شبهات حول الصديق رضي الله عنه -6- :
شبهة خلافة الصديق رضي الله عنه:
يقول أحدهم: (لقد آليت على نفسي عند الدخول في هذا البحث أن لا أعتمد إلاّ ما هو موثوق عند الفريقين وأن أطرح ما انفردت به فرقة دون أخرى، وعلى ذلك أبحث في فكرة التفضيل بين أبي بكر وعلي بن أبي طالب وأنّ الخلافة إنّما كانت بالنص على علي كما يدّعي الشيعة أو بالانتخاب والشورى كما يدّعي أهل السنة والجماعة)... وقال أيضاً: (والباحث في هذا الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنّه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحاً جلياً كقوله صلى الله عليه وسلم : ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) قال ذلك بعدما انصرف من حجة الوداع فعُقد لعلي موكب للتهنئة حتى أنّ أبا بكر نفسه وعمر كانا من جماعة المهنئين للإمام يقولان: (بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة).
وهذا النص مجمع عليه من الشيعة والسنّة، ولم أخرّج أنا في البحث هذا إلا مصادر السنّة والجماعة...ألخ.
ردود العلماء:
اختلف أهل السنة في خلافة أبي بكر، فقالت جماعة:
- ان خلافة أبي بكر ثبتت بالنص الجلي أو الخفي.
- في حين قالت جماعة أخرى من أهل السنة أن الخلافة كانت بموافقة أهل الحل والعقد.
وقد استدل الطرف الأول على وجود النص بالخلافة على أدلة قوية، فعلى التقديرين لم يخرج الحق عن أهل السنة.
أما قوله أن الشيعة يدعون بأن الخلافة كانت بالنص على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، مستندين على عدة أحاديث فهذا فيه نظر كما سيأتيً، ومن جانب آخر لو فرضنا أن القول بالنص على الخلافة هو الحق لم يكن لهذا الأمر دليل على ما يدعيه الشيعة الاثني عشرية، فإن "الراوندية" القائلين بإمامة العباس بن عبد المطلب يدعون النص الثابت عليه كما يدعي الشيعة أن النص الثابت هو في علي.
أما قوله: أن الباحث عن الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنه سيجد النص على عليّ بن أبي طالب واضحاً جلياً كقوله صلى الله عليه وسلم : ((من كنت مولاة فهذا عليّ مولاه)).
الرد:
أ- اختلف أهل الحديث في تصحيح وتضعيف هذا الحديث فمنهم من ضعفه ومنهم من حسّنه.
ب- الإدعاء أن هذا الحديث نص واضح وجلي على عليّ فأقول: البرهان على عدم وجود هذا الوضوح والجلاء هو في نفس النص لأن النص كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع عند "غدير خُم"، ومعلوم أنه بعد حجة الوداع لم يرجع المسلمون كلهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بل رجع أهل مكة إلى مكة وأهل الطائف إلى الطائف وأهل اليمن إلى اليمن فلم يرجع معه إلا أهل المدينة، فلو كان ما ذكره في غدير خُم بلاغاً للناس كافّة لذكره في حجة الوداع التي اجتمع فيها المسلمون كافة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة الإمامة بشيءٍ ولا ذكر علياً أصلاً، ومن هنا نعلم أن إمامة عليّ لم تكن وحياً منزلاً ولا منصوصاً عليها في دين الله عزوجل، ولا مما أُمر ببلاغها، فهذا الحديث ليس حُجّة على خلافته فضلاً عن وضوحه وجلائه!
جـ- وبالنسبة لكلمة مولاه فلم يَرد بها الخلافة قطعاً ولا اللفظ يدل على ذلك لتعدّد معاني المولى، ففي مختار الصحاح يقول الرازي: (المولى المُعتِقِ والمُعْتَقُ وابن العَمِّ والناصر والجار والحليف.. والموالاة ضد المعاداة. وقال: الوِلاية بالكسر السلطان والوَِلايةُ بالفتح والكسر النصرة) ، وقال الفيروزآبادي: (الوَلْيُ: القرب والدنو،... والوَلِيُّ: الاسم منه، والمحب والصديق، والنصير، وولي الشيء، وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أو هي المصدر وبالكسر: الخطة والإمارة والسلطان... والمَوْلَى: المالك، والعبد، والمُعْتِقُ، والمُعتَقُ، والصاحب، والابن، والعم، والنزيل، والشريك، وابن الأخت، والوَلِيُّ، والرب، والناصر، والمُنْعِمُ، والمُنْعَمُ عليه، والمحب والتابع، والصهر).
ومن هنا نعلم أن المولى جاءت بمعنى النصرة وغيرها من التعريفات السابقة فجعلها في معنى السلطان يحتاج إلى دليل واضح لإثبات ذلك، هذا بالاضافة لتعذر حمل المولى على الوالي.
يقول شيخ الإسلام: (وليس في الكلام ما يدل دلالة بيّنة على أن المراد به الخلافة.
وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} ، وقال سبحانه : {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}، فبيّن أن الرسول وليّ المؤمنين، وأنهم مواليه أيضاً، كما بيّن أن الله ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤه، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدراً، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفّار لا يحبون الله ورسوله، ويحادّون الله ورسوله ويعادونه.
.....
المفضلات