر بأكل الزيت والدهن منه؛ لأنه من شجرة مباركة، وكان يحب الحلواء
والعسل، وقد أكل الدجاج، واللحم المشوي، وكان يعجبه الذراع من اللحم، وكان عليه الصلاة والسلام يأكل القثاء بالرطب –القثاء: الخيار-، ويأكل البطيخ بالرطب.
هذا هو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد خُلطت البيوت والحُجَر بالمسجد لما توفي أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، وبكى الناس - عند هدمها- كيوم وفاته
صلى الله عليه وسلم، وذلك في خلافة عبد الملك بن مروان.
من الخيل:
السَّكْبُ: قيل: وهو أول فرس ملكه، وكان اسمه عند الأعرابي الذي اشتراه منه بعشر أواق: الضرس، وكان أغر محجلاً طلق اليمين كُمَيتا (أحمر مختلط بسواد)
وقيل: كان أدهم (أسود).
والمرتجز: وكان أشهب (والشهب: البياض الذي غَلَبَ على السَّواد).
وَاللّحَيْفُ وَاللّزَازُ وَالظّرِبُ وَسَبْحَةٌ وَالْوَرْدُ.
فهذه سبعة متفق عليها جمعها الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن جماعة الشافعي في بيت فقال:
والخَيْلُ سَكْبٌ لحَيْفٌ سَبْحَةٌ ظَرِبٌ *** لَزَّازُ مُرْتَجِزٌ وَرْدٌ لها أسرارُ
وقيل: كانت له أفراس أُخَر خمسة عشر، ولكن مختلف فيها وكان دفتا سرجه من ليف.
وكان له من البغال:
دُلْدُلُ: وكانت شهباء أهداها له المقوقس.
فِضَّة: أهداها له فروة الجذامي.
وبغلة شهباء أهداها له صاحب أيلة، وأخرى أهداها له صاحب دومة الجندل، وقد قيل: إن النجاشي أهدى له بغلة فكان يركبها.
ومن الحمير:
عُفير: وكان أشهب، أهداه له المقوقس ملك القبط، وحمار آخر أهداه له فروة الجذامي، وذكر أن سعد بن عبادة أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا فركبه.
ومن الإبل:
القصواء قيل: وهي التي هاجر عليها، وركبها يوم الحديبية فبركت، وقالوا: خلأت القصواء.
والعضباء والجدعاء، ولم يكن بهما عضب (كسر القرن) ولا جدع (قطع من أذنها) وإنما سميتا بذلك، وقيل: كان بأذنها عضب فسميت به، وهل العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان؟
فيه خلاف، والعضباء هي التي كانت لا تسبق ثم جاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن حقا على الله ألا يرفع
من الدنيا شيئا إلا وضعه))البخاري: (6501).
وكانت له خمس وأربعون لِقْحة (قريبة الحلوب، وقريبة عهدٍ بولادة) وكانت له مهرية أرسل بها إليه سعد بن عبادة من نَعَم بني عقيل.
وكانت له مائة شاة وكان لا يريد أن تزيد كلما ولد له الراعي بهمةً ذبح مكانها شاة، وكانت له سبع أعنز منائح ترعاهن أم أيمن.
سيوف النبي صلى الله عليه وسلم:
1- المأثور: وهو أول سيف ملكه، ورثه من أبيه، وقدم به المدينة.
2-ذو الفَقَارِ: وهو أشهر سيوفه، وهو الذي دخل به مكة المكرمة فاتحاً، غنمه يوم بدر، وكان لا يكاد يفارقه في حروبه، سمي بذلك لأنه كانت فيه حفر صغار حسان، والفقرة الحفرة
التي فيها، فكان وسطه مثل الفقرات، وقيل سمي بذلك لأنه يضرب فقارَ الظهر، وكان محلى بفضة لكن لم تكن التحلية عامة بجميعه، بل كانت قائمته من فضة، وقبضته من فضة،
ونعله –وهي الحديدة التي في أسفل قرابه- من فضة –أيضاً-، وفيه حلق من فضة، قيل: إنه كان سيف العاص بن منبه السهمي الذي قُتِل يوم بدر فصار سيفه هذا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، ثم صار إلى علي رضي الله عنه وهبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان اسم قضيبه الممسوق، وهو السيف الذي رآه النبي صلى الله عليه
وسلم في الرؤيا يوم أحد.
3- القُلعي: نسبة إلى مرج القلعة -موضع بالبادية-، أصابه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع.
4- البتار: البتار السيف القاطع وبتر الشيء أي قطعه، أصابه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع.
5- الحتف: أصابه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع، وكان له قَرْن.
6- الرسوب: وهو السيف الذي يغيب أو يمضي في الضريبة، أصابه من صنم لطيء، من فُلْس -بضم الفاء وسكون اللام-.
7-العضب: العضب السيف القاطع، العضب الشيء المقطوع، أرسل به سعدُ بن عبادة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند توجهه إلى غزوة بدر.
8-القضيب: وسيف قضيب: دقيق ليس بصفيحة، ويشير اسمه إلى وصفه حيث القضيب يطلق على العصا فكأنه يشبه العصا في خفته وسهولة حمله وكان سيفاً للدفاع، أو يصاحب المسافر ولكنه لا يقدم للقتال، أصابه من سلاح بني قينقاع.
9-الصَّمصامة: والصَّمصام هو السيف الذي لا ينثني، كان لعمرو بن مَعْدي كرب الزبيدي، فوهبه بعد إسلامه لخالد بن سعد بن العاص بن أميه بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا السيف مشهوراً عند العرب.
10-اللُّحيف.
وقد ذكر ابن القيم في الزاد تسعة أسياف فقط فلم يذكر الصَّمصامة واللحيف، وذكرهما صاحب كتاب سبل الهدى والرشاد.
