(5)
لَعِبَ دورًا بارزا !!!
لما أصبح الّلعب يُلبَسُ لباسَ الجدّ والحزم في قانونه وأحوالِه , واستعداد فرسانه وأبطاله , وامتثالهم لأحكامه وآدابه , وخضوعهم لجزاءاته وعقابه ,
صارت لفظة الّلعب لفظة محترمة ذات وزن وقدر , وتطور استعمالها بتطوّر معناها ,
فأصبحت تستعمل فيما يشارك فيه المرء من أمور الحياة صناعة وإنجازًا وإنجاحًا ونحو ذلك ,
فيقولون لعب فلان في مؤتمر السلام دورا بارزا .
وأظن أن المستعمل الأول للّعب على هذا النحو قد استحضر خيالُه صورةَ لاعب ذلك الدّور وهو يذهب ويجي , ويستجيشُ ويَلتجيْ , ويقتَنصُ الفرص ويروغ , ويُعمل الحيلة في تصرفه حتى يصل إلى غايته ويحقق هدفه ,
فقال عنه : ( لَعِبَ ) استحضارا لهذه الصورة وتشبيها بالّلاعب الذي يسعى إلى تحقيق هدفه ,
وهذا هو سرّ التطور في استعمال الألفاظ ,
وسعةِ التشبيه وضروبِ الكنايات , ولا يصح إطلاق اللّعب إلا على ضدّ الجدّ ,
ولولا قرنية الحال والسياق التي تفهم المقصود لما جاز استعمالها إلا في معناها الأصلي .
ولفظ ( دورا ) في قولهم : لعب دورا , يعرب مفعولاً مطلقا , أو مفعولا لـ( لَعِب ) المضمن معنى ( أدّى ) ,
ولهذا كان رأي الأكثرين من شيوخ مجمع الّلغة بالقاهرة أن يقال : أدّى دورا , مكان : لعبَ دورا ,
والذوق يرفض أن يُستعمل الّلعب في مقام التدين والمعتقد والجِدّ الخالص فلا يقال : لعب في الإمامة دورا بارزا ,
وما قلته في أمر الاستحضار والتخيل يمنع صاحبَ الذوق الصائب والنظر الثاقب أن يستعمله إلا فيما هو مناسب له .
المفضلات