وقد نظم أحدهم بعض هذه السيوف فقال:
لهادينا في الأسياف تسع *** رسوب والمخدم ذو الفقار
قضب حتف والبتار عـــضب *** وقلعــي ومأثــــور الفـــجار
ولم يبق من هذه السيوف شيء كما ذكر ذلك جماعة من المؤرخين والعلماء المعتبرين.
لباس النبي صلى الله عليه وسلم:
1-العمامة: كانت له عمامة سوداء تُسمَّى السحاب (العمامة: كل ما يلف على الرأس) كساها علياً، وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة،
ويلبس العمامة بغير قلنسوة، وكان إذا اعتم، أرخى عمامته بين كتفيه.
2-القَلَنْسُوَة: "القلنسوة بفتح القاف وفتح اللام وضم السين، والقلنسية بضم القاف وفتح اللام وكسر السين وبالياء، وهاتان مشهورتان ويقال قلنساة،...والقلنسوة هي لباس
الرأس معروفة"، قال ابن العربي: "القلنسوة من لباس الأنبياء والصالحين السالكين تصون الرأس، وتمكن العمامة وهي من السنة"، وقال ابن القيم رحمه الله: "وكان يلبسها -
يعني العمامة- ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة" انتهى.
3-القميص والرداء والإزار ونحوهم: لبس النبي صلى الله عليه وسلم القميص (والقميص: اسم لما يُلبسُ من المخيطِ الذي له كُمَّانِ وجَيْبُ، يُلبس تحت الثياب ولا يكون من
صوفٍ، مأخوذ من التقمُّصِ، بمعنى: التَّقلّب لتَّقلَّ الإنسان فيه، وكان أحبَّ الثياب إليه، وكان كُمُّه إلى الرُّسغ (الرُّسغ وهو مَفْصِل ما بين الكَفِّ والسَّاعِد)، وقد كان له قميصٌ
من قطن، قصير الطول، قصير الكُمَّين، وكان يحب الحِبَرة (وهو ثوب من قطن أو كتان يصنع باليمن)، وكان يحب من الثياب البيض، وقد لبس حلة حمراء (جاء في زاد المعاد: "وغلط
من ظن أنها كانت حمراء بحتاً لا يخالطها غيره وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها
من الخطوط الحمر، وإلا فالأحمر البحت منهي عنه أشد النهي"، ولبس جبة رومية ضيقة الكمين، وخطب وعليه بردان أخضران (البُرْد: نوع من الثياب معروف)، ولبس بُرْدَةً مِنْ
صُوفٍ سَوْدَاءَ، وكان له حلة بهية يلبسها في العيدين ويوم الجمعة، ويتجمل بها إذا وفد عليه الوفود، وقد توشح بثوب قِطْري (الثوب القطري: نوع من الثياب اليمانية، يتخذ من
القطن وفيه حمرة وأعلام، أي: خطوط مع خشونة)، ولبس مِرْطاً مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدٍ (المِرْط: كساء يؤتزر به تارة يكون من صوف، وتارة من شعر أو كتان أو خز)، وكان له إِزَارٌ غَلِيظٌ مِمَّا
يُصْنَعُ في الْيَمَنِ، وَكِسَاءٌ مِنْ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُلَبَّدَةَ (قيل: المرقع، وقيل: الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبدة)، وقد ذُكر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه اشترى سراويل
(السراويل: لباس يغطي السرة والركبتين ومابينهما، يتم تذكيره وتأنيثه، والجمع سراويلات)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يجد
إزاراً فليلبس سراويل)) البخاري برقم (5467)، ومسلم برقم (1179)، والسراويل ليس هو البنطال، فالبنطال يغطي من أول خاصرة الجسم حتى أسفل القدم.
4-الخاتم: فقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ذهب، فكان يلبسه في يمينه، فاتخذ الناسُ خواتيمَ من ذهبٍ، فطرحه
صلى الله عليه وسلم، وقال: ((لا ألبسه أبداً)) البخاري برقم (6275)، ومسلم برقم (2091)، فطرح الناس خواتيمهم، ونهى الرجال عن لبس الذهب، وقد كتب النبي صلى الله
عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم، فصاغ رسول الله خاتماً حلقته فضة، ونقش فيه محمد رسول الله، وكانت صفة النقش:
(محمد) سطر، و(رسول) سطر، و(الله) سطر، وكان صلى الله عليه وسلم يضع خاتمه في خنصر يده اليسرى، وتارة في يده اليمنى، وكان فِصُّ الخاتم حبشياً.
5-النعال: كان نَعْلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَهُمَا قُبَالان (والقُبَال: هو زمام النعل وسيرها، فالقبالان: هما زمامان لأصابع القدم بين الإبهام والتي تليها، وبين الوسطى
والتي تليها)، وجاء أنه كَانَ لِنَعْل رَسُوْل اللهِ صَلَّى الله عََلَيْهِ وَسَلَّم قُبَالان مَثنىّ شِرَاكُهُمَا (والشراك: هو السير الرقيق الذي يكون في النعل على ظهر القدم)، وكانت نعله جرداء
لا شعر عليها، وهي النعال السِّبْتَيَّةِ (والنعال السِّبتية: هي المدبوغة نسبة إلى السِّبْتِ، وهو القطع وما معناه من حلق الشعر أو إزالته بالدبغ)، وقد شُوهِدَ عليه الصلاة والسلام
يصلي وهو يلبس نَعْلَيْن مَخصُوْفَتَيْن (والنعل المخصوفة: هي المخروزة من الخصف، وهو الخرز وضم شيءٍ إلى شيءٍ).
والحمدُ للهِ ربِ العالمين ..
شُكرًا للغالية تسوكي على فواصِلها الرائِعة ..
المفضلات